بين العقيدة والسياسة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 المرجعية العليا في الإسلام لله - تعالى - - أي للقرآن الكريم ـ ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - أي للسنة المطهرة ـ ثم تأتي بعد ذلك مرتبة العلماء الذين تقتصر مهمتهم على استنباط الأحكام الشرعية من هذين المصدرين وفق ضوابط الاجتهادº والفتوى في النوازل التزاماً بقواعد أصول الفقه. وهذا الترتيب في سلم المرجعيات يتعلق بالنسبة للمسلم بعقيدته وصحة إيمانهº فمن يقلب هذا السلمº أو يجادل في حجيته، ليس له حظ من الإسلام ولا نصيب من الإيمان، أما بالنسبة لترتيب المرجعيات فقد قال الله - تعالى - في سورة النساء (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً)، وفي من يتحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله قال - تعالى - بعد هذه الآية مباشرة (ألم تر إلي الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً)، قال العلماء كل من حكم بغير شرع الله فهو طاغوت، إلى أن قال - تعالى - في سياق الآيات نفسها (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً).

 

هذه المقدمة البدهية لمن له أدنى معرفة بالإسلامº فضلاً عمن له ذرة من إيمانº تغيب عن الكثيرين في زحمة الأحداث ودهاليز السياسة، ويضغط على بعضهم توالي الأزمات حتى يظن أن المخرج في الخضوع للقانون الدولي والتزام ما يسمى بقرارات الشرعية الدولية حتى ليصدق عليهم قول المتنبي:

 

كفي بك داءً أن ترى الموت شافيا *** وحسب المنايا أن يكن أمانيا

 

والعدول عن شرع الله والاحتكام للقانون الدولي ومقررات الأمم المتحدة فيه الداء حقيقة لا مجازاًº وتكمن في ثناياه المنايا يقيناً لا ظناً.

 

وما يجري في نيفاشا هذه الأيام من مفاوضات بين الحكومة السودانية وحركة التمرد الجنوبيةº يستهدف في غاياته النهائية ـ برعاية الولايات المتحدة ـ زعزعة هذه المرجعيات الإسلامية وترتيب درجات السلم بحيث تصبح العلمانية في نهاية الأمر هي السائدة في هذا البلد (الطيب) أهله، وما يتبقى من نصوص شرعية هنا وهناك في صلب الدستور أو بعض القوانينº تقاس بمقياس الشرعية الدولية ـ إياها ـ فتُلغى أو تُؤول لتُفرغ من مضامينها وتبقى مسخاً مشوهاً لا يأتي بدين ولا يردع عن معصية.

 

ويخطئ ـ بالتالي ـ من يظن أن زيادة نصيب الثروة للمتمردين أو مضاعفة نفوذ السلطةº يمكن أن ترضيهم فيكفوا عن تمردهم، فالمعركة التي تديرها حقيقة الولايات المتحدة تستهدف عقيدة الأمة قبل أن تطمع في ثرواتها وأراضيهاº (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا).

 

والمسلمون لا يقاتلون عدوهم ليحموا بئراً للبترول، أو يثبتوا حاكماً على كرسي السلطةº فإن كل ذلك لا قيمة له إذا ضاعت معالم الدين في واقع الناس أو زُيفت حقائقه في أذهانهم (فماذا بعد الحق إلا الضلال).

 

وعلى الذين يفاوضون على أمور تتعلق بعقائد المسلمينº أن يستبينوا مواطئ أقدامهم، وعلى جماهير الأمة أن تحمي عقيدتها وتصون دينها من التحريف أو التلاعب.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply