بابا الفاتيكان الرحيل والأثر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أعلن الفاتيكان مساء يوم السبت 2/4/2005 موت زعيم النصارى الكاثوليك في العالم, البولندي الأصل  'كارول فويتيلا' والمعروف باسم [البابا يوحنا بولس الثاني].

ويوحنا المولود عام 1920 بالقرب من مدينة كراكو البولندية، هو البابا الأول غير الإيطالي منذ البابا أدريانوس السادس [1522- 1523م]، كما يعتبر أصغر بابا في القرن العشرين، حيث تولى البابوية عام 1978، وكان عمره آنذاك 58 عاماً.

وقال الفاتيكان في بيان: إن البابا الذي بلغ من العمر 84 عاماً، ورأس الكنيسة الكاثوليكية على مدى 26 عاماً توفي في الساعة 9.37 مساء بالتوقيت المحلي في مقر سكنه الخاص.

وأعلن نبأ وفاة البابا على الفور على حشود ضخمة تجمعت في ميدان 'القديس بطرس' في الفاتيكان، حيث أقيمت صلوات على أضواء الشموع.

وبحسب دستور الفاتيكان الصادر في 1996 فإن القداس الديني الجنائزي عند وفاة البابا يجب أن يتم على مدى 9 أيام، على أن يتم الدفن ما بين اليوم الرابع واليوم السادس الذي يلي الوفاة، كما يقضي بدفن جثمانه في سرداب أسفل كنيسة 'القديس بطرس'، إلا إذا حددت وصية الدفن مكاناً آخر أو طريقة مغايرة.

 

تدهور صحته [البابا الأبكم]:

وكان يوحنا قد نقل مؤخراً مرتين إلى المستشفى بعد أن أصيب بمشاكل في التنفس ازدادت سوءاً بسبب إصابته بمرض الشلل الرعاش، ثم خضع لجراحة في الحنجرة 'فبراير الماضي' للتخفيف من مشكلات التنفس التي كان يعاني منها، مما سبب له صعوبات في النطق والكلام بعد العملية، خاصة بعد  تركيب جهاز في الرقبة لتسهيل التنفس.

وفور الإعلان عن العملية أكدت الصحافة الإيطالية الصادرة السبت 26/2/2005 أن الفاتيكان والكنسية الكاثوليكية تستعدان لاستقبال بابا أبكم، وذكرت صحيفة 'كوريا ديلا سوريا' أن الفاتيكان يستعد لبابا لا يتكلم، مشيرة إلى أنه دون نقاش لن يتخل البابا عن مهامه حتى وإن أصبح أبكم نهائياً، كما ذكرت صحيفة 'الميساجيرو' إلى أن البابا يستطيع الإدارة من خلال القيام بالإشارة، فيما نوهت صحيفة 'لا ريبوليك' إلى قيام 'البابا بنظام صامت'.

وأشارت الصحف الإيطالية الثلاث إلى أن الكاردينال الإيطالي 'ماريو فرانسيسكو بومبيدا' البالغ 75 عاماً - والذي كان يتقلد منصب وزير العدل الأسبق - أكد على أن البابا يستطيع حكم الكنسية من المستشفى من خلال التعبير عن رغبته، أو كتابة الأمور والإجراءات، أو الإدلاء ببعض الإشارات.

وفي الأيام الأخيرة قبيل الوفاة تدهورت صحة يوحنا بشدة، وحسب ما نشرته مجلة 'دير شبيجل' الألمانية فقد تخلف بابا الفاتيكان وللمرة الأولى منذ توليه البابوية عن حضور مراسم احتفال النصارى بيوم الفصح يوم الأحد 27/3/2005، حيث لم يستطع مجرد الوصول إلى الشباك من أجل إلقاء نظرة على أتباعه, وذكرت المجلة أن الأطباء المعالجين له حذروه من خطورة أن يحاول الوصول إلى نافذة الغرفة من أجل الظهور أمام الناس, وتحدثت صحيفة 'التليجراف' البريطانية في موقعها على الإنترنت عن اللحظات الأخيرة في حياة 'يوحنا بولس الثاني' بابا الفاتيكان الذي أُعلِنت وفاته مساء أمس السبت.

وأوضحت الصحيفة أنه في يوم الأربعاء الماضي قام الأطباء بإدخال أنبوب تغذية إلى معدة البابا في محاولة منهم لزيادة حيويته، وذلك بعد يوم واحد من تطور المرض، وارتفاع الحمىº مما أدى إلى عجز القلب، ومن ثم إصابة الكلية واضطرابها ثم الوفاة.

جدير بالذكر أن يوحنا قد تعرض لمحاولة اغتيال حيث أصيب برصاص مواطن تركي 'محمد علي آغا' في 13 مايو 1981 في ساحة 'القديس بطرس' بالفاتيكان.

 

متى مات البابا؟

وكان وزير الصحة في الفاتيكان قد أعلن صباح الجمعة 1/4/2005 أن بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني يحتضر، وفي حينه أيضاً ذكر كبار رجال الدين في الفاتيكان أن البابا يحتضر، وهو على مشارف الموت، وكان الفاتيكان قد وصف حالة البابا بأنها 'خطيرة للغاية' بعد أن تعرض لنوبة قلبية، وأشار مسؤول في الفاتيكان إلى أنه يكاد لا يعتقد أن الوضع سيتحسن، في حين قال كاردينال كبير: إن البابا يشارف على النهاية، غير أن وسائل الإعلام في إيطاليا حيث يتواجد الفاتيكان أكدت وفاة البابا، مشيرة إلى توقف أجهزة تخطيط القلب، كما أكدت مصادر بالفاتيكان أن بولس الثاني قد توفي، ومن المقرر أن يعلن المقر البابوي ذلك لاحقاً.

وفي وقت سابق من اليوم ذاته أعلن الفاتيكان أن البابا 'يوحنا بولس الثاني' لا يزال في حالة خطرة، وأن ضغط دمه غير مستقر بالإضافة إلى مشاكل في التنفس، وأكد 'غواكين نافارو فولز' كبير المتحدثين باسم الفاتيكان للصحفيين أن المراسم الدينية الكاثوليكية الأخيرة التي تجرى عادة للمرضى وهم على فراش الموت قد أجريت للبابا.

 

من يخلف يوحنا

وكانت الوعكات الصحية المتتالية ليوحنا في الآونة الأخيرة قد فتحت باب الخلافة على رأس الكنيسة الكاثوليكية على مصراعيه، وأصبح كبار مسؤولي الفاتيكان يناقشون الموضوع في وسائل الإعلام بعد أن كان ذلك في حكم المحظور قبل سنوات، خاصة وأن النصارى يعتبرونه 'وريث كرسي القديس بطرس'، كما يزعمون أنه 'يستمد شرعيته من المسيح مباشرة'، وليس له الحق في العدول عن 'رسالته الإلهية' ما دامت الروح تسري في عروقه.

ويقرر 'الدستور الرسولي' الذي تمت المصادقة عليه عام 1996م أنه في حال وفاة البابا ينعقد مجمع الكرادلة في جلسة مغلقة لانتخاب خلف له بغالبية ثلثي الأصوات، ومن المقرر أن يبدأ المجمع الانتخابي المكون من 120 كاردينالاً بعد حوالي أسبوعين بالاجتماع لانتخاب رئيس جديد للكنيسة الكاثوليكية، ليصبح البابا رقم 265 في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية.

ويتم انتخاب البابا ضمن طقوس خاصة تحيطها أسرار الغرف السوداء، إذ أن الكرادلة المؤهلين لاختيار بابا جديد يدخلون اجتماعاً مغلقاً، وينقطعون عن العالم حتى ينتخبوا من بينهم البابا الجديد، في غضون ذلك تكون ساحة 'القديس بطرس' مكتظة بجماهير غفيرة تنتظر من سيكون 'نائب المسيح' على حد وصفهم.

وبعد كل جولة من المناقشات السرية يتصاعد دخان من مدخنة الشرفة التي تطل على الساحة، فإذا لم يتم الاختيار يصعد دخان أسود، وإذا تم الاختيار يصعد دخان أبيض، ويخرج بعد قليل عميد الكرادلة إلى شرفة كنسية القديس بطرس ويعلن اسم البابا الجديد.

وتشكيلة مجمع الكرادلة الحالي الذي عينه بولس الثاني تغلب عليها ما سماه المحلل الإيطالي المتخصص في شوؤن الفاتيكان 'جان كارلو زيزولا' بالنزعة العالمية، إذ أن كرادلة دول العالم الثالث يمثلون نحو 40 % من المجمع أي ما مجموعه 54 كاردينالاً، وذلك أمام تراجع الكتلة الإيطالية [24 كاردينالاً] التي فقدت كرسي البابوية منذ أكثر من 4 قرون، وفي هذا الصدد يرى البعض أن البابا القادم قد يكون من خارج أوروبا، وربما من أميركا اللاتينية.

كما أن كاثوليك أفريقيا - وخاصة النيجيريين - بدؤوا يحلمون بأول بابا أسود على رأس الكنيسة، وتوقعت بعض الأوساط الكاثوليكية أن يكون البابا أحد أقرب المستشارين ليوحنا، وهو بحسب صحيفة 'جولف دايلي نيوز' الكاردينال النيجيري 'فرانسيس آرينز' البالغ من العمر 72 عاماً.

ويأتي هذا التوقع مع وجود إحدى نبوءات [الكتاب المقدس] لدى الكاثوليك، وهي نبوءة تكرس سياسة التمييز العنصري، وظهرت في القرن السادس عشر، وتزعم أن القيامة ستقوم عندما يأتي بابا أسود على رأس الكنيسة الكاثوليكية بالفاتيكان, ويدخل الإيطاليون على خط الصراع، حيث يرغبون في استعادة مكانهم الذي استمروا فيه 4 قرون.

ومن جانبه كشف  موقع [نيوز فرست كلاس] الأخباري الصهيوني السبت 2/4/2005 أن أحد ورثة بابا الفاتيكان وهو الكاردينال 'كريستوفر شونبرن' بطريرك فينا قد زار الكيان الصهيونى مؤخراً، وتحدث خلال تلك الزيارة عن 'حق اليهود في الأرض المقدسة'، وقال الموقع: إن الكاردينال كريستوفر أوضح ذات مرة أنه يرفض ما يقال حول أن التأييد الأوروبي لـ 'إسرائيل' ينبع من الإحساس بالذنب تجاههم.

وكان يوحنا قد زار الكيان الصهيونى عام 2000 م، والتقى بكبار المسؤولين والحاخامات، وقام بزيارة حائط البراق، وأعلن خلال تلك الزيارة عن 'أسفه' على ما لحق باليهود من معاناة على مدار التاريخ، وطلب منهم الصفح والعفو، وقال: إنه يريد عقد حلف صداقة بين المسيحيين واليهود.

 

آخر أعماله اهتمامه بالتنصير في الدول العربية!

وقد كان البابا يوحنا واضحاً حين أعلن عن رغبته في توسيع دائرة التنصير في الشرق الأوسط، واتخذ في سبيل ذلك خطوات على المستويات المختلفة، وصارت تحمل لقب 'تاريخية'، بمعنى أنها حدثت للمرة الأولى في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الذي يمتد إلى قرابة ألفي سنة.

فالبابا يوحنا كان أول بابا على الإطلاق يدخل مسجداً حين زار المسجد الأموي في دمشق في مايو من عام 2001 م،  وهو أول رئيس للكنيسة الكاثوليكية في التاريخ يزور مصر، التي تضم أكبر مجتمع مسيحي في الشرق الأوسط من حيث العدد، وإن كانت أقلية ضئيلة للغاية فيه تدين بالولاء لكنيسة روما، وفي عهده أقيمت علاقات دبلوماسية قوية جداً بين إسرائيل والفاتيكان عام 1994م، بعد أن كان أيضاً أول بابا يلتقي مباشرة بالحاخام الأكبر في إسرائيل قبل ذلك بسنة على ملأ من الصحافة والإعلام العالميين، وأول بابا يزور معبداً يهودياً عام 1986 م, كما يعلم اهتمام البابا بالعملية الإرسالية التنصيرية في العراق، وبكلمته المشهورة بعد سقوط بغداد أن الأجواء في العراق مهيأة للتنصير كأفضل ما يكون، كما قام البابا يوحنا قبيل تدهور حالته الصحية بتعيين نائب جديد له على شبه الجزيرة العربية كرئيس لما يسمى بـ'إدارة شؤون النيابة الرسولية'، والتي تشمل البحرين والسعودية والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان واليمن.

وكان بولس قد قبل صباح يوم الاثنين 21/3/2005 استقالة المطران 'جوفاني بيرناردو جريمولي' الذي كان يشغل هذا المنصب، وعين مكانه المطران 'بول هيندر' الذي كان أسقفاً لمنطقة شبه الجزيرة العربية، وقالت الإذاعة السويسرية: إن بول هيندر حاصل على دكتوراة في القانون الكنسي.

وتم إنشاء ما يسمى بـ'إدارة شؤون النيابة الرسولية' في شبه الجزيرة العربية - التي تتخذ من العاصمة الإماراتية أبو ظبي مقراً لها - في 28 من يونيو من عام 1889م، ويعتبرها الفاتيكان إحدى المقاطعات الكنسية الأكثر أهمية وامتداداً في العالم، ويعمل فيها نحو 40 كاهناً و70 راهبة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply