بسم الله الرحمن الرحيم
قال - رحمه الله -: يا للعار..أنتم أيها الناس تأكلون وتشربون وتنامون على الفرش الوثيرة، وتصغون إلى أصوات المذياع، وتتمددون على مقاعد المقاهي، وإخوانكم هناك يخوضون في الدم..
يا للعار.. إني لأكتب هذه الكلمة وأنا أبكي، ولقد مرت علي أيامُ شدادُ ومصائب جسام فما بكيت ولا ترقرقت في مقلتي دمعة، ولكني أقسم بالله العظيم أبكي الآن من أعماق قلبي أتدرون لماذا؟
كنت قاعداَ أشرب بعض الشاي، وأشتغل بكتابي الذي أؤلفه فما سمعت إلا ضجة في الدار وكلاماًَ لم أتبينه ولهجة لم آلفها فسألت، فإذا في الدار امرأة من فلسطين شريفة غنية من أسرة كبيرة كشفت ملاءة عليها بالية..
فإذا ليس تحتها شيء وإذا هي عارية ليس على جسمها إلا سراويل وإذا هي قد قصفها الجوع، وانطلقت تصف ما جرى عليها منذ قتلوا زوجها وأخاها وطفلها إلى أن نجت بالباقين، وهي عارية من المال والثياب إلى أن وصلت إلى محطة الشام فتركت أطفالها في المحطة تحت حرارة الشمس ومشت على غير هدى حتى وجدت هذا الباب فولجته..
انطلقت تحكي وأهل الدار يبكون حتى كادت تصير الدار كأنها مناحة ثم وضعوا بين يديها كل ما يقدرون عليه، ثم ذهبت لا أدري إلى أين... ولا أدري ماذا تصنع غداَ.. ولا الذي بعده.. ولا أعلم من معها.. وماذا جرى لغيرها فهل في الناس من يعلم ويدري..
هل في الناس من يحب أن يعلم.. هل في البلد مسلم.. هل في البلد عربي.. هل في البلد شريف.. هل في البلد إنسان.. سيبكي بعض القراء وينحب ثم ينام ولا يدفع شيئاً..
سيهز بعض الموظفين أكتافه ويقول: أنا لا أشتغل بالسياسة ثم يذهب إلى السينما وإلى البار أو دار القمار، سيفرك الشيخ كفه ويقول: " إنا لله وإنا إليه راجعون " ثم يذهب يعد قروشه على سبحته..
سيلوّح التاجر بيديه ويقول التجارة واقفة ماذا نصنع ثم يذهب إلى السوق ليشتري بسبعين قرشاَ طعام يوم واحد، لا يا سادة.. لا البكاء ينفعنا ولا الحوقلة، لا إن هذه ليست سياسة ولكنها واجب وطني ديني إنساني..
إن أصغر تاجر يستطيع أن يساعد فلسطين.. يا أيها الناس إن المئات من النساء يدرن في الطرقات جائعات عاريات في مدن فلسطين وفي أراضي الشام..
إن المرأة التي ذهبت الآن من دارنا مثال من هؤلاء النساء فمن يتطوع للبحث عنهن من يتقدم فيستأجر لهن الدور ويجمع من الناس فينفق عليهن أتذهب هذه الكلمة صيحة في وادِ..
ألم يبقى في البلد مسلم.. ألم يبقى عربي ألم يبقى شريف ألم يبقى إنسان.. أتعاد مأساة أندلس جديدة وأنتم تنظرون، ألم يكفي هذا الموقف المخجل الذي وقفه ملوك العرب أتكون الشعوب العربية أيضا مقصرة، مائة وعشرة أيام مرت على فلسطين لا البائع باع فيها ولا الصانع اشتغل.. ولا الأجير أخذ أجرته.. فمن أين يعيش فقراء فلسطين..
من أين يجدون ثمن الخبز ألم تفكروا في هذا.. ألم يخطر لكم على بال.. أتأكلون وتشربون وتلعبون وتطربون وأهل فلسطين يموتون.. يا للعار؟
قلت: رحم الله الشيخ.. لقد كتب هذه الكلمات.. وفي ثناياها جرح غائر مازال يسيل.. ورسالة وجهها إلى كل مسلم بأنه يستطيع نصرة إخوانه حتى ولو بالقليل..
عندما تضع اللقمة في فيك تذكر أن لك إخوة محرمون منها.. وعندما يلعبون أطفالك أمام عينيك تذكر من فقد أطفاله ودمع عينيه ما ينفك سيلاَ منها.. وبعد كل ما قاله الشيخ.. هل فعلاَ ستذهب صيحته في وادِ؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد