بسم الله الرحمن الرحيم
وجهت محكمة عسكرية إسرائيلية يوم الثلاثاء الماضي تهمة الانتماء لمنظمة إرهابية إلى (رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني) عزيز الدويك، والذي اعتقل منذ مدة.
ولستَ في حاجة لمن ينبئك عن هوان أهل الإسلام في هذا الزمان، أو يعقد لك مقارنة بين أسر جندي محتل وبين أسر خيار شعب مناضل بل أسر شعب، فلله كم في سجون الاحتلال ودول الحرية والديمقراطية من عزيز مسجون بتهمة الإرهاب أو الانتماء لمنظمات إرهابية. ولله كم عذب واضطهد من كرام في بلدان إسلامية وبنفس التهمة!
والحق أن هذه سبيل للطغاة مطروقة منذ فجر التاريخ وقد مهد لها أكابر المجرمين جيلاً بعد جيل، وقديماً حاول فرعون اغتيال موسى بتهمة الإفساد، "وَقَالَ فِرعَونُ ذَرُونِي أَقتُل مُوسَى وَليَدعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُم أَو أَن يُظهِرَ فِي الأَرضِ الفَسَادَ"، إنها تهمة قوم السوء الفاسقين الموجهة للمصلحين: "أتذر موسى ليفسد في الأرض ويذرك وآلهتك.."!
إنه منطق واحد يتكرر كلما التقى الحق والباطل، والإيمان والكفر، والصلاح والطغيان، على توالي الزمان واختلاف المكان
وتأمل ملياً تهمة فرعون وقومه لموسى، ثم قلب النظر في أرض الواقع، وقل لي:
"أليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد عن كل داعية مصلح؟
أليست هي بعينها كلمة الباطل الكالح عن وجه الحق الجميل؟
أليست هي بعينها كلمة الخداع الخبيث لإثارة الخواطر في وجه الإيمان الهادئ؟
إنه منطق واحد يتكرر كلما التقى الحق والباطل، والإيمان والكفر، والصلاح والطغيان، على توالي الزمان واختلاف المكانº والقصة قديمة مكررة تعرِض بين الحين والحين" "وَكَذَلِكَ جَعَلنَا فِي كُلِّ قَريَةٍ, أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِم وَمَا يَشعُرُونَ".
إي والله صدق الله: "وما يمكرون إلاّ بأنفسهم وما يشعرون".
إذا تأملت التاريخ الغابر والحاضر الماثل وجدت برهان ذلك، وانظر إلى من عَذَّبَ ألوفاً من الأبرياء وقتل آخرين وطغى وبغى، كيف آل به الأمر اليوم ليكون حبيساً رهيناً يُتَحكم فيه ويُحاكم بالحق والباطل، حتى غدت غاية أمنيته أن يموت رمياً بالرصاص لا أن يتدلى على حبل المشنقة، حتى رثى له من كان يمقته! وكم من ظالم بلاه الله بظالم، وقد سمعنا كيف عاش غيره طريداً شريداً ذليلاً، وكيف أُخذ بعضهم أخذ عزيز مقتدر..
فـ:
مضوا وألسنة الأجيال تلعنُـهم واتبعوا في الليالي السود تبكيتا
أسماؤهم في رؤى التاريخ مظلمة كم مجرم كان في الإفساد خريتا
ولعل ما نال بعضهم في هذه الحياة من جملة رحمة الله بهم، فقد يخفف عنهم جزاءهم ببعض ما أصابهم في الدنيا.
وتبقى طائفة يُدَّخر لها العذاب كاملاً فهي سادرة في غيها إلى يوم تلقى في النار على وجوهها، قال الله تعالى: "هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ, * جَهَنَّمَ يَصلَونَهَا فَبِئسَ المِهَادُ * هَذَا فَليَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِن شَكلِهِ أَزوَاجٌ"، ثم ذكر انفصام العرى بين هذه الفئة وبين أحلافها وأعوانها الذين كانوا يتآمرون معها ويأتمرون فيما بينهم فيدبرون التهم ويؤاخذون المؤمنين الأبرياء بها فقال: "هَذَا فَوجٌ مٌّقتَحِمٌ مَّعَكُم لَا مَرحَبًا بِهِم إِنَّهُم صَالُوا النَّارِ * قَالُوا بَل أَنتُم لَا مَرحَبًا بِكُم أَنتُم قَدَّمتُمُوهُ لَنَا فَبِئسَ القَرَارُ * قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدهُ عَذَابًا ضِعفًا فِي النَّارِ". وقد جاء التعليق على هذا الطلب في آية أخرى فقال - سبحانه -: " لِكُلٍّ, ضِعفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعلَمُونَ".. وما ربك بظلام للعبيد، ولكنها المعادن الخبيثة جديرة بأن تتلف في النار. ومما يُنبِيك عن خبث هؤلاء واستحكام اللؤم في معادنهم حتى إنهم لو ردوا في الدنيا لعادوا سيرتهم الأولى تساؤلهم بعد ما هم فيه من العذاب قائلين: "مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدٌّهُم مِّنَ الأَشرَارِ"!
نعم هم أشرار في موازينهم: إرهابيون.. مفسدون، صنفوهم ضمن محور الشر، جعلوهم أعداء الحرية والديمقراطية، عذبوهم قتلوهم سجنوهم... اتخذوهم سخرياً فلا والله ما زاغت عنهم الأبصار.
وعوداً على بدء: إذا كانت تلك هي الخاتمة المرتقبة التي تؤمن بها عزيزي (عزيز الدويك) فلا تأسَ ولا تحزن فللظالم يوم ينتظره، ولك يوم لن يضاع فيه أجرك جراء ما أصابك، ولتكن لك اليوم أسوة في الأُسى المشتهرة:
فَمـا هَــذهِ الأَيّـامُ إِلّا مَـنازِلٌ * * * فَمِن مَنـزِلٍ, رَحبٍ, وَمِن مَنزِلٍ, ضَنكِ
وَقَـد هَـذَّبَتكَ النائِبـاتُ وربـما * * * صَـفا الذَهَبُ الإِبريزُ قَبلَكَ بِالسَبكِ
وَما أَنتَ بِالمَهزوزِ جَأشاً عَلى الأَذى * * * وَلا الـمُتَفَرّي الجِلدَتَينِ عَلى الدَعكِ
عَلى أَنَّهُ قَد ضيمَ في حَبسِكَ الهُدى * * * وَأَضحى بِكَ الإِسلامُ في قَبضَةِ الشِركِ
أَمَـا في نَبِيِّ اللَهِ يوسُـفَ أُسـوَةً * * * لِمِثلِكَ مَحـبوساً عَلى الظُلمِ وَالإِفكِ
أَقامَ جَميلَ الصَبرِ في السِجنِ بُرهَةً * * * فَآلَ بِهِ الصَـبرُ الجَميلُ إلى الـمُلكِ
فرج الله عنك وعن أسرى المؤمنين والتقاة المضطهدين في كل مكان (آمين).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد