تيار لا يتعلم من أخطائه


 

بسم الله الرحمن الرحيم

بين وقت وآخر تطفو على سطح المجتمع السعودي قضايا يسعى أصحابها إلى إحراز تقدم في الاتجاه الذي يريدون جرَّ المجتمع إليهº إلا أن عودة سريعة إلى الثوابت التي قام عليها بناء المجتمع تكفي لمعرفة الموقف الصحيح من هذه القضايا والمصير المتوقع لها.

وفي هذا السياق يمكن فهم الربط غير المنطقي بين منتدى اقتصادي يعقد في أكثر دول العالم عناية بالمحافظة على قيم الإسلام وثوابته، وبين نزع بعض المشاركات للحجاب الإسلامي، وخروجهن متبرجات يختلطن بالرجال على هذه الصورة مع تغطية إعلامية غير عادية تكاد تطغى أحياناً على المنتدى الذي دعيت المشاركات له في جدة.

إن الذي أمر المسلمات بالحجاب هو الله – تعالى-، وليس الحجاب عادة اجتماعية بل هو عبادة ألزم الله بها المؤمنات: (( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ...... الآية ))، والذي نهى عن التبرج وإبداء الزينة لغير المحارم هو الله – تعالى-، وليس تقاليد المجتمع قال تعالى: (( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى))، واختلاط النساء بالرجال على هذه الحالة التي سبق وصفها أمر ظاهر التحريم والبطلانº بل إن الله - تبارك وتعالى - أمر أطهر الأمة قلوباً وهم الصحابة إذا أرادوا سؤال أطهر المؤمنات قلوباً وهن زوجات النبي – صلى الله عليه وسلم- أن يكون ذلك من وراء حجابº فقال تعالى: (( وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ..... الآية)) ، وحين نرجع إلى البدهيات المسلَّم بهاº فإننا نتساءل عن معنى الإسلام؟

أليس هو الاستسلام لله، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك؟ ألم يقل الله – تعالى-: (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)) فكيف يريد البعض من المجتمع أن يتقبل مخالفة ما قضى الله - عز وجل - به، وإباحة الاختيار حينئذ لمن شاءت الالتزام بالأمر ومن شاءت مخالفته؟

إن هذا البعض على قلته يمثل تياراً يتصف بالانتهازية، وخلط المفاهيم، والانتقائية، والتهويل، ومع ذلك فهو تيار لا يتعلم من أخطائهº فقد سبق له أن سجل تراجعاً كبيراً حين أقحم على أجندته قبل عقد ونصف تقريباً مسرحية قيادة المرأة للسيارات، وما تبعها من نزع للحجاب، وتصوير مرتب سلفاً، تم تسريبه إلى وسائل إعلامية في الخارج، لكن هذا الفعل أذكى مشاعر الغيرة الدينيةº بل وكاد يؤثر على تلاحم المجتمع في فترة عصيبة، لولا الله ثم حكمة القيادة السياسية والدينية آنذاك في قصة لا تنسى قُدر لي حضور أحد أهم فصولها في اللقاء الحاشد الذي عقد في مقر الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة الشيخ (عبد العزيز بن باز) - رحمه الله-.

واليوم يتكرر الخطأ بانتهازية تختار أوقات الشدائد والأزمات (احتلال العراق للكويت، وما تبعها من مجيء القوات الأجنبية للمنطقة في الحالة الأولى، والحملة المتواصلة خارجيّاً على السعودية لإلصاق التهم الباطلة بدعم الإرهاب ومناهجه، إضافة إلى أزمة التفجير ومحاولة ضرب الاستقرار داخليّاً، التي تقودها بعض التيارات المنحرفة فكريّاً في الحالة الثانية).

والسؤال هنا: لماذا لا ينشط دعاة تحرير المرأة على الطريقة الغربية إلا في أوقات الأزمات والشدائد؟ وسؤال آخر: أين دعواتهم المتكررة للوحدة الوطنية، واللحمة بين سائر شرائح المجتمع، والمحافظة على الاستقرار؟! وهي الدعوات التي أصموا آذاننا بها شهوراً متواصلة ثم خالفوا بفعلهم ما دعوا إليه بأقوالهم باستفزازهم لمشاعر الأغلبية ومصادمة الثوابت الدينية.

إن سلاح خلط المفاهيم واتهام المخالفين ليس حكراً على أهل الغلو والتكفيرº بل وجدنا اليوم أهل الجفاء عن الدين والتفريط في ثوابته يحملون ذلك السلاح، فإذا استنكر أحد نزع الحجاب وتبرج النساء، واختلاطهن بالرجال على هذه الحالة اتهموه بأنه ضد إعطاء المرأة حقوقها، وبأنه يدعو إلى مقاومة مسيرة الإصلاح والحوار التي بدأت تنشط مؤخراًº مع أن الثابت أن الإصلاح الحقيقي لا يتعارض مع الثوابت الدينية، وبأن مصدر الحقوق للمرأة وغيرها داخل المجتمع هو شرع الله وليس أهواء البشر.

وتظهر الانتقائية واضحة حين يتم فرز فتاوى العلماء واختيار بعضها وإطراح البعض الآخر، فبينما يتم التأييد للفتاوى التي تبين خطورة التكفير والتفسيق والتبديع وتحذر من التسرع في ذلكº يتم تجاهل فتاوى هؤلاء العلماء ذاتهم إذا كان الأمر يتعلق بتحريم التبرج، ونزع الحجاب، أو حتى قيادة المرأة للسيارة ( لما يترتب على هذا الفعل من المفاسد)، وهذا التناقض يهدد بنسف نظرية المرجعية الدينية في مجال الفتوى باعتبارها صمام الأمان للأمن الفكري لمجتمع يعاني من تياري الغلو والإفراط من جهة، والجفاء والتفريط من جهة أخرى.

وأخيراً فإن من أساليب هذا التيار التهويل، ومحاولة عكس الصورة ليظهر للناظر غير المدقق أن شريحة كبيرة من المجتمع بل ومن المسؤولين فيه تؤيد طروحاتهم، وما يريدون للمرأة السعودية أن تظهر به بدليل إقحام هذا الظهور المتبرج غير المسبوق لبعض السعوديات على منتدى دولي يمثل المملكة العربية السعودية ويعقد على أرضها، ثم تبين أن الأمر على عكس ما حاولوا تصويرهº فقد أصدر مفتي البلاد بياناً يبين إنكاره لهذا العمل وأدلة تحريمه الظاهرة من الكتاب والسنة، ويتألم لحصوله على أرض هذه البلاد المباركة، ثم دعمت الدولة هذا البيان بإذاعته في نشراتها الإخباريةº بل إن جمعاً كبيراً من رجال الأعمال عبّروا عن استنكارهم لما حصل، ودهشتهم لوقوعه دون تنسيق مسبق مما يعني اختطاف هذا المنتدى بعيداً عن أهدافه، كما حاول البعض اختطاف نتائج الحوار الوطني الثاني الذي عقد مؤخراً بمكة، وإظهاره بمظهر الداعي إلى تغيير المناهج الدينية في المدارس السعودية، وهو ما تبين لاحقاً عدم صحته!.

مرة أخرى لم يتعلم البعض من أخطائه لأن باب المرأة في المجتمع المسلم عصّي على اقتحام المستغربين، ولو أتيحت الفرصة للسواد الأعظم من النساء للتعبير عن رأيهن فيما حدث لعرف الجميع حقّاً أن المرأة المسلمة ثابتة على دينها، متمسكة بحجابها مع حصولها على أعلى الشهادات العلمية، وقدرتها على الحوار والدفاع عن حقوقها الشرعية.

(( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ))

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply