حتى لا نندم


بسم الله الرحمن الرحيم

 

" سعادة الكاتب:فلان...تحية طيبة وبعد.

نشكر لك جهدك في الدعوة للحد من نشاطات المؤسسات الإسلامية الإرهابية في بلادك، والتي تنشر الإرهاب والفكر المتخلف، ويسرنا دعوتك لزيارة الولايات المتحدة في زيارة مدفوعة التكاليف، وذلك تثميناً لموقفك الإيجابي، ويسرنا أن تلتقي بعدد من مسؤولي المنظمات العاملة في مجال العمل الإغاثي والتعليمي في الولايات المتحدة."

 

هذه رسالة كان يفترض أن توجه من قبل المنظمات التنصيرية الأمريكية إلى كل كاتب مسلم طالب بالحد من نشاط المؤسسات الإسلامية في الخارج كعربون لموقفه السلبي من المؤسسات الإغاثية الإسلامية التي قللت ولو بنسبة قليلة من نجاحات منظمات التنصير الغربية والأمريكية على وجه الخصوص في سعيها لتنصير المسلمين في أفريقيا وآسيا ومناطق أخرى، حيث دعا بعض الصحفيين إلى تقليص نشاطات المؤسسات الإسلامية في الخارج بعد الأحداث الأخيرة بحجة أن فقراء الداخل أولى، أو بحجة أن الباب الذي يأتي منه ريح الإثارة علينا من الولايات المتحدة يجب سده، وبعضهم ربما راج عليه أكاذيب أجهزة الاستخبارات والصحافة الغربية حول دعم تلك المؤسسات للإرهاب.

 

ونظراً لخطورة هذه المطالبة وإحداثها بعض الأثر المتمثل في السعي لتقليص نشاطات هذه المؤسسات في دولتين هما أكثر الدول العربية دعماً للقضايا الإسلامية، وهما: (السعودية) (والكويت )، و التي كانتا بعد الله عوناً لكثير من المسلمين الفقراء الذين كادت منظمات التنصير أن تحيط بهم وتصرفهم عن دينهم، فضلاً عن كون هذه الحملات الإعلامية الداخلية ضد المؤسسات الخيرية هي عون للمنظمات الصهيونية التي تستثمر مثل هذه الكتابات وتتخذها تكأة لحملاتها ووثائق تصديق لمزاعمها، وبالتالي فهذه الكتابات في الحقيقة نوع من الخيانة العظمى للدول التي تعمل فيها هذه المنظمات الخيرية، ولذا كان لابد من وقفة كبيرة لرجال العلم والدعوة والإصلاح تجاه هذه الحملات وما ترتب عليها، بل ومن كل حريص على انتشار الإسلام والتصدي للمد الصهيوني و للغزو التنصيري الرهيب الذي يغزو بلاد المسلمين مدعوماً بكل الإمكانات المادية والبشرية والإعلامية الغربية. إن السكوت على تقليص نشاطات المؤسسات الإسلامية، هو دعم غير منظور للمؤسسات التنصيرية التي تنتشر كالسرطان في بلاد الإسلام، ولذا كان التصدي لهذه الحملة الظالمة واجباً شرعياًº بكشف حقيقتها، وبيان آثارها، وتفنيد شبه أصحابها. ومشاركة في هذا الباب يجيب هذا المقال على بعض الشبه التي بها يدعم الداعون لتقليص نشاط المؤسسات الخيرية الإسلامية رأيهم.

 

من أبرز هذه الشبه التي صرح بها بعض المناوئين للعمل الخيري الإسلامي خصوصاً في الصحافة الكويتية تصديق الدعاوى الغربية بأن هذه المؤسسات يستفيد منها الإرهابيون، فأقول لهؤلاء: لنفترض جدلاً أن بعض التبرعات ذهب إلى دعم المقاتلين المسلمين في الشيشان مثلاً، أو لنفترض أن البعض استغل اسم إحدى هذه المؤسسات وجمع تبرعات لأغراض أخرى، فهل يعني ذلك أن نستجيب لتقليص نشاط الدعوة إلى الإسلام الذي تقوم به مؤسساتنا الخيرية ؟ أليس من الممكن أن نتحقق من صحة الأمر ونعالج الخطأ _ إن حدث_ دون المس بنشاطات مؤسساتنا الخيرية ؟ ألا يعلم هؤلاء أن بعض المنظمات التنصير الأمريكية تدعم بالسلاح منظمات إرهابية انفصالية تقاوم السلطات الشرعية في بلد عربي مسلم هو السودان، ومع ذلك لم يدع أحد من الأمريكيين والبريطانيين أو أي نصراني إلى إيقاف نشاطات هذه المنظمات أو تقليص أعمالها في الخارج، بل لا يزال الدعم الشعبي والرسمي لهذه المنظمات في زيادة واطراد، والحجة الثانية، هي: قولهم: إن الناس في الداخل أولى فأهل الداخل أقيمت لهم – ولله الحمد – جمعيات كثيرة تعنى بأمورهم، وفي الشريعة ما يدل على جواز إعطاء من هو أقل استحقاقاً تأليفاً لقلبه على الإسلام كما هو معلوم من سهم المؤلفة قلوبهم، وفعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ حيث أعطى عدداً من أغنياء العرب تأليفاً لقلوبهم، وترك فقراء المهاجرين والأنصار في غزوة حنين، والمنظمات الإنسانية الغربية تجوب دول أفريقيا وآسيا تعطي فقراءها الغذاء والدواء، والمشردون الفقراء موجودون في كل المدن الغربية، ولم يؤد ذلك إلى تقييد عمل تلك المنظمات ومنعها من العمل الخارجي بحجة وجود فقراء في الداخل كما يطالب به بعض إخواننا الكتاب المؤسسات الإسلامية.

إن المطالبة بقصر نشاط المؤسسات الإسلامية على الداخل أقل ما يقال فيه: إنه سذاجة ومساهمة في إضعاف مسيرة الدعوة الإسلامية، وترك الباب مفتوحاً لمنظمات التنصير تفسد على إخواننا المسلمين عقائدهم، ألا يعلم هؤلاء المؤيدون لتقليص العمل الخيري أن المنظمات التنصيرية تقوم في إندونيسيا بأنشطة تعد من أعمال السيادة داخل الدولة، ومع ذلك لم يطالب أحد من النصارى الغربيين بتقييد نشاط تلك المنظمات، وأن من أسباب قوة الانفصاليين المتنصرين في تيمور الشرقية في إندونيسيا هو دعم المنظمات التنصيرية لهم، ومع ذلك لم توقف هذه المنظمات من قبل الحكومة الإندونيسية، بل لو حاولت بعض الدول العربية والإسلامية تقييد نشاط بعض المنظمات التنصيرية الغربية بسبب أخطائها لما استطاعت بسبب ضغوط الدول التي تتبعها تلك المنظمات، إذ يقدم سفير الدولة التي تتبعها المنظمة احتجاجاً قوي اللهجة سرعان ما يلغي أي قرار بشأن تلك المنظمات. إن ثمة منظمات تنصيرية غربية عديدة تعمل في مجال التنصير تحت ستار العمل الإنساني والتطوعي في كثير من البلاد العربية والإسلامية، ولها تأثيرها السلبي، ومع ذلك فهي معفاة من الضرائب والجمارك وبإمكانها إدخال أكبر قدر من الأدوية والسلع الاستهلاكية والملبوسات والآليات داخل البلاد، ولها مطلق الحرية في التنقل، حتى إن عرباتها لا تخضع للتفتيش بالرغم من الملاحظات الكبيرة على أعمالها، وبالرغم من أن بعضها يمارس أعمالاً منافية لنظام تلك البلدان كما يحصل في الجزائر وبنغلاديش وغيرهما.

 

وهاك مثالاً واحداً يؤكد خطر المنظمات التنصيرية السياسي والديني في بلد عربي: قالت صحيفة (اليوم) الجزائرية الصادرة يوم الاثنين (9-4-2001): إن عدد الجزائريين الذين يرتدون يومياً عن الإسلام ويدخلون المسيحية بلغ 6 أشخاص كل يوم.

 

وذكرت الصحيفة التي نشرت تقريراً مفصلاً عن الظاهرة في صفحتها الأولى إن هذه الظاهرة أخذت في الانتشار بقوة في منطقة القبائل (البربر) وفي شرق الجزائر وغربها وجنوبها، وقالت الصحيفة: إن عدد الجمعيات المسيحية الناشطة في دفع المسلمين إلى الارتداد عن الإسلام وتغيير دينهم إلى المسيحية يقدر في منطقة القبائل وحدها بـ19 جمعية، ونقلت الصحيفة تصريحات لرئيس كنيسة "ميرابو" في منطقة القبائل، يقول فيها: "إذا تم الاعتداء علينا، وذهبنا ضحية من أجل اعتناقنا المسيحية وردّتنا عن الإسلام، فسنقوم بكل مسعى يسمح لنا بتدويل قضيتنا"، وذكرت (اليوم) أن مراجع صحافية أحصت 19 جماعة مسيحية في منطقة القبائل وحدها، تعززت في السنوات الأخيرة بجزائريين خالصين، وبمعدل ست حالات ارتداد عن الدين الإسلامي كل يوم، وقالت الصحيفة: إن جيوباً ثقافية ورسمية أجنبية مشكوك في هويتها تساعد هذه الجمعيات، التي استفادت من الانفتاح واقتصاد السوق، لتصدر أكثر من 30 ألف نسخة من الإنجيل إلى مدينة تيزي وزو القبائلية وحدها، دون أن تكترث لذلك الهيئات المشرفة على تجارة الكتاب، أو الجمعيات الدينية الجزائرية، وأرجعت الصحيفة انتشار موجة الارتداد عن الإسلام واتساع رقعة النشاط التبشيري إلى الاستقالة التامة للدولة عن مهمتها الثقافية، وارتفاع نسبة الانتحار بين الأوساط الشبابية والشعبية بفعل تردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وانتشار مظاهر البؤس والفقر المدقع.

 

هذا مثال واحد فقط يدل على النشاط الدؤوب لمنظمات التنصير وأهدافها السياسية الرهيبة، ومع ذلك لم يحد من نشاطها بل تدعمها الحكومات والشعوب والصحافة في الغرب، ونحن لسذاجتنا نصدق الأمريكان فيما يقولون عن جمعياتنا ونغلق فروعها و نضعف نشاطها ليخلو الجو لجمعيات التنصير، فيا أمة ضحكت من جهلها الأمم، إننا إذا أردنا الصدق مع أنفسنا وشعوبنا، فلا ينبغي أن نشوه صورة جمعياتنا الخيرية، بل نقول في صراحة ووضوح: إن ثمة ضغوطاًَ قوية من الولايات المتحدة تجاه الجمعيات الخيرية الإسلامية، ونحن لا طاقة لنا بمواجهة هذه الضغوط، ولذلك نرى الحد من نشاط هذه الجمعيات مؤقتاً دفعاً لخطر هؤلاء الأمريكان، مع أن هذا الموقف لن يشفع لنا عندهم أيضاً، وهذه هي الحقيقة التي ينبغي أن يقولها الكتاب والصحفيون، وينبغي أن تصارح بها الدول المعنية مواطنيها، ويجب أن يبقى الباب مفتوحاً نحو مزيد من العمل الخير ي الإسلامي، وأن يكون هذا التقييد مؤقتاً يزول بزوال هذه الضغوط الحاضرة.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply