ساميون غير الحاج !


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 أطول خطاب يبقى في يدي كان أنيقا جدا ومؤلما جدا، والمؤلم هو أن يصبح الخطاب الخاص وثيقة عامة تنكشف فيها المشاعر المبثوثة بين إنسان وإنسان.

 

الخطاب لم ترسله حبيبة في عيد الحب، كما لم يكن مرسلا إلى شخصي بالتحديد، لكنه على أي حال جاء من مكان بعيد.

 

والأسرة التي تلقته كان يؤلمها أن تحتفظ بالخطاب لوحدهاº لأن ذلك يعني أن تعاني وحدها مرارة الألم والفراق، وهذا شعور بشع، ولهذا أرادت هذه الأسرة أن يطّلع كل إنسان على هذا الخطابº لتشعر بأن الآخرين يتقاسمون معها جزءا من الفجيعة.

 

يقول الخطاب: إلى الأخ الغالي هاشم حمد وأفراد الأسرة حفظهم الله - تعالى -، وبعد، السلام عليكم ورحمة الله..أحمد الله - تعالى -وأصلي وأسلم على خير خلقه محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، راجيا منه - سبحانه وتعالى - أن تصلكم رسالتي وتجدكم في أتم صحة وعافيةº في ذكر وشكر ورجاء وخوف كما أنا والحمد للهº شاكرا لأنعمه الكثيرة وآلائه الجليلةº تحسبا للأجر، صابرا على المكروه، مسلما بقضائه وقدره، عالما بأن لكل أجل كتاب، وأنه يمحو ما يشاء ويثبت، ولا راد لقضائه إلا الدعاءº فلا تنسونا منه..أهنئكم بحلول عيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا وعليكم وعلى جميع الأهل والأرحام بالخير، وسائر المسلمين بالأمن والإيمان والعمل الصالح.

 

ومن ينتهي من قراءة الخطاب فلن يجد من النظرة الأولى أن هناك مشكلة مّاº تبدو من بين السطور ما عدا الجملة التي تقول: (صابرا على المكروه، مسلما بقضائه وقدره، عالما أن لكل أجل كتاب).. الأمر الذي يشير إلى أن مرسله يعيش حالة من الابتلاء لا تنقضي إلا بالصبر الجميل وحده.

 

وهكذا فلن تشعر بالمصيبة إلا عندما تقّلب الخطاب الأنيق المزخرف بين يديك وتقرأ جملة GUAN-2006-Cº لتكتشف أن الخطاب عبارة عن (كرت) صنعته منظمة الصليب الأحمر خصيصا لاستعمال معتقلي غوانتنامو.

 

وستكتشف أن الخطاب قادم من معتقل غوانتنامو الرهيب الكئيب، من طرف الأسير السوداني عادل حمدº الذي اعتقل من محل إقامته في مدينة بيشاورº منذ ما يقارب خمس سنواتº منذ 16 يوليو 2002م.. من دون جريرةº بل حتى دون محاكمة.

 

هذا الخطاب كان محظوظاº إذ لم يتعرض إلى الحذف والتشطيبº وهو الإجراء المتبع مع رسائل له سابقةº حيث شطبت منها عبارات كاملة مثل (الشهداء والصديقين)، وعبارات الاستفتاح بالحمد والثناء.

 

وليس عادل حمد وحده من يقبع هناك، بل هناك تسعة سودانيين آخرين ينتظرون المجهول كل صباح، ولولا أن القضايا الكبيرة تتخذ لها أحيانا رموزا تشير إليهاº وتمنع عنها سوس النسيان لصارت قضية معتقلي غوانتنامو في طي النسيان، ولهذا لم ينس العالم سامي الحاج مصور الجزيرة السوداني.

 

فإذا كان سامي الحاج قد أصبح عنوانا لكتاب معتقلي غوانتناموº فلا ينبغي أن تهمل محتويات الكتابº فغير سامي يوجد الكثيرون منهم ثمانية سودانيون هم: (عادل حسن حمد عبد المطلب، أمير يعقوب محمد الأمين، الوليد محمد الحاج محمد علي، مصطفى إبراهيم مصطفى، سالم محمود سالم، إبراهيم عثمان إبراهيم، محمد صالح إبراهيم القوصي، محمد نور عثمان).

 

لكن خصوصية عادل حمد تتمثل في أنه تعرض إلى مؤامرتين، مؤامرة (أمريكية) ومؤامرة (إسلامية)، وقد تعود الناس أن ينتقدوا الإساءات الأمريكية ما شاء لهم أن ينتقدوا، وحق لهم أن يفعلوا، لكننا سنخسر كثيرا إذا تغاضينا عن الإساءات التي تصدر عن شخصيات ومؤسسات تنتسب إلى الإسلام والإسلاميين.

 

وقد غرقتُ في الأسف عندما عرفتُ أن عادل حمد قد أنكرته الندوة العالمية للشباب الإسلاميº في تعميم أصدرته من جدة بأن عادل حمد ليس موظفاً لديهاº مع أنه كان يعمل مشرفاً إداريا في مستشفى يتبع للندوة داخل أفغانستان، وصدر تأكيد بذلك من مكاتبها في أمريكا، والغريب أن الندوة نفسها أرسلت له حقوقه المالية!!.

 

والنتيجة إلى الآن واحدةº رغم الخوف من المضايقات الأمريكية، فلا أطلق سراح عادل، ولا أطلق سراح العمل الإغاثي الذي يتعرض كل يوم للمضايقاتº وبقي الوحيد المسجون هو نحن بمواقفنا الأخلاقية غير المشرفة.

 

عادل متزوج، وأب لأربع بنات، وآخر الوظائف التي كان يشغلها قبل اعتقاله هي: مدرس للأيتام بمدرسة ابتدائية، وعامل بمستشفى تابع للندوة العالمية داخل أفغانستان، ومنسق لتوزيع الغذاء والدواء والغطاء للاّجئين.

 

يدافع عن عادل الآن عدد من المحامين الأجانبº منهم وليام تريسديل، وإستيف واكس حيث يتابعان قضيته، ويقومان بالترويج لها إعلامياً، ونشرت القضية على صفحات اللوموند الفرنسية، وعلى شبكة الإنترنت، ونشرت موادا مرئية ومكتوبة للتعريف بقصته وقضية اتهامه.

 

ويقول هذان المحاميان عن عادل: (لم يسبق له أن اتهم بأي فعل حربي ضد الولايات المتحدةº وعلى الرغم مِن أنه لم يؤسر على ساحة معركة فقد اعتقل السّيد حمد في منتصف الليلِ من سريره، وصنفته الولايات المتّحدة على الرغم من هذا كعدو مقاتل).

 

والعدو المقاتل هو تصنيف جديدº ابتكره الأمريكان للتملص من تصنيف سجناء غوانتنامو كأسرى حرب تنطبق عليهم شروط اتفاقية جنيف، وبعد هذا كله تقر أمريكا في الأيام الماضية قانونا يحرم أسرى غوانتنامو من التظلم، وتؤيد محكمة استئناف أمريكية جزءًا من قانون أقره الرئيس جورج بوش مسبقاº يلغي حق أسرى غوانتنامو في الطعن على قرار احتجازهم، أمام المحاكم الاتحادية الأمريكية.

 

ولا ندري إلى متى سيتواصل مسلسل الانتهاكات الأمريكية؟، ولا ندري إلى متى ستسرح وفود (السي آي أيه) جيئة وذهابا في شوارع الخرطوم وغرفاتها المظلمة دون أن نعلم بماذا جاءت؟ ولا بماذا رجعت؟ ولا ندري هل كانت قضية المعتقلين السودانيين التسعة في غوانتانامو حاضرة في أجندة العلاقات الأمنية التبادلية بين حكام الخرطوم وواشنطن أم لا؟

 

وإلى أن نجد الإجـابة سنحاول أن نظل مع المعتقـل عـادل حـمد ورفاقه ونكـون مثله: (صابرين على المكروه، مسلمين بقضاء الله وقدره، عالمين أن لكل أجل كتاب).

 

ولكن هل علم الطغاة يوما أن لكل أجل كتاب؟!.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply