قانا المجزرة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

.. كما أن "دير ياسين" صارت عنواناً لشلال الدماء في فلسطين.. صارت "قانا" رمزاً لشلال الدماء في لبنان.. ومنذ ابتلاء منطقتنا العربية بالهمج الصهاينة، ولبنان وفلسطين تتآخيان في المجازر على أيدي تلك العصابات... أكاد أرى لبنان الجريح يرتمي في حضن فلسطين الذبيحة، وتتعانق صرخاتهما.. وسط تدفق شلال الدم الهادر من "دير ياسين".. إلى "قانا".. جريح يشد من أزر ذبيح ويبعث فيه الأمل.. وذبيح يقاوم الموت الغادر ويصر على الحياة فيبعث فينا بشائر النصر.

منذ بدايات النكبة كانت فلسطين ولبنان على موعد معاً مع شرار خلق الله الذين دنسوا الأرض المباركة، وكانتا هدفاً لمذابحهم.

كان موعد فلسطين مع أول مذبحة يوم 6-3- 1937م في سوق حيفا حيث استشهد 18 مدنياً وأصيب 38 على يد عصابة "الإتسل"... لكن موعد لبنان مع أول مذبحة كان في عام 1948م وهي مجزرة "مسجد صلحا" بالجنوب، وهو العام نفسه الذي وقعت فيه مجزرة دير ياسين رمز المجازر الصهيونية في فلسطين.

 

وسجلات التاريخ هي خزينة الذاكرة لمن أراد أن يتذكر أو يتعظ أو يستعد لقادم الأيام.. وهي تفضح دائماً كذب المزورين، وتشهد بالأرقام والوثائق بأن اليهود ارتكبوا في فلسطين أكثر من مائتين وخمسين مجزرة من العام 1937م حتى اليوم. وفي لبنان ارتكبوا من عام 1948م حتى العام 1996م عشرين مجزرة، بدأت بمجزرة "مسجد صلحا"، وكان آخرها مجزرة "قانا الأولى" عام 1996م.. واليوم عادت وتيرة المذابح لتتسارع يومياً حتى عادت "قانا" من جديد يوم الأحد30-7-2006م وقبل "قانا الثانية" وبعدها مذابح... ومذابح في مروحين وصور وبنت جبيل ومارون الراس وصريفا.. وغيرها، وما زالت الأنقاض تخبئ أخباراً مفجعة عن مذابح يشيب لها الولدان، وما زالت الطرقات المقطوعة والجسور المدمرة والخراب الذي يعشش في الجنوب تحول دون الاطلاع على حقائق مريرة لمذابح رهيبة.

 

في السجل المتخم بالمذابح الصهيونية في فلسطين ولبنان لم تشر الوقائع والبيانات المسجلة إلى أن مجزرة واحدة وقعت بطريق الخطأ وإنما جميعها تم التدبير له مع سبق الإصرار والترصد.. وليست هناك مجزرة واحدة وقعت بحق مقاومين أو مقاتلين وإنما كلها بحق مدنيين أبرياء وعلى حين غرة منهم.. في الأسواق.. أو في القرى وهم نائمون..

وقد شهد أغلب تلك المجازر تمثيلاً بجثث الأطفال والنساء بعد قتلهم بطرق بشعة.. ففي مجزرة دير ياسين على سبيل المثال التي وقعت فجر يوم الجمعة 9-4-1948م قتل الصهاينة من أبناء القرية 254 شخصاً وألقوا بهم في بئر القرية بعد أن مثلوا بجثثهم.

 

الجريمة الكبري لا تقف إذاً عند حد القتل، وإنما تمتد إلى التشفي على قاعدة إبادة الحياة أي حياة في أي أرض يحل بها يهود.. إنها ليست أخطاء حرب ولا ضرورات قتال في معركة بين جيشين، وإنما هي طبيعة بشرية جبلت على الخسّة وتشبعت بالوحشية، فلم ترقب في مؤمن إلاّ ولا ذمة.. وحتى يكون الأمر أكثر جلاء أتوقف أمام ذلك البيان الذي بثته القناة السابعة بالتلفاز الصهيوني يوم 17-7-2006م، والصادر عن مجلس الحاخامات في الضفة الغربية (المحتلة) ويدعو الحكومة الصهيونية إلى إصدار أوامرها بقتل المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين بصفتهم موالين للعدو، مؤكداً أن التوراة تجيز قتل الأطفال والنساء في زمن الحرب. وقال بيان الحاخامات: "إن الذي يترحم على أطفال غزة ولبنان فإنه يقسو بشكل مباشر على أطفال إسرائيل"! لا أدري.. إن كان للشيطان أن يصدر بيانات هل كان يصدر بياناً أبشع من بيان الحاخامات هذا؟!

 

نحن لسنا أمام دولة تحترم آدمية الآدميين، ولا أمام شعب يعرف من القيم الإنسانية النذر اليسير.. وإنما نحن أمام كيان تديره عصابة دولية تضم شرار الخلق على الأرض، كل وظيفتها تسليط حمم إجرامها وحقدها على كل من تقع عليه أعينها من بني البشر... لا يقبلون شريكاً لهم في أرض ولا ماء ولا هواء، ولا يطيقون أن يروا على مرمى البصر عربياً أو مسلماً.. ولا نبالغ إذا قلنا: إن تلك هي طريقتهم، وتلك هي طبيعتهم وخصالهم..ولذا ف "قانا" لن تكون المذبحة الأخيرة طالما بقي صهيوني بيننا..وطالما بقي بيننا المنهزمون والمنبطحون من دعاة الانكسار.. إنه صراع الوجود!

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply