بسم الله الرحمن الرحيم
لا أدري ما هو السر في كثرة الكتابات التي تمجد العلمانية والليبرالية مؤخراً. فقد لاحظنا أن (بعض) أنصار العلمانية والليبرالية وكأنهم اكتفوا من المشاركة في العملية الإصلاحية بمهاجمة المتدينين، واستعراض العضلات، واستخدام أقسى الألفاظ في إثارة الرأي العام ضدهم، والتشكيك في إسلامهم (متأسلمين) ومرجعياتهم (موروثات الماضي) وذممهم (الطعن في توجيه التبرعات) واتجاهاتهم ونواياهم، بل لم يترك العلمانيون جزئية صغيرة أم كبيرة للإسلاميين إلا وأظهروها على أنها من مثالبهم، وأما بالنسبة للناخبين فهم أيضا لم يسلموا من غبار العلمنة فاتهموا بقلة الوعي السياسي.
ونلاحظ أيضا أن العلمانيين باتوا أكثر جرأة وأوضح لهجة من ذي قبل، فهم يصرحون اليوم بما كانوا به يُسرون، ويطالبون بما كانو به يحلمون. وقد بلغت الجرأة بهم أنهم يطعنون في نظام الحكم الإسلامي الذي أثبت صلاحيته في كل مكان وزمان طبق فيه تطبيقاً إيجابياً، بكل صراحة وعلانية وهو أمر خطير، ومع ذلك فسوف أرجأ الحديث عنه، وأتناول بالنقد جزئية صغيرة مما نشر مؤخرا عن العلمانية. وسأبدأ بالتعريف، وسوف لن أستشهد لذلك بما ورد في تعريفات علماء الإسلام والذي أخطأ بعضهم في التعريف كما سيأتي، ولكن بتعريفات أهل العلمانية الذين ابتدعوها وصدروها لبقية العالم.
إن لفظة العلمانية ذاتها إنما هي ترجمة خاطئة لكلمة ( Secularism ) في الإنجليزية، أو(Secularite) بالفرنسية، وهي كلمة لا صلة لها بلفظ "العلم" ومشتقاته على الإطلاق. فالعلم في الإنجليزية والفرنسية معناه (Science) والمذهب العلمي (Scientism) والنسبة إلى العلم هي ( Scientific ) أو (Scientifique ) في الفرنسية. والترجمة الصحيحة لمفهوم العلمانية هي (اللادينية) أو (الدنيوية). تقول دائرة المعارف البريطانية مادة ( Secularism): (هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيهم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها). وكما يقول المختصون فقد ظل الاتجاه إلى الـ ( Secularism ) اللادينية يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله، باعتبارها حركة مضادة للدين ومضادة للمسيحية.
وقد جاء في قاموس "العالم الجديد" لو بستر، شرحاً للمادة نفسها:- بأنها الروح الدنيوية، أو الاتجاهات الدنيوية، ونحو ذلك. وعلى الخصوص: نظام من المبادئ والتطبيقات يرفض أي شكل من أشكال العبادة. ومن معانيها في ذات القاموس: الاعتقاد بأن الدين والشؤون الكنسية لا دخل لها في شئون الدولة وخاصة التربية العامة".
أما معجم أكسفورد فيشرح الكلمة بمعاني عدة منها:
"1- دنيوي، أو مادي، ليس دينيا ولا روحيا: مثل التربية اللادينية، الفن أو الموسيقى اللادينية، السلطة اللادينية، الحكومة المناقضة للكنيسة.
2- الرأي الذي يقول أنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية"
وفي "المعجم الدولي الثالث الجديد" جاء شرح مادة: ( Secularism) على أنها: "اتجاه في الحياة أو في أي شأن خاص يقوم على مبدأ أن الدين أو الاعتبارات الدينية يجب ألا تتدخل في الحكومة، أو استبعاد هذه الاعتبارات استبعادا مقصوداً، فهي تعنى مثلاً "السياسة اللادينية البحتة في الحكومة "
إذا العلمانية أو بمعنى أصح على مقاييس علماء الغرب اللادينية هي: "نظام اجتماعي في الأخلاق مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم السلوكية والخلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعي دون النظر إلى الدين "
ويقول المستشرق " أر برى " في كتابة " الدين في الشرق الأوسط " عن الكلمة نفسها : " إن المادية العلمية والإنسانية والمذهب الطبيعي والوضعية كلها أشكال اللادينية، واللادينية صفة مميزة لأوربا وأمريكا ... "
ويقول الشيخ سفر الحوالي: "والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو "فصل الدين عن الدولة"، ويرى الشيخ سفر بأن هذا التعبير قاصر ولا يعطى المدلول الكامل للعلمانية. والمدلول الصحيح لها هو "إقامة الحياة على غير الدين" سواء بالنسبة للأمة أو للفرد، ثم تختلف الدول أو الأفراد في موقفها من الدين بمفهومه الضيق المحدود فبعضها تسمح به، كالجماعات الديمقراطية الليبرالية، وبعضا يرفض الدين تماما كجماعات (العلمانية المتطرفة–Anti Religious )، المضادة للدين، ويعنون بها المجتمعات الشيوعية وما شاكلها.
هذه هي حقيقة العلمانية، وهذا هو وجهها الحقيقي الذي لا يزينه الماكياج ولا يخفي عيوبه التلاعب بالألفاظ، العلمانية تعني اللادينية ليس إلا.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد