بسم الله الرحمن الرحيم
آلاف السجناء العرب منتشرون في كافة السجون، وأعمارهم متفاوتة، وقضاياهم أيضاً متفاوتة، ما بين جنح بسيطة وجنايات شائكة، وما بين قضايا أمنية وقضايا جنائية. وأحكامهم بالتبعية تختلف ما بين أشهر معدودات أو سنوات طوال أو لمؤبد.
بداية أؤكد أننا في الغالب في غفلة عنهم، ولا يشعرون بأي رباط معنا إطلاقاً، ولا يشعرون بأدنى اهتمام من طرفنا بهم، وما عاد يربطهم بالعالم الخارجي الذي يحيط بسجونهم إلا مهمة المحامي المدفوعة الأجر إلى حين صدور قرار الحكم ثم تنقطع، وكذلك زيارة الأهل النصف شهرية أو الأسبوعية التي تجري في الغالب بشق الأنفس. وما سوى ذلك فنحن في شبه قطيعة عنهم، فكل مؤسساتنا التي تعنى بشؤون السجناء صبت كل جهدها على السجناء الأمنيين فقط، والى الآن لم تبادر أي مؤسسة من مؤسساتنا وفق ما أعلم لمعالجة القضايا الإنسانية التي يعاني منها السجين الجنائي، رغم أن عددهم بالآلاف.
انهيار السجناء:
ما أعلمه كذلك أن جميع سلطاتنا المحلية العربية - إلاّ من رحم الله - لم تضع رعاية السجناء في جدول أعمالها ولعل لها عذر شح الميزانيات!! ولكن إلى الآن كما أعلم لم تبادر السلطة المحلية العربية على وجه العموم بمتابعة قضايا السجناء الذين هم من مواطني هذه السلطة المحلية العربية أو تلك، وكل ذلك يعني أن قضايا السجناء الإنسانية تتراكم يوماً بعد يوم ولكن لا متابعة لها من طرفنا، وهذا يعني أن الشعور لدى السجناء خاصة الجنائيين يقوى يوماً بعد يوم أن المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل الفلسطيني، في قطيعة عنهم، وعن هموم حياتهم الكثيرة والمختلفة.
ولأننا ما زلنا في هذه القطيعة التي أظنها خاطئة مع السجناء العرب وخاصة الجنائيين فقد أضعنا فرصة السعي الجاد والمخلص لإصلاح نفوس هؤلاء السجناء وترميم ما انكسر من وشائج أسرية وإنسانية قد تكون في بعض الحالات مع آبائهم وأمهاتهم أو مع زوجاتهم وأولادهم أو مع بعض أهل بلدهم. وهذا يعني أن البعض منهم يحمل هَمَّ كيفية الحياة خارج السجن أكثر مما يحمل هَمَّ كيفية الحياة في داخل السجن، وكلما اقترب موعد خروجه من السجن، زاد هَمّاً على هَمّº لدرجة أن بعضهم تدفعه الأحداث إلى أن يصل إلى قناعة مفادها أن بقاءه في السجن أفضل له من الحياة خارج السجن!! وسيبقى حالهم على ما هو عليه إلا إذا بادرنا نحن وعالجنا هذه القطيعة معهم، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
دورات تعليمية:
لقد جمعتني السجون في الرملة وأبو كبير والجلمة وأشمورت ببعضهم حيث كان يشكو لي حزيناً أن أهله لا يزورونه إطلاقاً!! والبعض كان يشكو لي حزيناً أن الأمور ما بينه وبين زوجته قد تدهورت ووصلت إلى مرحلة الطلاق.
وبعضهم كان يترك رسالة حزينة على أحد جدران الاعتقال يقول فيها: سامحك الله يا أخي. لماذا أوقعت الخلاف بيني وبين بقية أخوتي؟
وبعضهم كان يخالف أوامر إدارة السجن التي تمنع من الاقتراب منا ومحادثتنا، فكان يحكي لي وكأنه يصلى ناراً حامية عما آلت إليه علاقته مع الأسرة والأولاد وبقية الأهل، وبطبيعة الحال كنت أقدم لهم النصيحة، وأجتهد في مساعدتهم من خلال عرض قضاياهم على طواقم المحامين الذين كانوا يزوروننا، عَلّهم يملكون تقديم المساعدة لهم.
ولأننا مازلنا في هذه القطيعة التي أظنها خاطئة مع السجناء العرب وخاصة الجنائيين فقد أضعنا فرصة توعيتهم وإعداد قطاع متعلم منهم. فهناك إمكانية كي نبادر ونطالب بإقامة دورات تعليمية لهم في السجون، بحيث تشمل تعليم اللغة العربية والتاريخ الإسلامي العربي والأدب العربي وأصول التربية الأسرية وبعض المهارات والحرف والعلوم الأخرى. ولقد حاولت شخصياً عندما كنت في معتقل الجلمة حيث طلبت من إدارة المعتقل أن يسمحوا لي بتعليم السجناء اللغة العربية وآدابها والتاريخ الإسلامي العربي، ولكن تمّ رفض طلبي.
وقد كنت حزيناً، ومازلت، لأنني كنت أرى بأم عيني بعض أساتذة يهود من خارج السجن كانوا يقيمون بعض الدورات التعليمية لبعض المعتقلين في الجلمة، وكنت أشاهد المعتقلين وهم يدخلون إلى الغرفة التي كانت تقام بها تلك الدورات فرحين وكل منهم يحمل قلماً ودفتراً!
فلماذا لا نبادر نحن في المقابل بعقد الدورات المناسبة لمن رغب من السجناء العرب في كافة السجون؟
أعيادنا وأعيادهم:
ومن طريف ما اصطدمت به ونحن في سجن أشمورت أن أحد السجناء من جيراننا الذين كنا معهم في نفس القسم قد أرسل لي رسالة خطية يحكي فيها عن رحلة انتقاله من التيه إلى الاستقامة، وبعد أن قرأت رسالته جيداً نادينه وقلت له: إن رسالتك ليست كأي رسالة بل هي رسالة أدبية مؤثرة تبين أنك تملك موهبة أدبية نادرة، لذلك أنصحك بمتابعة الكتابة. ويبقى هذا مثالاً ضائعاً من بين مئات الأمثلة الضائعة في السجون لا لسبب إلا لأن القطيعة لا تزال قائمة بيننا وبينهم.
وبسبب هذه القطيعة، لا يزال السجناء العرب وخاصة الجنائيين منهم يعانون من هضم حقوقهم الدينية في السجون. ومن أجل الإحاطة بالصورة الكاملة لهذا الموضوع أقول متألماً إننا كنا نشعر بحلول الأعياد اليهودية من خلال نوعية الطعام الذي كان يتحسن فجأة لدى حلول هذه الأعيادº حيث كنا نحظى بوجبة سمك فاخرة أو بوجبة لحوم ودجاج مميزة أو بوجبة رز ومرقة وفطائر وفواكه. وبطبيعة الحال كنا ندرك فوراً أن كل هذه الأصناف الشهية حلت علينا بحلول أحد الأعياد اليهودية. ولكن في المقابل كان يحل علينا شهر رمضان المبارك أو عيد الفطر أو عيد الأضحى فيبقى الحال على ما هو عليهº دون اعتبار لمناسباتنا الدينية.
بالإضافة إلى ذلك فقد كنا نلاحظ ونحن في معتقل الجلمة أن المعتقلين اليهود كان يُسمح لهم في كل ليلة سبت بالتوجه إلى غرفة الكنيس التي كانت مجاورة لنا، حيث كانوا يؤدون طقوسهم الدينية جماعة وبصوت صاخب!! ولكن في المقابل إلى الآن لا يُتاح للسجناء العرب خاصة الجنائيين أداء صلاة العيد جماعة في جو احتفالي، ولا يُتاح لهم أداء صلاة الجمعة جماعة ولا أداء صلاة التراويح في رمضان الكريم جماعة!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد