قوامها 23 ألف مسلح.. وميزانيتها 100 مليار دولار سنوياً


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سجن تركي

يدور جدل واسع في تركيا حالياً حول دور المافيا المتزايد في البلاد، في الوقت الذي ما زال فيه التحقيق مستمراً مع زعيمين مهمين للمافيا هما علاء الدين جاكجي وسادات بكر، المعروف عنهما أنهما من المافيا القومية التي سبق للدولة التركية أن استخدمتها ضد المافيا الكردية التي كانت تدعم حزب العمال الكردستاني في العقدين الماضيين.

وتعد نشاطات المافيا في تركيا من المسائل الغامضة في تاريخ السياسة والأوساط الاستخبارية التركية، وقد كُشف النقاب حديثاً عن بعض أبعاد هذا النشاط الذي يعود إلى سنوات طويلة. لقد استفادت المافيا التركية خلال العقود الماضية من النزاع بين الحكومات التركية السابقة والمنظمات الإرهابية، وأسفر ذلك عن تحالف بعض هذه الحكومات مع زعماء المافيا لمساعدتها في التصدي للأخطار التي تحدق بها من الخارج.. لكن الهدف الإستراتيجي للمافيا التركية تمثل في إقامة علاقات إستراتيجية تشكل إطاراً سرياً للتعاون بين عصابات المافيا والمخابرات التركية.

 

جيوش المافيا

أشار تقرير لرئاسة دائرة مكافحة الجرائم المنظمة والتهريب التابعة للمديرية العامة للأمن التركي إلى أن جيش عصابات المافيا في تركيا يبلغ قوامه ثلاثة وعشرين ألف مسلح، وميزانيته تتجاوز مائة مليار دولار.

وأوضح التقرير أن عدد عصابات المافيا في شتى أنحاء تركيا يبلغ مائة وخمسين عصابةº مشيراً إلى أن قسماً كبيراً من الحوادث التي وقعت في تركيا خلال السنوات الماضية كان من فعل عصابات المافيا.

وتأتي مدينة إسطنبول العاصمة الاقتصادية لتركيا في مقدمة المدن التركية التي تؤوي أعداداً كبيرة من عصابات الجريمة المنظمة يليها في المرتبة الثانية أنقرة ومن ثم أزمير ومرسين وأضنة وسمسون.

وقال تقرير الأمن التركي إن نشاطات عصابات المافيا التركية تتركز حول عدد من القطاعات أهمها البناء والأمن الاجتماعي والمؤسسات الوقفية واستغلال النساء والقاصرات وتهريب الأشخاص والمخدرات والأسلحة وتجارة الأعضاء أو الأطفال وتنظيم مباريات كرة القدم المحددة النتائج سلفاًº مشيرًا إلى أن 80% من عناصر المافيا لم يتجاوز تعليمهم المرحلة الابتدائية.

لعبت عصابات المافيا دوراً كبيراً في السياسة التركية خلال العقدين الماضيينº حيث استطاعت توطيد علاقاتها مع أركان الحكم في تركيا مستغلة حالة الفوضى السائدة في البلاد. ولقد استغلت المافيا التركية، الدعم الرسمي الذي حصلت عليه من الحكومات السابقة لتحكم سيطرتها على الكثير من الأمور، وبعد النجاح الذي حققته في إقامة علاقات واسعة مع مسئولين سياسيين وعسكريين واستخباراتيين وأمنيين قدمت كل الخدمات المطلوبة لرجال المافيا، حيث حققت هذه المافيا أرباحاً خيالية وصلت إلى المليارات من تجارة المخدرات وتبييض الأموال وتقاسمتها مع أجهزة وأشخاص لهم علاقة بالدولة.

 

اغتيالات سياسية

وقد نفذت قيادات وعناصر المافيا القومية عمليات قتل واغتيال للعديد من الشخصيات اليسارية والكردية داخل تركيا، ثم كلفوا بعمليات مماثلة في الخارج، ومن هؤلاء عبد الله شاتلي أحد كبار أباطرة المخدرات الأتراك، وصاحب الميول اليمينية المتطرفة والمسؤول المباشر عن عدة اغتيالات سياسية في تركيا، ومحمد علي أغا الذي حاول اغتيال البابا في بداية الثمانينيات.. أما عبد الله شاتلي فهو رجل المافيا الذي كلفته الاستخبارات التركية ملاحقة واغتيال بعض قيادات منظمة "أصالا" الأرمينية في باريس وبيروت وأثينا بعد أن قام بعملية تفجيرية في محطة للباصات في دمشق، كرد على دعم سورية لحزب العمال الكردستاني آنذاك.

واستغلت عناصر المافيا التركية كل هذا الدعم المطلق لهم من الدولة وحكوماتها التي كانت قومية في معظم الحالات فتمادوا في تصرفاتهم وأنشطتهم داخل تركيا ليصبحوا أقوى من الدولة التي كانت وراءهم دائماً.

وهو الأمر الذي ذكره رئيس الوزراء السابق بولند أجاويد في مذكراته حيث تعرض هو الآخر لمحاولة اغتيال من قبل عصابات المافيا في السبعينيات، لكن بعد تشكيل أجاويد في عام 1999م حكومة ائتلافية مع حزب الحركة القومية المعروف عنه دعمه المطلق للمافيا التركية زالت هذه التهديدات التي كانت تلاحق أجاويد.

 

حكومة العدالة والتنمية

وقررت حكومة حزب العدالة والتنمية التي وصلت إلى السلطة في نوفمبر 2002م والتي لم يكن لها أي علاقة بعصابات المافيا التخلص من هذه العصابات التي رأت أنها أداة لجهات داخلية تريد فقط تسخير خيرات البلاد لمصلحتها الخاصة.

كما أرادت حكومة حزب العدالة والتنمية التي قامت باعتقال العديد من زعماء المافيا وسجنهم عقب توليها السلطة إثبات رغبة الحزب في إيجاد مجتمع نظيف، بالإضافة إلى تلبيتها الشروط الأوروبية التي تريد من تركيا أن تكون نظيفة وشفافة في كل تعاملاتها.

وبهذه الخطوات الجريئة التي قامت بها حكومة حزب العدالة والتنمية من خلال مكافحتها لعصابات المافيا أسدلت الستار على حقبة سوداء في تاريخ السياسة التركيةº حيث كان الكثير من الأحزاب السياسية خصوصاً حزب الوطن الأم بزعامة مسعود يلماز على علاقة مباشرة بالمافيا.

وذكر تقرير أعدته غرفة تجارة أنقرة قبل أشهر أن المافيا التركية التي تمارس مئات النشاطات تحصد قرابة 60 مليار دولار سنوياً من الاقتصاد في السوق السوداء في تركيا أي قرابة ربع الدخل القومي.

وأشار التقرير إلى أن أكثر من ثلاثة آلاف جريمة منظمة أحصيت بين 1998م و2002م من بينها عدد كبير من الجرائم في إسطنبول المدينة الأولى في البلاد وقلبها الاقتصادي وعاصمة المافياº حيث تم اعتقال خمسة آلاف شخص وصودرت كميات كبيرة من الأسلحة خلال عمليات نفذتها الشرطة ضد المافيا.

وقال التقرير: على سبيل المثال، الكُلية يتم شراؤها من شخص معدم بمبلغ زهيد لتباع بما بين 50 ألف و100 ألف يورو في تركيا أو الخارج. وفي بعض الأحيان يتم انتزاع أعضاء من أشخاص يخطَفون لهذه الغاية. كما يتم شراء أو خطف أطفال رضع من عائلات فقيرة لبيعهم إلى عائلات غنية أو لإجبارهم على التسول في المدن الكبرى مثل إسطنبول أو أنقرة. ويفيد التقرير أن أحد القطاعات الأكثر مردودية للمجرمين هو شراء أراض بأسعار بخسة وعادة من خلال التهديد لتحويلها إلى مواقف سيارات تبدو نادرة للغاية في المدن الكبرى.

ويبقى القول إن بعض النشرات التلفزيونية تعالج موضوع المافيا حيث لاقى مسلسل وادي الذئاب على قناة "د" المحلية رواجاً كبيراً في الشارع التركي الذي يقدم فيه رجال المافيا على أنهم من فعلة الخير المدافعين عن حقوق الضعفاء ومساندة الدول في التصدي للأخطار الخارجية التي تحدق بها..لكن المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية اختزال هؤلاء المافيا الذين باتوا يجرون في جسد الدولة كما تجري الدماء في العروق بما أنهم أداتها الكبرى لتصفية من يريدونه دون حسيب أو رقيب.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply