جراحات الأُمَّة بين دور الأزهر وشراسة الأعداء


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين... وبعد:

في ظل الظروف العصيبة التي تعصف بالأمة، وفي خضم المتغيرات المتسارعة والأحداث المتلاحقة التي يعيشها العالم اليوم نتطلع جميعًا إلى أزهرنا الشريف، منارة الهدى، ومشعل الضياء، الذي تعلم فيه وتخرج منه الأئمة الأعلام الذين دعوا إلى السنة، وحذروا من البدعة، وأقاموا الحجة، ودحضوا الشبهة، وجاهدوا في سبيل الله حق جهاده. فإن الغيور ليعتصره الأسى وهو يرى الفرقة تضرب بأطنابها في بقاع الأرض في ظل تصفية حسابات أنانية، ونظرات مادية، بين عولمة كاسحة، وتبعيَّة فاضحة وجهل متفاقم، وفقر متعاظم، وظلم مستشرٍ,، وإرهاب مستفحل، وحروب عرقيه، وانحياز دولي جائر، وهيمنة على مستقبل الأمم والشعوب.

وقد استيقظت الشعوب الإسلامية يومًا على أخبار المؤامرة الأمريكية الجديدة!! من شواطئ الأطلنطي الغربية تقول إن أمريكا استمرارًا لمؤامراتها على الإسلام والمسلمين سوف تطبع قرآنًا للمسلمين وهو نفس كتابهم المنزل بعد تعديله وحذف ما يرون حذفه، وإضافة ما يستهويهم واستبدال مصطلحات، وكلمات، وترتيب أولويات.

والقضاء على القرآن الكريم هو أمنية قديمة وهدف يسعى إليه الغرب، ولم يكن بوش الابن أول رئيس يهتم بشن الحرب بجميع أنواعها وأسلحتها المادية والمعنوية على الإسلام، فالتاريخ يذكر أن إمبراطور بيزنطة "جان كنتاكوزين 1292 1380" قد شن من قبل أوسع حملة على القرآن وجاء هجومه شرسًا مفصلا في كتابين بغرض النيل من القرآن.

ويذكر التاريخ دعوة "اللورد كرومر" الشهيرة للقضاء على القرآن. حتى يستطيعوا السيطرة على الشرق، وقال في كتابه المسمى "الكتاب الأسود" طبعة الأنجلو أمريكان ص271 إننا لا نستطيع أن نمتلك الشرق إلا إذا محونا القرآن من قلوب المسلمين... وسَلَّمنَا المسجد الأقصى لليهود... وأبدنا الأزهر من مصر!!

وعندما سمعنا عن الخطة الأمريكية لكتاب الفرقان المزعوم، ظن الكثيرون أن اختيار كلمة "الفرقان" هو اختيار عشوائي أو مجرد اسم لمؤمراتهم هذه، ولكن الحقيقة غير ذلك، فالغرب قد جادلوا كثيرًا في كلمة "الفرقان" منذ بدايات القرن الماضي واعتبروا أن الكلمة التي سمي بها القرآن، هي كلمة اقتبسها محمد - صلى الله عليه وسلم - من اللغة العبرية أو اللغة السريانية، وقد طال جدلهم الكاذب، وعندما فكروا الآن في كتاب يحاربون به القرآن كان لابد لهم أن يسموه "الفرقان".

وقد ذكرت كلمة الفرقان في آيات القرآن الحكيم في أكثر من موضع ففي الآية {53} سورة البقرة قال - تعالى -: وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون، وقال - تعالى - أيضًا في سورة البقرة الآية {185}: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان... الخ.

وفي سورة آل عمران: نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل (3) من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان.. الخ.

وفي سورة الأنفال: وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير {41}.

وفي سورة الأنبياء: ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين {48}.

وفي سورة الفرقان: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا {1}.

وقد اتفق علماء اللغة والمفسرون على أن فعل "فرق" هو مصدر كلمة الفرقان.. وأن معنى كلمة "الفرقان" هو كل ما يدل على التفريق بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، ويوم "الفرقان" يوم التمييز بين المؤمنين والكفار.

وبرغم أن تلك الكلمة عربية المصدر إلا أن بعض المستشرقين وبغباء واضح ومغالطة وقحة أرجعوا الكلمة إلى اليهودية والمسيحية، وزعموا أن كلمة الفرقان هي كلمة عبرية كانت في الأصل "ببركي أبت" وتم تعريبها إلى كلمة "فرقان" وتعني عند اليهود "الأحكام الدينية والأخلاقية التي نص عليها حكماء المعبد اليهودي في زمن سيمون العادل".

إن حقدهم وتحرشهم بالإسلام الآن ما هو إلا امتداد لحقدهم وتحرشهم به قديمًا، فهاهم الآن يطلقون "الفرقان" على مؤامراتهم الجديدة ليس بسبب أنها كلمة عربية اختاروها اختيارًا، إنما هم يطلقون عليها هذا الاسم لأن كلمة فرقان في عرفهم تعني أنها من اللغة العبرية أو السريانية!

ورغم صمت المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي فسيبقى القرآن الكريم كتاب الله الخالد، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولن يستطيع أحد أن يغير منه حرفًا واحدًا مصداقًا لقوله - تعالى -: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون.

 

منع بناء المعاهد الأزهرية والمساجد!!

صدر قرار مجلس المحافظين في مصر قبل حوالي شهر تقريبًا والخاص بوقف بناء المعاهد الأزهرية الجديدة، ومنع بناء مساجد أهلية، وهدم المساجد المقامة بدون ترخيص، وإن قرار مجلس المحافظين بعدم الترخيص ببناء معاهد أزهرية جديدة يُعد خطوة في اتجاه إلغاء دور الأزهر، ولا يخدم إلا القوى الصهيونية والأمريكية، كما أن القرار بتفويض المحافظين في تحويل بعض المعاهد الأزهرية إلى مبان تابعة لوزارة التربية مخالف لقانون الوقف لأن مباني هذه المعاهد ليست مالا عامًا، ولكنه مال خاص أوقفه أهل الخير للتعليم الأزهري.

إن هذا القرار لا يتناسب مع ظروفنا في الوقت الحاضر، والتي تتطلب منا الحفاظ على صورة الإسلام والمسلمين، وتفعيل دور المؤسسات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي.

إن الولايات المتحدة تروج لأكاذيب تتهم من خلالها المناهج الأزهرية والدينية بأنها تساعد على تخريج إرهابيين لا دعاة، فضلا عن مطالبة الغرب بإعادة النظر في هذه المناهج وتقليص دور المعاهد الأزهرية والمساجد، ولهذا فإن هذا القرار يعد بمثابة اعتراف بأن التوسع في المؤسسات التعليمية ذات الطابع الديني يشجع على العنف والإرهاب!! فضلا عن أنه مجاراة للغرب وخدمة لأهدافه في الحرب على الإسلام والصورة المشوشة التي يريدون إلصاقها بالمسلمين.

 

الأزهر والدور المنشود

وإننا نطالب بتفعيل دور الأزهر، والتمسك بدوره التاريخي في إعداد الدعاة، وتخريج الأكاديميين في مختلف العلوم من خلال مناهج تواكب المتغيرات التكنولوجية، وتحافظ على الثوابت الإسلامية، وتقاليد المجتمعات المسلمة!!

والقرارات التي صدرت في هذا الشأن من مجلس المحافظين قرارات معيبة وخاطئة، فهم يتحركون من خلف قيادات الأزهر لتنفيذ المخططات الخارجية التي تريد هدم الأزهر، وإلغاء التعليم الديني في مصر، كما أن المعاهد الدينية ليست تابعة للإدارة المحلية، فكيف يتصرف محافظ في بناء معهد أو هدمه دون الرجوع إلى قيادة الأزهر المسئولة عن التعليم الديني وفقًا لقانون الأزهر؟!!

إن للأزهر دورًا عالميًا، وبهذه القرارات فهم يريدون إلغاء هذا الدور لأنه المرجعية لكل ما يتعلق بالأمور الشرعية والعقدية.

كما أنه لا ينبغي تقييد بناء المساجد لأن المسجد هو محور حياة الأمة، فهو بمثابة وزارة التربية والتعليم، ووزارة الثقافة، ووزارة الدفاع، وهو دليل على إسلام الأرض والبشر بدليل أن أول ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة هو بناء المسجد، ومن بعده استوعب الصحابة الدرس، وشرعوا في بناء المساجد في كل أرض يفتحونها، وبالتالي فلا يجوز تحويل المساجد أو الزوايا إلى أي شيءٍ, آخر لأن وقفَهُ صار لله - سبحانه وتعالى-، وبالتالي لا يجوز تحويله لفصول لمحو الأمية ولا غيرها.

إننا نناشد فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر بالقيام بمسئولياته التاريخية. ونناشد مجمع البحوث الإسلامية، ووزارة الأوقاف وعلى رأسها معالي الأستاذ الدكتور وزير الأوقاف بالقيام بدورهم الريادي للمحافظة على التعليم الأزهري وحماية بناء المساجد في مواجهة من يكيدون للإسلام وأهله!!

 

غربة الدين

إن ما يحدث في بلادنا بأيدي أعدائنا هو نتاج لتقصيرنا، وانشغالنا عن ديننا وإن المصيبة العظمى أن تتوالى الفتن على القلوب ويزول خطر المعاصي في النفوس، فيقع الناس في حدود الله منتهكين لها، حتى أصبح المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا فأي قلب أُشربها نُكِتَت فيه نُكتَة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى تصير القلوب على قلبين، على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربادًا كالكوز مجخِّيًا لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه" {أخرجه مسلم}.

وسئل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: من مَيِّتُ الأحياء؟ فقال: "الذي لا ينكر المنكر بيده ولا بلسانه ولا بقلبه".

وفي صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خُلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبةُ خردلٍ,".

لم يكف أعداء الدين من اليهود والنصارى والملحدين ومن سار في ركابهم ومن ساندهم وأيدهم من فُسَّاق الملة المستغربين عن شن الحملات عبر وسائل ورسائل لا يخفى هدفها، ولا يُجهَلُ محتواها، غرضها زعزعة عقيدة الأمة، وتدمير أخلاقياتها وطمس هوَّيتها وتغييبها عن رسالتها، فبماذا واجه المسلمون تلك الحملات؟! هل أوصدوا دونها الأبواب؟ هل جاهدوها حق الجهاد؟! هل قاموا بالواجبات اللازمة والكافية لمنع انتشار الشر والفساد؟!

لقد فتح كثير من المسلمين بسبب الغفلة عن دين الله وقلة التحفٌّظ، فتحوا بلادهم ومتاجرهم وبيوتهم وقلوبهم لتلك التيارات الوافدة وأسلموا مجتمعاتهم للأمة الكافرة المعاندة، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "لتتبعُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضبِّ لتبعتموهم" قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟! " {أخرجه البخاري}

ولا زال الإسلام ينتظر رجاله الذين سيشرفهم الله - سبحانه - بحمل الأمانة وأدائها حق الأداء، بعد أن يُفني بقدرته - سبحانه - مفاتيح الشر ودعاته قال - تعالى -:وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم {محمد: 38}.

والحمد لله رب العالمين

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply