بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله:
أنا فتاة أبلغ 24 من العمر، ولقد أحببت زميلاً لي في الجامعة, واتفقنا على الزواج, بل أقسمنا لبعضنا البعض أن نتزوج, ولكنه وبعد الجامعة قد تركني، والآن أنا وحيدة وأشعر بالاكتئاب, ولقد أظلمت الدنيا في عيناي, أرجوكم أفيدوني ماذا أفعل؟ وما أفعل لأتبرأ من هذا القسم؟
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لا أعلم من أين أبدأ كلامي, كلنا نعلم أن الله يحثنا على الحب بين العباد وبين المسلمين، خاصة وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال :"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه" فارقي درجات الحب هو أن تحبي لأخيك ولأختك ما تحبيه لنفسي, فثقي أن ما سأقوله لك هو عن حب منى، وأنى لك من الناصحين.
إن أساس العلاقة بين الله والعباد مبنى على الحب والرحمة, فتخيلي لو أنك صنعت شيئاً بيدك فهل تحبينه وتخافين عليه وتحاولي أن تحميه من أي خطر, فما بالك بالله الذي خلق الإنسان، وعظم حرمته ولله المثل الأعلى !!؟
فالله يخاف على عبادة، وكل أوامره لنا رحمة منه بسبب خوفه علينا وأنه يريد لنا الخيرº لأنه يعلم ما في الغيب، ويعرف أسباب كل شيء ونتائجه!
والله يعلم بمشاعرنا، ويعلم ما يجرى بأنفسنا ونفسيتنا، ويعلم ما يسعدنا، ونحن أيضاً نعلم ما يسعدنا، ولكن الله أعلم كيف تتم سعادتنا ونحن أجهل بهذا, لذلك تجدي من يطيع الله في كل أمر سعيداً مستشعراً بالراحة النفسيةº لأنه اتبع أوامر الله وسننه، فكانت النتيجة بالسعادة، ولذلك تجدي متعة في طاعة الله لكن لا يتذكر إلا أولو الألباب!! قال الله - تعالى-: (( يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحيِيكُم ))(الأنفال 24 ).
ويعلم الله طبيعة العلاقة بين المرأة والرجل، وأن تلك المشاعر هي فطرة وغريزة في الإنسان، فقد قال الله - تعالى- في القرآن الكريم: (( وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزوَاجاً ))(النحل 72)، وقال - تعالى-: (( وَمِن آيَاتِهِ أَن خَلَقَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزوَاجاً لِّتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةً وَرَحمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ, لِّقَومٍ, يَتَفَكَّرُونَ ))(الروم 21)، وقال عز وجل: (( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفسٍ, وَاحِدَةٍ, وَجَعَلَ مِنهَا زَوجَهَا لِيَسكُنَ إِلَيهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَت حَملاً خَفِيفاً فَمَرَّت بِهِ فَلَمَّا أَثقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِن آتَيتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ))(الأعراف 189)، كما قال: (( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُم وَأَنتُم لِبَاسٌ لَّهُنَّ ))(البقرة 187 ).
وكل هذا نتيجة لأهمية تلك العلاقة، ولأنها سبب في التكاثر والبقاء في الأرض، ولأن الله جعل تلك العاطفة والغريزة وسيلة وليست هدفاً لذاتها.
ولأن الله خلق الإنسان بشهوات وغرائز فقد جعل الله العلاقة بين الرجل والمرأة حلالاً في ظل العلاقة التي شرعها الله لنا حتى يحصن كل منهما نفسه من الوقوع في المحرمات!
ولهذا كانت لله أوامره التي إذا اتبعناها ستتوفر لنا كل الراحة النفسية:
أولاً غض البصر:
(( وَقُل لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ ))(31 النور ).
في هذه الآية نجد أن الله يأمرنا نحن المؤمنات أن نغض من أبصارنا وذلك لأن كل شيء يبدأ من العين, فالعين هي التي تعجب، وهى التي تفتن، وهى التي تحب، فأراد الله أن يصرفنا عن كل ذلك حتى لا تتعلق قلوبنا بأشياء لا تحل لنا فنهلك (( يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً ))(النساء 28).
وإن مصدر الحب هو النظرات المتتابعة والاختلاط فليجتنب المؤمن كل ذلك, وقد حرم الإسلام كل ذلك.
ثانياً فرض الحجاب:
فنجد أنه فرض على النساء الحجاب وذلك ليعفهم الله (( وَقُل لِّلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ))(31 النور ).
فلا يراك كل من هب ودب، ولكنك كالجوهرة لا يراك ولا يلمسك إلا من يحل لك فقط، ولست كسلعة لكل من شاء، ولكنك غالية، فأنت كالجوهرة التي لابد وأن تحفظ من عين الناظرين، ولا تظهر إلا لمن يستحقها فعلاً.
كما تأمرنا تلك الآية بألا نظهر زينتنا فلا نلبس أي شيء فيه زينة تلفت نظر الرجال وبخاصة المكياج فإنه يلفت الأنظار، ويكون أشد إن كان صاخباً، واعلمي أن الجمال الحقيقي هو جمال الوجه الطبيعي، وكذلك ينصح دائماً بعدم وضعه لما فيه من كيماويات تهلك الوجه، ويؤدي إلى الشيخوخة والعجز المبكر للوجه!!
ثالثاً البعد عن الشهوات:
يأمرنا الله بأن نصرف أنفسنا عن كل ما يفتح لنا أبواب الشهوات، واعلمي أن كل ما حولنا من أفلام وإعلام وأغاني تصور لنا حياة عاطفية لا نعيشها فهي علاقات وهمية لا تحدث إلا في الأفلام، ولكن الله يصور لنا علاقة أسمى من ذلك, فالله قد جعل دستور تلك العلاقة الزوجية على أكمل وجه، وذكر كل ما فيها ولم يترك أمراً لأهميتها، وهناك فقه كامل يسمى فقه الزواج، وفيه كل ما يتعلق بهذا الأمر منذ التعارف والخطبة، وما يحل فيها وما يحرم، ويشمل كل ما بعد ذلك من أمور!!
واعلمي أن السيدة مريم أصبحت سيدة من سيدات نساء العالمين بتحصينها فرجها، وتكرم يوسف - عليه السلام - بشرفه وعفته!!
وتلك الآية قد جاءت في سورة النور وأول آية فيها تقول :"سُورَةٌ أَنزَلنَاهَا وَفَرَضنَاهَا وَأَنزَلنَا فِيهَا آيَاتٍ, بَيِّنَاتٍ, لَّعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ {1} " فهي سورة منزلة ومفروضة علينا، وبها آيات واضحة لا جدال فيها!! وينهى الله الآية بقوله:(( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيٌّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ )).
رابعاً عدم الخضوع بالقول:
قال - تعالى-: (( فَلَا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَّعرُوفاً وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجنَ تَبَرٌّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى))(32-33 الأحزاب ).
وفي تلك الآية يأمر الله نساء النبي الذين هن أمهات المؤمنين بألا يتكلمن برقة أو بأسلوب فيه تمايل حتى لا يطمع الذي في قلبه مرض، وهذا الأمر لأمهات المؤمنين والمؤمنات فما بالك بنا نحن، وهذا الأمر فرض على كل المؤمنات حتى لا يلعب بنا وبقلوبنا أحد لمجرد كلمة قيلت بأسلوب أثار هذا الإحساس فيه لا غير, ولأن الله يعلم أن البنات بطبيعتهم رقيقات المشاعر، ويمكن أن ينخدعن بسهولة, فهو يحّصنا من أن نقع في أي فخ!
وكذلك أمرنا الله ألا نكون في الشارع طوال الوقت, بل يجب أن يكون هناك داع للنزول وهدف!!
وألا نتبرج, والتبرج هو أن نبدي ما لا يجب أن يظهر منا من عورات وزينة.
وهذه الآية في سورة الأحزاب وهى السورة التي جاءت بها الآية الشهيرة :(( وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ, وَلَا مُؤمِنَةٍ, إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلَالاً مٌّبِيناً )).
خامساً لا يصح للمرأة أن تتخذ صديق:
قال - تعالى- : ((وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخدَانٍ, ))(25 النساء ), كما قال: ((وَلاَ مُتَّخِذِي أَخدَانٍ, ))(المائدة 5).
وتلك الآيتين تعنى أنه لا تتخذ المرأة صديق، وأنه لا يتخذ الرجل صديقة, فهذه علاقة محرمة، وقال الله - تعالى- :(( ليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من أبوابها))، وقال أيضاً :(( لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً ))(البقرة 235 ).
وجاء كل هذا التغليظ على تلك العلاقة المحرمة لما لها من أثار سلبية وأهمها هدم العلاقة الزوجية فيما بعد!!
فأنت عندما تحبي فرداً ثم تنتهي العلاقة وتنتقلي بعد ذلك إلى مرحلة الزواج سوف ترهقين من كثرة المقارنة بين الحالتين عندما كان مجرد صديق، وكونه زوج يتحمل مسؤولية, ولربما تتذكري هذا الحب الوهمي أو ساعات تكون المرأة لا تزال تحافظ على تلك العلاقة بعد الزواج، ويكفى بلاء لو كانت ما زالت تحبه, وتلك أساليب الشيطان فهو يكره كل ما هو حلال، وأكثر ما يحب الشيطان ويسعى إليه هو الخراب خاصة تلك العلاقة التي كرمها الله في كتابه:(( الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ وَيَأمُرُكُم بِالفَحشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغفِرَةً مِّنهُ وَفَضلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ))(البقرة 268 ).
وعليك أن تختاري أيهما أفضل أن تتبعي الشيطان أو تتبعي ما أمر الله به قال الله - تعالى-: ((قُل لاَّ يَستَوِي الخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَو أَعجَبَكَ كَثرَةُ الخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللّهَ يَا أُولِي الأَلبَابِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ ))(المائدة 100).
وتخيلي أن هذا الرجل الذي ستعيشين معه طوال العمر بعد أن أتقيت الله في كل أوامره، وبعد أن اختاره لك نتيجة لإخلاصك (( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ )) فتخيلي أنه سيكون أول حب لك في حياتك، وأنك ستتمتعي معه بما أحل الله لكم، وستتحملي كل شيء من أجلهº لأنه لا يوجد رجل سواه في حياتك، وسيكون لك كل شيء، ويكون لك سكناً كما قال الله - تعالى- وهذا أحلى وصف لتلك العلاقة التي كرمها الله.
سادساً نصيحة من أخت:
أنصحك بأن تتركي هذا الأمر ورائك، وقولي: "اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفني خيراً منها"، واعلمي أن الله يعلم ما توسوس به أنفسنا فاتقيه، واعلمي أن ((وَفِي السَّمَاء رِزقُكُم وَمَا تُوعَدُونَ ))(الذاريات 22) فلا تقلقي بشأن هذا الأمر، ولا تضيعي تفكيرك ووقتك في أشياء لن يضرك منها إلا الهلاك.
سابعاً أدع الله:
لن يرحمك من هذا إلا أن تدعي الله وأنت بكامل إرادتك، وأن تشغلي فراغك, فالفراغ هو الذي يجلب الآلام والمشاكل للعقل, فلا تدعى لحظة إلا وأنت تعملي شيئاً، فاشغلي وقتك بالعمل أو التعلم فالعلم فرض على كل مسلم, وعليك بكثرة الأذكار خاصة الاستغفار (( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ))، وتقربي من الله أكثر، وفرغي تلك الشحنة العاطفية التي تكون في كل إنسان في حب الله والرسول والخير حتى يأتي الله بأمره، وستجدي الله في عونك إن أخلصت نيتك له!
((هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوعِظَةٌ لِّلمُتَّقِينَ )) " اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين".
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
رأي
-Doaa
20:45:03 2019-03-14