عائد من غوانتنامو


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قصة باكستاني عائد من غوانتناموا

السلام عليكم ورحمة الله..

إليكم القصة مثل ما كتبها الكاتب..

 

إنها قصة الباكستاني الوحيد من بين عشرات المعتقلين في سجن قاعدة غوانتانامو الذي أفرج عنه أخيرا برفقة أفغانيين اثنين

نقلها مبعوث صحيفة "لوموند" الفرنسية (عدد يوم الجمعة) إلى باكستان و ننشرها باختصار منقولة مباشرة من المصدر

--------

 

عاد محمد صنغير إلى قريته، و ها هو يقدم شهادته بشأن مقتل معتقلي حركة طالبان داخل حاويات خلال معارك قندوز و بشأن فترة اعتقاله في قاعدة الولايات المتحدة في كوبا. إنه ينوي المطالبة بتعويضات من أمريكا. بيت محمد صنغير المتواضع في مقاطعة باتان شمال غربي باكستان لا يخلو من الزوار.

فقد أصبح المعتقل الباكستاني البطل الجديد في القرية الواقعة في منطقة غابية على حافة وادي "الإندوس"، منذ وصوله يوم الرابع من نوفمبر الجاري. فقد غاب عن زوجته و أولاده التسعة أكثر من سنة. و لا يزال محمد صنغير يحمل الحلقة البلاستيكية الخضراء التي ثبتت عليها "هويته الأمريكية" في المعتقل:

US 9PK 0001 43 DP مرفوقة بسنه -51 عاما- و وزنه و قامته و صورته. قبل اعتقاله كان محمد صنغير عضوا في جماعة "الدعوة و التبليغ" و شاء القدر أن يتواجد في أفغانستان قبل أشهر من بداية الحملة الأمريكية. اعتقل في خضم الأحداث التي شهدتها معركة قندوز إثر "استسلام" آلاف المقاتلين في حركة طالبان، و وضع رفقة 250 آخرين داخل حاوية ليتم نقلهم إلى سجن الجنرال دستم سيء الذكر في شبرغان. يؤكد محمد أن خمسين من مرافقيه لقوا حتفهم داخل الحاوية: "كانوا يصرخون و يطلبون الماء و هم يضربون برؤوسهم على هيكل الحاوية ثم ماتوا أمامي"، يقول محمد مخاطبا حوالي عشرين شخصا تحلقوا حوله مستمعين باهتمام بالغ لشهادته. قضى المعتقل الباكستاني 45 يوما في شبرغان حيث اقتيد أسرى عرب و أفغان و باكستانيون و بوسنيون، و لا أحد استجوبه إلى أن أخرجه أعضاء في مليشيا دستم في أحد الأيام برفقة 15 آخرين من الزنزانة ليسلموهم للأمريكيين الذين عصبوا أعينهم و نقلوهم على متن مروحيات إلى قندهار. عندها بدأت الأسئلة تتهاطل عليه من محققين أمريكيين داخل خيمة برفقة تسعة معتقلين آخرين: "من أين أتيت، لماذا جئت إلى أفغانستان، هل لك علاقة بالقاعدة، هل تعرف أعضاء في القاعدة، هل رأيت أسامة بن لادن و هل يمكنك التعرف عليه". بعد الاستجواب الوحيد استدعي من قبل طبيب عسكري أخذ بصماته من الأصابع و الأذن، و بعد 18 يوما جاءوا إليه وحلقوا رأسه و لحيته و شاربه رغم احتجاجه الشديد على حلق لحيته. وضع بعدها معصوب العينيين داخل خيمة برفقة أشخاص آخرين حيث ظل ينتظر لمدة ساعتين أو ثلاث. و قبل حلق لحيته يتذكر محمد صنغير أن جندية أمريكية قالت له بالأردية أنهم سيأخذونه إلى مكان "يجد فيه تسهيلات و راحة أكثر". بعدها نقل المعتقل برفقة عدد آخر من السجناء إلى المطار و من ثم إلى الطائرة حيث عصبت أعينهم و قيدوا و وضعت أقنعة على أفواههم و أغطية على آذانهم طيلة مدة السفر الذي دام 22 ساعة، لم يأكلوا خلالها سوى فواكه في مناسبتين و قطعة خبز و ماء.

 

الوصول إلى غوانتانامو "كان قاسيا" يقول محمد. فبينما هم لا يزالون موثوقي الأيدي إلى الوراء و معصوبي العينين انقض عليهم الجنود ضربا بعد "رميهم" خارج الطائرة، و يظهر المعتقل السابق آثار الضرب على خده. بقي محمد خلال ثلاثة أشهر و نصف داخل قفص معرضا للبرد و لأشعة الشمس دون الاستفادة و لو لدقيقة واحدة من فترة يقضي حوائجه بعيدا عن أنظار الحراس. تساؤلات يتساءل محمد: "لقد كنا كما الحيوانات. إذا كنا آدميين لماذا يضعونا إذن داخل أقفاص؟ " ثم يكمل الحديث: "في الأول لم يكونوا يسمحون لنا بأداء الصلوات و لا بالحديث بيننا لكن بعد يومين من الإضراب عن الطعام حضر ضابط سامي و سمح لنا بأن نصلي كما منحنا نصف ساعة للأكل. ثم أصبح بإمكاننا الخروج من الزنزانة للمشي مرتين في الأسبوع، و تغيير اللباس مرة كل أسبوع مع وجود طبيب طول الوقت. " و خلال العشرة أشهر التي قضاها في قاعدة غوانتانامو خضع محمد للاستجواب نحو عشرين مرة و يقول أنهم كانوا يصطفون لانتظار الدور قبل كل استجواب. أما الأسئلة فكلها عن القاعدة و أعضائها و الأسئلة تتكرر لكن بأساليب مختلفة. عرضت على محمد صور عديدة لأشخاص عرب و أفغان لم يتعرف على أي منهم، كما سئل عما إذا تعرف على أي معتقل معه على أنه عضو في منظمة ابن لادن. و يقول أنه تعرف فقط على مسؤولين سابقين في حركة طالبان "مرة واحدة خلال تنقل" من بينهم عبد السلام ضعيف سفير حكومة طالبان السابق في باكستان الذي سلمته الأخيرة للسلطات الأمريكية، و قال أنه "بدا نحيفا و متعبا جدا"، و خير الله قيوا حاكم حرات السابق الذي اعتقل في منطقة شامان على الحدود مع باكستان، و الملا فضل القائد السابق لقندوز و قائد آخر يدعى الملا عبد الرؤوف.

 ما العمل؟ محمد كغيره من المعتقلين دعا الله كثيرا في غوانتانامو و كان يقضي يومه في قراءة القرآن و كتب الحديث و الدردشة مع المعتقلين جوله.

 

و في أحد الأيام قدم "جنرال جديد" و قال له: "ستأتيك أخبار سارة الأسبوع القادم"، و كان خبر الإفراج. لكن ما يحز في نفس محمد صنغير أن لا أحد من المسؤولين الأمركيين في المعتقل اعتذر أو عبر عن أسفه له على السنة التي ضيعها و الإهانات التي تعرض لها، و قالوا له فقط "أنت بريء". و يطالب المعتقل السابق اليوم أمريكا بتعويضات، و قد سمع من أحد الجنود في غوانتانامو بأنه سيتقاضى 400 دولارا على كل شهر قضاه في المعتقل، لكنه يؤكد بأنه لم يتلق سوى 100 دولارا منحت له عندما وصل إلى إسلام آباد.

 

و يتساءل محمد، الذي كان يعيل قبل اعتقاله عائلته بقطع الخشب و تقليمه لاستخدامه في البناء بواسطة آلة خاصة طالها الصدأ الآن بسبب نقص الصيانة، "ما العمل"، فقد كانت عائلته تقرض المال طيلة سنة كاملة لتعيش، و عليه اليوم رد الدين لأصحابه. "و ماذا أستطيع القيام به ضد أمريكا؟ إنها قوة عظمى" يتساءل محمد متحسرا.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply