بسم الله الرحمن الرحيم
مسلمات ألمانيا يتظاهرن
تعتبر "ألمانيا" واحدة من أكبر الدول الأوروبية التي توجد بها جالية إسلامية، حيث يعيش نحو أربعة ملايين مسلم فيها، منهم حوالي 2.5 مليون مسلم من أصل تركي، بينما يبلغ عدد أفراد الجالية العربية 360 ألف شخص، أغلبهم من المغرب العربي.
أكثر من 1، 4 مليون ضمنهم مسلمة تعشن في ألمانيا، منهن من تربت على أسس العقيدة الإسلامية، وأخريات غير ملتزمات بالإسلام، إلا أنهن جميعاً يتعرضن للصعوبات نفسها وأهمها مواجهة الأحكام المسبقة المتولدة لدى المجتمع الغربي إزاء المسلمات والتي لا تمت للواقع بصلة!!
وتعاني المرأة المسلمة في ألمانيا من ضغوط كثيرة، ما بين رغبتها الشديدة في الحفاظ على دينها وهيئتها الإسلامية، وما بين حملات عنصرية تشنها الحكومة الألمانية والتي ترفع شعارات الحرية الزائفة من أجل أن تخلع المرأة المسلمة حجابها.
وقد أثارت قضية المعلمة المسلمة "فيرشتا لودين"، ضجة بعدما رفضت الدوائر الحكومية في ولاية "بادن فورتمبيرج" تعيينها في إحدى المدارسº بسبب رفضها التخلي عن ارتداء الحجاب أثناء التدريس، مما تسبب في إثارة جدل حول الرموز الدينية في المدارس الألمانية، ولم تفلح المعلمة في دعواها القضائية، التي رفعتها أمام المحكمة الإدارية العليا والمحكمة الدستورية العليا.
وفي عام 2003م أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكماً يضمن حق الولايات الاتحادية في إصدار القوانين اللازمة لتنظيم مسألة ارتداء المعلمات للحجاب، وكان رد الفعل الطبيعي من معظم الولايات الاتحادية هو حظر ارتداء المعلمات للحجاب في المدارس الألمانية، ولم تكن قضية "فيرشتا لودين" الأخيرة ولكنها كانت البداية لسلسلة قضايا أخرى، وسوف تظل قضية الحجاب في ألمانيا من القضايا التي تطرح نفسها باستمرار.
شكاوى عديدة
في البداية يقول الشيخ "عبد الكريم البازي" إمام مسجد المركز الإسلامي ب"بيلفلد"، إن هناك شكاوى عديدة من المسلمات اللاتي يترددن على المركز، وخاصة في مجال العمل أو البحث عن وظيفة، حيث ترفض معظم المؤسسات والشركات والمحلات التجارية ارتداء المسلمات الحجاب أثناء العمل، وغالباً ما تطالبهن بخلع الحجاب، والنتيجة أن بعض المسلمات يتركن العمل وبعضهن الآخر يرضخن للضغوط ويخلعن الحجاب خلال فترة العمل فقط.
وأشار الشيخ عبد الكريم إلى أن هناك 64 هيئة إسلامية في ألمانيا قد أصدرت بياناً مشتركاً في أبريل 2004م أكدت فيه أن الحجاب الإسلامي فريضة شرعية وليس رمزاً سياسياً أو دينياً، كما خرج الآلاف من المسلمين في عام 2004م للتظاهر في برلين احتجاجاً على حظر الحجاب في عدد من الولايات بقرارات من حكوماتها المحلية، وشهد العام ذاته مظاهرات تضامن مع مسلمي فرنسا ضد قانون حظر ارتداء الحجاب.
ويؤكد الشيخ عبد الكريم أنه رغم كل المضايقات والضغوط التي تتعرض لها المسلمات في ألمانيا، إلا أنهن يتمسكن بالحجاب، ففي كثير من الحالات ترفض المؤسسات قبول المرأة المسلمة المثقفة المتعلمة ذات الكفاءة لمجرد مظهرها الإسلامي، أو يرفض أصحاب العقارات إسكان الأسرة المسلمة لمظهرها الأجنبي في السكن.
وحول دور المسجد في مثل هذه القضايا يشير الشيخ عبد الكريم إلى أن المركز الإسلامي ب "بيلفلد" يحاول عقد حلقات ودروس إسلامية للنساء، ويحاول أن تعيد الثقة التي تزعزعت نتيجة للضغوط والمضايقات اللاتي يتعرضن لها باستمرار، كما نساعدهن قدر المستطاع في البحث عن وظائف بديلةº لأن بعضهن في حاجة ماسة للمال، وهناك بالفعل استجابة كبيرة من النساء المسلمات للحفاظ على دينهن وحجابهن.
قهر ومطالبة بالاندماج
وتقول "ناهد محمود" إنها تعرضت لمضايقات عديدة في العمل نتيجة لارتدائها الحجاب، حيث عملت في وظائف مختلفة كان آخرها بائعة في أحد المحال التجارية، ولكن لم يتقبل المجتمع الذي تعيش فيه ارتداءها للحجاب، فهدد كثير من الزبائن الذين يترددون على المحل بأنهم سوف يمتنعون عن الشراء إذا استمرت في ارتداء الحجاب، وأساءت إحداهن إليها بأن الحجاب رمز لتخلف المرأة المسلمة وأنها الآن تعيش في بلد متحضر لا يسمح بهذا! ولذلك طالبتها بخلع الحجاب، وكانت النتيجة أن صاحب العمل هددها إما بخلع الحجاب أو الاستغناء عن الوظيفة، فاختارت الحفاظ على حجابها وترك العمل.
وأشارت إلى أنها غالباً ما تتعرض لنظرات غريبة ومضايقات عديدة في الأماكن العامة، كان أبرزها في إحدى المرات وهي تصعد الحافلة في طريق عودتها إلى المنزل، سمعت أحد الركاب يقول عند رؤيتها: "إرهابية حقيرة"، وحينما طلبت منه الاعتذار لم تجد أي تأييد من الركاب الآخرين.
وتتساءل ناهد: "كيف يطالبنا المجتمع الألماني بالاندماج وهو يمارس علينا عنصرية من هذا النوع؟ وما الذي يمثله ارتداء الحجاب من خطر على المجتمع الألماني؟ وما هي مقاييس الحرية من وجهة نظرهم، والتي غالباً ما يتغنون بها وفي المقابل يصفون المسلمين بالتخلف وممارسة القهر والظلم على المواطنين؟ ".
تعسف وإجحاف
وفي اتصال هاتفي مع "إيمان الزيد" إحدى أشهر المحجبات المسلمات في ألمانيا والتي كانت قضيتها مثار جدل واهتمام وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة في ألمانيا لفترة طويلة، والتي اختارت مغادرة وطنها ألمانيا والسفر إلى النمسا، وهي تعمل الآن رئيس قسم في الأكاديمية الإسلامية لإعداد المعلمين في النمسا، قالت إيمان: "إنها كانت تعمل مدرسة في إحدى المدارس الخاصة وعندما قررت العمل في المدارس الحكومية كان هناك ترحيب من زملائها في المدرسة، ولكن عندما وصل الخبر إلى الوزارة، قررت وزيرة التعليم وقف إيمان عن العمل بالحجاب، وإذا أردات العمل فعليها بخلع الحجاب، وهنا ثارت الأزمة الكبرى، فهناك إصرار من إيمان على ارتداء الحجاب، والدستور الألماني يكفل الحريات الدينية ويدعم موقفها، ولكن سارعت مقاطعة "ساكسونيا السفلى" التي تعيش فيها بإصدار قانون يمنع ارتداء الحجاب في المدارس".
وأشارت إيمان إلى أنه بعد صدور الحكم اعترض تلاميذ المدرسة وطالبوا بعودتي للعمل وأنهم لا يرون أي مشكلة في عملي بالحجاب، وقام تلاميذ المدرسة بمظاهرة ارتدوا خلالها الحجاب احتجاجاً على الحكم وعلى طردي من العمل، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد تناولت وسائل الإعلام المختلفة القضية وقامت قنوات تلفزيونية عديدة باستضافتي التي عبرت من خلالها عن استيائي ورفضي للحكم القاسي الذي كان ضد مبادئ الدستور الألماني.
نموذج مشرف
أما "ساندر هيبشور" التي أصبح اسمها بعد دخولها الإسلام "أمينة المهدي" وتعتبر من النماذج المشرفة للمسلمات في ألمانيا، فتحدثنا عن تجربتها مع الإسلام فتقول: "شاهدت خالد زوجي وهو شاب مغربي جاء للدراسة في ألمانيا عدة مرات، وقد حاولت الحديث معه ولكنه كان دائماً يرفض الخوض معي في الحديثº لأنه كان مسلماً متديناً، وعندما سألته: هل الإسلام يمنع الحديث مع المرأة؟ فكان جوابه: لاº ولكن في حدود المبادئ الإسلامية وتعاليم الإسلام التي أرشدنا إليها رسولنا الكريم"، ومنذ هذه اللحظة حاولت أمينة أن تتعرف أكثر على الإسلام وتقرأ كل ما يقع عليه بصرها من كتب إسلامية، وبالفعل دخل نور الإسلام إلى قلبها، وكان قرارها بارتداء الحجاب سريعاً وبلا تردد وتم زواجها من خالد، وقد عبّرت أمينة عن دخولها الإسلام بقولها: "كم اكتشفت عظمة الدين الإسلامي وعظمة سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم -؟ ".
إلا أن معاناة أمينة مع الحجاب بدأت ذهبت إلى المستشفى التي كانت تعمل بها ممرضة، وكانت المفاجأه التي أدهشت الجميع، حيث دخلت عليهم بالحجاب مما أثار استهجان زملائها ورؤسائها في العمل، وفي اليوم التالي قررت إدارة المستشفى الاستغناء عنها، وإذا أرادت العودة إلى العمل فعليها خلع الحجاب، وعبثاً حاولت أمينة بكل الطرق أن تستمر في العمل ولكن دون جدوى، وتقول: "كنت على ثقة أن الله - سبحانه وتعالى - لن يتخلى عني، وبالفعل حصلت على وظيفة أخرى ولكن في القطاع الخاص وليس في الحكومة".
وتؤكد أمينة أنها تعرضت لمضايقات عديدة في الشارع وفي وسائل المواصلات وفي المحلات، حيث إن شكلها الألماني بالحجاب لافت للنظر، وكم سمعت تعليقات ومضايقات كثيرة من الناس حول حجابها، ولكنها كانت دائماً تتجاهل هذه النظرات بل تتخيل أنه لا يوجد ناس حولها، وكانت هذه التعليقات والمضايقات تزيدها إصراراً وتديناً وحباً في الإسلام.
وتشير أمينة إلى أنها بدأت طريق الدعوة الإسلامية، ودخل إلى الإسلام أربعة من صديقاتها الألمانيات وكلهن الآن محجبات، وأنها تشعر بسعادة بالغة لما أنجزته.
تمييز عنصري
وتقول ناشطة حقوق الإنسان الألمانية "مونيك فريتاج": إن المسلمين وهويتهم الدينية مستثنون من الحماية القانونية ضد التمييز العنصري، فهم يتعرضون دوماً للإهانات في حقل التعليم المهني والمدرسة أو في العمل، وتعمل بعض المنظمات مثل لجنة حقوق الإنسان أو المجالس الإسلامية منذ فترة طويلة على تحسين القوانين، ويشعر عدد غير قليل من المسلمين الألمان بأنهم عرضة للهجوم أكثر مما كانوا عليه قبل اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر.
وتضيف "مونيك": إننا نأمل فعلاً ألا يصبح الزي الإسلامي عامة والحجاب خاصة في المستقبل رمزاً مجرداً لإثارة النعرات تتعرض بسببه النساء المسلمات اللواتي يرتدينه إلى مضايقات أكثر من ذي قبل.
وتتساءل "مونيك": كيف تريد الدولة تشجيع الاندماج والتنوع في مدارسها الرسمية، وفي الوقت نفسه تقوم بحرمان الطالبات والمعلمات المسلمات من ارتداء الحجاب؟ كما أن الحكومة الألمانية لو استمرت بممارسة العنصرية ضد المسلمات فسوف تكون هناك عواقب خطيرة بالنسبة للمجتمع الألماني على المدى البعيد، أبرزها زيادة العنف والتعصب عند المسلمين نتيجة الإحساس بالقهر والعنصرية التي تمارسها الحكومة الألمانية ضدهم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد