بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ملايين مواقع الإنترنت انتشرت هنا وهناك، تحاول استقطاب أكبر قدر ممكن من الناس، بمختلف أًصنافهم وألوانهم وأعمارهم..تهدف بالدرجة الأولى إلى الشهرة، وجني المال.
ومن أجل التميّز بالدرجة الأولى، وبسبب وصول الإنترنت إلى جميع شرائح المجتمع، ودخوله لمعظم المنازل، يحاول القائمون على مواقع الإنترنت، إشباع أكبر قدر ممكن من طموح ورغبات وحاجات المتابعين والزائرين للشبكة العنكبوتية، مستفيدين من كسر فاصل المسافات والحدود الجغرافية والطبيعية بين البلدان، بتحقيق أكبر قدر ممكن من الانتشار.
من جملة ما طرأ على المجتمعات الغربية، ووجد أصداءً واسعة له في العالم العربي والإسلامي، هو خدمة (الزواج) عبر الإنترنت. وهي الخدمة التي لا تزال مقتصرة لدى معظم الناس، على دور الخاطبة، إن كانت أماً أو أختاً أو قريبة، أو حتى صاحب مهنة مستقلة.
ولربما وجد الناس في القريب العاجل، صالات أفراح على الإنترنت، تقوم بعقد القران بين المتزوجين، عبر شاشات الإنترنت، لتجمعهم مع بعض، وتقدّم كروت الدعوة للمدعوين، وتجمعهم في موقع واحد!!
والزواج كظاهرة اجتماعية، تأثّرت بالإنترنت وما أدخله من طرق وآليات وأسلوب في التعامل بين الشاب والفتاة، لذلك بدأت تظهر وبكثرة على الإنترنت (إعلانات الزواج)، التي باتت أمراً واقعاً، وتجربة غريبة ومثيرة للبعض، وللبعض الآخر أسلوب حياة وعلاقة، على أن الاختلاف لم يقف عند هذا الحد، إذ إن القضية إلى الآن تشكل جدلاً واسعاً بين الناس على الإنترنت، وعلى الطبيعة.
وفضلاً عن المواقع المتخصصة بالزواج، هناك عدد كبير من طرق التعارف في الإنترنت، تسمح للناس بالتعرّف على بعضهم البعض، وإقامة علاقات، من النادر جداً أن تنتهي بالزواج.
أزمة الثقة أولاً:
أول ما يتبادر إلى الذهن خلال العلاقات عبر الإنترنت، هي الثقة بالطرف الآخر، الذي قد يكون من ذات الجنس ويدعي أنه من الجنس الآخر، وقد يكون متزوجاً ويدعي أنه أعزب، وغيرها الكثير من الأمور التي تجعل المرء يتساءل عن حقيقة الشخص الذي يقابله على الطرف الآخر.
تقول إحدى الفتيات السعوديات: (موقع الزواج عبر الإنترنت فكرة حضارية، وفكرة الزواج عبر الإنترنت فكرة جديدة وجيدة، ولكن على الإنسان أن يحسن استخدامها ولا يجعلها وسيلة للتسلية والعبث مع الآخرين).
وتتابع بالقول: (الزواج في الدرجة الأولى هو ثقة متبادلة بين الطرفين، فإن كسرت أي حالة هذه الثقة، فإن الأمر سيكون مجرّد تسلية وعبث بمشاعر الآخرين).
ويروي أحد الأخوة تجربته التي حصلت معه شخصياً بالقول: (راسلت عبر الإنترنت عدداً من الناس، وطلبت التعارف في كثير من المواقع، وقد وجدت تجاوباً كبيراً منهم، وبدأت الرسائل تملأ بريدي، ومن خلال بعض العلاقات مع الآخرين، تبيّن لي أن عدداً من أسماء البنات اللواتي راسلنني، هم شباب يقومون بالتسلية ومحاولة العبث مع الآخرين).
سألناه إن كان يؤمن بالزواج عبر الإنترنت فأجاب )أبداً.. لا توجد ثقة مطلقاً بالطرف الآخر، حتى لو وضع صورة له، فقد لا تكون له، وهي صورة لشخصية أخرى في كثير من الأحيان).
أحمد. ح. يرى أن هذه الطريقة مقبولة، وأنه بالمراسلة يُتوصل إلى المصداقية، وهو يعرف زواجاً تم بهذه الطريقة وكان الزوج في أمريكا، والزوجة في نيوزلندا حيث تمت المراسلات بين الطرفين ثم تبادل الصور بالسكانر ثم زار الشاب والد الفتاة، وتم التعارف، ومن ثم تمت الخطبة ثم الزواج، وهو - الآن - زواج سعيد على حد قوله.
أما أبو زيد فيقول: (لا نقبل بهذا الأمر في المجتمعات الإسلامية بتاتاً، لما له من سلبيات كبيرة وكثيرة. ولا أحبذ للفتاة المسلمة أن تعرض نفسها عن طريق الإنترنت، وكل بنت عفيفة شريفة لا تقدم على هذه الخطوة ولا تفكر فيها من الأساس، وبنت من غير حياء كخضراء الدمن. ومن أفضل طرق الزواج ما كان عليه الآباء والأجداد، لا قصة حب ولا موعد ولا لقاء ولا هم يحزنون. ولكن على فرض أنه تم الزواج عبر الإنترنت، ودب الخلاف بينهما بعد حين من الزمن فكيف يكون الإصلاح بينهما، والقرآن العزيز يقول بما مضمونه فأتوا بحكم من أهله وحكم من أهلها... أم نأتي ب Server مع ICQ لنحكمهمـــــــا. ).
على أن معظم الذين تحدثوا عن مشاكل حقيقية للزواج عبر الإنترنت، تحدثوا عن أزمة الثقة التي من الصعب جداً تحقيقها، وإنها لا تظهر إلا في نهاية التجربة الإلكترونية، وبداية التجربة الإنسانية.
د. فيروز عمر (الأخصائية الاجتماعية) قالت: )ما أود التركيز عليه للقراء هو التفرقة بين الوهم والحقيقة في عالم الإنترنت. إن ما ننكره هو أن يحدث التعارف ثم الحب بين شخصيتين في الفضاء الإلكتروني، يرسم كل منهما لنفسه وللآخر صورة وهمية تُرضي خياله، وهو ما يؤدي إلى دوامة من العواطف الزائفة. ثم بعد هذه الجرعة المخدرة، يأتي الزواج المتسرع).
كما تؤكد الأستاذة )سمر عبده (ذلك بالقول: (إن هذا الزواج الإلكتروني الذي يبدو في غاية التحضر هو في الحقيقة أكثر تخلفًا من الطريقة التي تزوج بها جدي وجدتي، فالقاسم المشترك بين الحالتين هو أن كلاًّ من الزوجين لم يعرف الآخر إلا عند الزواج، بل إن زواج الأجداد هذا كان يتمتع بميزة، وهي أنه يستند على تعارف وتقارب سابق بين الأسرتين، وهو ما يعطيه قدرًا من التكافؤ، أما في زواج الشات فإن هذه الميزة غائبة).
الإنترنت.. الخاطبة الجديدة:
إذا حاولنا المقارنة بين الزواج التقليدي الذي يحدث عن طريق سماع شخص عن فتاة ما، ثم يذهب الأهل لرؤيتها، يصفونها له، ثم يتم اللقاء بين الشاب والفتاة، وإذا حصل انسجام، تتم الخطبة ثم الزفاف. لو قارنَّا بين هذا الزواج وبين الزواج عبر الإنترنت (إعلان يحتوي على البيانات والأوصاف، المراسلة للتعارف، تبادل الصور، ثم اللقاء.. ) يخرج المتأمل لذلك بنتيجة مفادها أنه لا فرق بينهما من حيث الإجراءات، لكن المتعمق في الأمر يجد أن ثمة فروقًا بينهما ففي الزواج التقليدي تدور تلك المراحل في سياج (الأسرة )، وتخضع لسلطة الأهل ورقابتهم، ومن ثم لا بد أن تتوفر في الأمر الجدية التامة مما يوفر ضمانات كثيرة للطرفين.
أما في الإنترنت فثمة ثغرات لا يمكن تجاوزها فالخطبة عبر الإنترنت متحررة من أدنى درجات الرقابة، وذلك لطبيعة التواصل (الخفي (بين الطرفين بحيث يختزل بكلمات عبر وسيلة إلكترونية، قد تؤدي إلى التعلق بالخيالات والأوهام مما يحدث آثاراً نفسية، وإن تم التوافق فإن تبادل الصور يشكل مشكلة من حيث إمكانية تزوير الاسم والصورة معًا، ولو تجاوزنا (التجاوزات الشرعية (التي تتم في ذلك كله فإنه ليس ثمة معيار منضبط لتبيٌّن الصدق من الكذب فالإحساس وطريقة كتابة الرسالة، غير منضبطة، وغير صالحة إلى حد كبير في كشف ذلك.
تجربة فريدة ترويها إحدى مواقع الإنترنت، تقول: (إن أحد الشباب السعوديين قام بتقديم طلب لأمه كي يجد لها عريساً عن طريق الإنترنت، حيث أن والده قد طلق أمه منذ زمن وأمه بقيت لوحدها مع أصغر أبنائها، فكتب في إحدى مواقع الزواج يطلب عريساً لأمه.
ويقول صاحب الموقع، إنه وخلال 75 يوماً، تم الزواج من رجل شاهد الإعلان، وتقدّم للشاب، ووافقت الأم عليه.
وفي أول حالة زواج خليجية عن طريق الإنترنت كتبت صحيفة الرأي العام الكويتية قبل نحو 3 أعوام، خبراً قالت فيه: (تزوج شاب كويتي من امرأة أمريكية بعد أن ثرثر معها طويلاً عبر وكالة زواج بواسطة شبكة إنترنت وذلك للمرة الأولى في الكويت).
أما اليوم، فإن العديد من الناس في الخليج وفي الدول الإسلامية والعالمية، تعارفوا مع بعضهم البعض عبر الإنترنت، وقامت تقنيات الإنترنت من دردشة وتبادل ملفات صوت وصور وفيديو، وغيرها، بدور الخاطبة تماماً.
مشاكل لا تنتهي:
ربما البداية تكون سهلة، ولكن النهاية وخيمة.. هذا حال الزواج عبر الإنترنت، فمقدمات العلاقة غاية في السهولة، يجد الإنسان خلالها نفسه أسير الطرف الآخر، الذي يقوم بتقديم كل ما يحتاجه من مشاعر وكلام وصور وأصوات.. ويحاول كل طرف منهم كسر حاجز التردد لدى الطرف الآخر بالدردشة لساعات طويلة، والدخول في تفاصيل حياته وشخصيته وأموره الخاصة، إلا أنه في حقيقة الأمر لا يعرف الشخص الذي أمامه إن كان بالفعل كما تخيّل، أم أنه جنس آخر، وشكل آخر، وفكر آخر.
يقول مدير إحدى مواقع (الزواج) عبر الإنترنت: (أهم قضية سلبية في العلاقات عبر الإنترنت، هي مسألة التلاعب وسوء الفهم.. في الدول الغربية هناك مواقع متخصصة في كل شيء، تقول لك من البداية ما هي طبيعة الموقع وطبيعة العلاقات، أما هنا فإن الكثيرين ممن يدخلون الموقع يعتبرونه مكاناً للتسلية والتعرف وبناء علاقات).
تروي إحدى الفتيات من بلد عربي، تجربتها عبر الإنترنت، بعد أن وضعت اسمها منذ سنتين في إحدى مواقع الزواج على الإنترنت، وطلبت حذف اسمها بعد أقل من شهر، قائلة إنها تزوجت.
تقول هذه الأخت: (في الواقع أنا لم أتزوج كما تصور البعض، أنا فتاة.. عثرت على موقع (... ) الزواج بالصدفة، وكتبت اسمي فيه... وفعلاً حدث ما توقعته، جاءتني رسائل كثيرة، وتعرفت على أناس من بلدي، ومن غير بلدي. الأناس الذين من بلدي كان همهم الوحيد هو التعرف على تلك الوقحة التي كتبت اسمها، كما أسموني، أصبحت تصلني رسائل شتم كثيرة من أناس من بلدي، مما أثار الحزن في نفسي وتبدد حلمي في الحصول على زوج عن طريق لغة العصر. وعندها قررت أن أكتب إلى الموقع طالبة منهم أن يمحو اسمي بحجة أنني تزوجت، لكن في الحقيقة… أنا لم أتزوج لحد الآن).
رأي شرعي:
يتفق جميع العلماء المسلمون على عدم شرعية العلاقات اللاأخلاقية بين الشاب والفتاة، تحت أي مسمى، ولأي ظرف كان.. إلا ما كان منها بقصد الزواج وإنشاء أسرة مسلمة.
ويرى الكثير منهم أن إقامة العلاقة بحد ذاتها على الإنترنت (بهدف الزواج) أمر غير مستحسن، وربما يكون غير جائز شرعاً، بسبب عدم معرفة الشخص بحقيقة الطرف الآخر، منعاً للإثم والوقوع في الفتن والغش.
وهم يتفقون مرة أخرى، على أن الزواج عبر الإنترنت غير جائز شرعاً، ولا يمكن أن يتم العقد بدون وجود الأشخاص في مكان واحد.
يقول الدكتور أحمد الحجي الكردي (عضو هيئة الإفتاء بالكويت): (الزواج عبر الإنترنت لا يعد زواجاً شرعياً، وعليه فلا يوجد بين الطرفين أي علاقة شرعية، ولكن يجوز للفتى أن يخطب الفتاة من أهلها ويعقد عليها إذا وافقت هي وأهلها على ذلك).
كما يؤكد مفتي مصر السابق الدكتور نصر فريد واصل رفضه لإمكانية إتمام عقود الزواج أو الطلاق عبر الإنترنت نظراً لاحتمالات وجود التزوير أو التزييف عبر هذه الوسيلة وهو ما أصبح حدوثه محققًا بناءً على ما يذاع كل يوم عن عمليات قرصنة وتزوير واختراق على مستوى العالم، لا سيما وأن هذه القضية خطيرة للغاية لأن الزواج والطلاق من أخطر الأمور والقضايا، وإمكانية الاعتماد على الإنترنت في توثيق هذه العقود المقدسة خطر لأنه من الممكن أن يحدث التزوير والتحريف والتزييف، وما أسهل أن يقدّم إنسان عن طريق الإنترنت بيانات غير صحيحة عن نفسه ويدعي أنه فلان بن فلان ويتم التواصل معه على هذا الأساس ويدعي بعد ذلك أنه يريد الزواج.
وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد