من يوقف نزيف الغفلة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

يعيشُ المسلمون في هذا الزمنِ، حالةً من الاستضعافِ والإذلال، ويُمارسُ هذا الاستضعافُ والاستذلالُ بكلِّ وقاحةٍ,، وبدونِ مواريةٍ, من حاميةِ الصليبِ، لإخضاعِ المسلمين لمُخططهم، الذين يريدونَ من ورائهِ إزهاقُ الروحُ الإسلاميةِ الحقَّة، والإتيانُ بروحٍ, إسلاميةٍ, على مواصفاتهم، وخاضعةً لمطالبهم.

التفت إلى المسلمين هُنا وهُناك، في الشرقِ والغربِ، في الشمالِ والجنوبِ، لتراهُم بين قتيلٍ, ومقهورٍ,، ومأسورٍ, ومستعبد.

أنَّى التفتَ إلى الإسلامِ في بلدٍ, تَجدهُ كالطيرِ مقصوصاً جناحاهُ

ففي كشميرٍ, دماءٌ وأشلاء، على أيدي الهندوسية الوثنية، وفي أفغانستانِ قتلٌ ودمار، على يد راعيةَ الصليبِ وأعوانها، وفي الشيشانِ بلادٌ خاويةٌ، وبيوتٍ, أشبهُ ببيوتِ الأشباحِ، قد هدها القصفُ، ودمرَّها العُدوان، وفي الفلبين يُمارسُ أنواعُ الاستذلالِ والقهرِ للشعوبِ المسلمةِ هُناك برعايةٍ, أمريكية، وفي تركستانِ الشرقية في بلادِ الصين، يصطلى المسلمون هَناك بنارِ الوثنيةِ الحاقدة، ويَواجهونَ أشدَّ أنواعِ القمعِ والقهرِ، والاستبداد وإلغاءِِ الحقوق.

وأخيراً: ما يشهدُهُ المسلمونَ في العراقِ، من قتلٍ, وظُلمٍ,، ونهبٍ, وسلبٍ,، ومصادرةٍ, للحقُوق، وسرقةٍ, للخيراتِ، بأيدي راعيةَ الصليبِ وحلفائِها، نعم يعيشُ المسلمون هذا ويرونَهُ بأمِّ أعينهم، ولا يجهلونَ شيئاً من ذلك، ولكنَّهم ورغمَ ما يَرونَ يَعيشونَ في غفلةٍ, تامةٍ, على كافةِ الأصعدةِ والميادينِ، وليت الأمرُ من الأعداءِ يتوقفُ عند هذا الحدِ، بل إنَّ الأمرَ يتجاوزُ ذلكَ بكثير، فما كانوا يُخفونهُ بالأمسِ، أصبحَ ظاهراً لا يَخفى اليومَ، وما كان حُلُماً في الماضي أصبحَ واقعاً ملموساً اليومَ، فإنَّ أطماعَ أمريكا في المنطقةِ باتَ واضحاً لكلِّ ذي عينٍ,، والذي حدثَ في العراقِ، أظهرَ الوجهُ الأمريكي على حقيقتهِ، وما تُمارسُهُ في العراقِ، أشبهُ بعصابةٍ, تريدُ نهبَ خيراتِ البلدِ، والاستئثارِ بثرواته، فقد فتحتِ المجالَ للشركاتِ الأمريكيةِ، لإعمارِ العراق دونَ غيرهَا، وهاهي تأخذُ علماءَ العراقِ لتفيدَ منهم، لتقويةِ ترسانَتها العسكرية، وأعظمُ من ذلكَ كلهِ، تريدُ مسخَ الهويةِ الإسلاميةِ للشعبِ العراقي، وأن تُوجدَ حكومةً علمانيةً لا تُفرقُ بين الأديانِ ولا العقائدَ، وتُدينُ بالولاءِ المطلقِ لأمريكا، ولحليفتها إسرائيل، والأدهى من ذلك أنَّها تفتحُ المجالَ على مصراعيهِ للحملات التنصيرية، وتمنعُ الحملاتِ الإسلاميةِ من مباشرةِ دعوتها، فقد فتحتِ القواتُ الأمريكيةَ الطريقَ لأكثرِ من ثمانمائةَ منصرٍ, في الدخولِ للعراقِ، لبثِّ دعوتهم النصرانيةٌ الكافرة، بل فتحتِ المجالَ لليهودِ، لتهويدِ الشعبِ العراقي، وبثَّ الصهيُونيةِ في أوساطِ العراقيين.

ولن ينتهي دَورها في حُدودِ العراقِ فحسب، بل إنَّ مطالبها سَتُطالُ دولَ الجوار، وستُمارسُ ضُغوطها على الدُولِ العربيةِ، ولقد أصبحَ سقُوطُ النظامَ البعثي ورقةً رابحةً، تُهددُ بها أمريكا كُلٌّ من يفكرُ عصيانها، أو الوقوفُ في وجهها، ولذا فلا نستبعدُ أبداً أن تتدخلَ أمريكا عسكرياً في حلِ النزاعِ الإسرائيلي الفلسطيني، فإنَّ الحُكُومةَ الجديدةَ التي رسمتها أمريكا، والتي جعلت من بُنودها ضربَ الجهادِ، ومصادرةَ الأسلحةِ من المجاهدين، فلا نستبعدُ أبداً وقد أملى اللهُ لها، وانتصرت على النظامِ البعثيِّ في العراقِ، أن تخوضَ الحربُ على هؤلاءِ المجاهدين، خاصةً وقد جعلت منظمي حماس والجهادِ من المنظماتِ الإرهابية، والذي سوَّغَ خَوضَ الحريةِ في أفغانستانِ والعراق، سيُسوغُها في فلسطينَ أيضاً، وما وصولها وسيطرتَها على العراقِ إلاَّ حلقةً ستتبعُها حلقاتٍ, من فرضِ سياساتها، وإملاءِ شُرُوطِها ومطالبها، والويلُ لمن يعص الأوامرَ، فإنَّ الصبرَ محتومٌ، والنهايةُ معلومةٌ.

نعم يعيشُ المسلمون هذا ويَرونَهُ بأمِّ أعينهم، ولا يجهلونَ شيئاً من ذلك، ويعلمون يقيناً أنَّ التغييرَ الذي طالَ على غيرِهم سيُطالُ عليهم، ويُطالُ على بلادهم بلا شكٍ,، ويسمعونَ التقاريرَ التي تُنشرُ من الإداراتِ التابعةِ لأمريكا بين الحينِ والآخر، بالضغطِ على الشعوبِ المسلمةِ، التي تُفَرِّخ الإرهابَ وتُشجعُه، وخاصةً هذا البلدُ المبارك، مأوى العلمِ ومأرَزُ الإيمانِ، ومصدرُ المجاهدين، وفي أمنِيَّاتهِ يعيشُ العلماءَ الصادقون، والدعاةُ المصلِحُون، والأبطالَ الغيورين، ولذا فستُفرِضُ أمريكا مطالبها على هذا البلدِ، والتي باحت بها ألسنتهم وتقاريرهم، فمِن مطالِبهم، نشرَ التسامحَ الديني، بإقامةِ الكنائسِ والمعابدِ للأديانِ الأُخرى، ومن مطالبهم إعادةُ النظرِ في المناهجِ التعليميةِ، وإعادةُ صياغتها، وتقليلُ حدَّةِ العداءِ من الكافرين، وإذابةُ عقيدةَ الولاءِ والبراءِ، وحذفُ ما يتعلقُ بالجهادِ والمجاهدين، ويبارِكُ هذا المخططِ، أفراخُ الاستعمار، من أهل العلمنةِ في كلِّ ميادينهم، ومنها اللقاءاتِ والحواراتِ، والمُهاتراتِ الصحفيةِ، فيقولُ قائِلُهم عليه من اللهِ ما يستحق، يجبُ علينا أن نُعيدَ النظرِ في تفسيرِ النصوصِ المقدسةِ، حتى لا تولدَ الإرهابُ.

ومن مطالبهم أيضاً، تغريبُ المرأةِ ونزعِ حجابها، وإقحامِها في ميادينِ الرجالِ سافرةً، غيرَ محتشمةً، ويُباركُ هذا أيضاً، أفراخُ الاستعمارِ مرةً أُخرى، ومن مطالِبهم الإجهازُ على المؤسساتِ الخيريةِ الدعويةِ، واعتبارِها منظماتٍ, إرهابيةٍ,، وتقليصِ نشاطها، ليبقى نشاطاً إغاثياً فحسب، إلى غيرِ ذلك من إزهاقِ الروحِ الإسلاميةِ لهذا البلدِ المُبارك، ونحنُ أيَّها الإخوةُ في الله، لا نستغربُ ذلكَ منهم، بل لا نتوقعُ منهم إلاَّ ذلك، كيفَ لا وقد أخبرَنا رَبُنا- تبارك وتعالى -عن ذلك، فقالَ: ((وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّى يَرُدٌّوكُم عَن دِينِكُم إِنِ استَطَاعُوا)) (البقرة: من الآية217) وأنبأنا - سبحانه - عن مساعِيهم في كلِ زمانٍ, ومكان، فقالَ: ((وَدٌّوا لَو تَكفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)) (النساء: من الآية89) ونعلمُ يقيناً أنَّ هذا الكلامُ الذي يخرجُ من أفواههم ما هو إلا بعضُ ما في قلوبهم، وصدقَ اللهُ إذ يقولُ: ((قَد بَدَتِ البَغضَاءُ مِن أَفوَاهِهِم وَمَا تُخفِي صُدُورُهُم أَكبَرُ قَد بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِن كُنتُم تَعقِلُونَ)) (آل عمران: من الآية118).

نعم لا نستغربُ ذلك ولكن تُصيبُنا الدهشةَ؟، وتعقِدُ ألسنتَنَا الحسرةُ، ما نراهُ من المسلمين إلاَّ من رحمَ اللهُ مِن بُرودةِ أعصابٍ,، وموتٍ, للقلبِ، وغفلةٍ, تامةٍ, في كافةِ الميادينِ والأصعدةِ، وهُم يرونَ هذا الكيدَ يحيقُ بهم من كل جانب، يرونَ دينهم تَطالُهُ أيدي المجرمين والكافرين، ويرونَ أعراضهم تُنتهكُ هُنا وهُناك، وهم يعيشُون لأنفسهم، والمهتَّمُ منهم من يُتابعُ الأخبارَ كلَّ صباحٍ, ومساء، ثمَّ هو بعدَ ذلك غارقٌ في لهوهِ وضياعه.

أينَ شبابَ الأمةِ الذين ذابوا تقليداً للشرقِ والغربِ؟

أينَ شبابَ الأمةِ الذين ضاعوا في عالمِ المخدراتِ والمسكرات؟

أينَ شبابَ الأمةِ الذين لا همَّ لأحدهم إلاَّ الصورةَ الفاتنةَ والأغنيةَ الماجنةَ؟

أينَ شبابَ الأمةِ الذين مُزِقَت طُموحاتهم وتطلُعاتِهم على مُدرَّجاتِ الملاعبِ وساحةِ الاستعراض؟

أينَ شبابَ الأمةِ الذين نُحرت بُطُولاتِهم وغيرتَهُم على هذا الدين؟ على أعتابِ شاشاتِ القنواتِ الفضائيةِ والمحطاتِ الإباحيةِ.

أينَ شبابَ الأمةِ الذين كانوا في السابقِ يحمون البلادَ، يذودونَ عن الدين ويرخصون دماءَهم ليبقى الدين كله لله؟

إلى هذا الحدِّ صاروا، وإلى هذا المستوى من موتِ القلب والغفلةِ وصلوا، لا ننسى أبداً، ولن ينسى المسلمون، ولن ينسى التاريخُ، ولن يغفرها الزمن، تلك الجماهيرُ المشجعةِ، والذين زادَ عددُهم على خمسين ألفَ مشجعٍ,، وفي المقاهي ما يُضاهي ذلك، وتتعالى صيحاتُ المشجعين، وتصفيقُ المشاهدينَ على مباراتهم، بينما يعلقُ في غضونِ ذلك سقوطُ بغدادَ في أيدي القواتِ الأمريكيةِ الظالمة، ناهيك عن العروضِ التي قامَ بها الشبابُ بعد ذلك، من رقصاتٍ, في قارعةِ الطرق، ورفعٌ لأعلامِ النوادي، بينما بغدادَ ترزحُ تحت ضيرِ الاستعمار الأمريكي.

يا لها من مأساةٍ,!! ولمأساتنا في حالِنا، وما آلَ إليه شبابُنا وأبناءُ أمتنا، أشدَّ في نفُوسِنا من سُقوطِ بغداد، لأنَّه لو بقيت الغيرةُ والتضحيةُ في شبابنا، لقُلنا إن سقطت بغدادُ فيُوشَكُ أن تعُودَ، ولكن إذا سقط الشبابُ فمن سيُعيدُهم؟

ولئِن كان أهلُ التاريخِ عابوا على علماءِ أهلَ الأندلسِ يومَ أن هاجمها الصليبيون، أنَّهم مشتغُلون بمسائلٍ, فرعيةٍ, فقهيةٍ, نادرة، عن دفعِ العدوِ الجاثمِ على أرضهم، فكيفَ ستكونُ شهادةُ التاريخِ على هذه المأساةِ، في سقوطِ بغدادِ مع انشغالِ المسلمين.

من ينصُرُ هذا الدين إذا تخلى عنه أتباعُه؟ عارٌ واللهِ يا أمةَ الإسلامِ أن تعيشَ اليهودُ وهُم أهلُ دينٍ, مُحرفٍ, باطل، هَمُهُم الحربُ والقتالُ، والدفاعُ عن مطالبهم وعقائِدهم، ويحبذون الشباب لذلك، ويعيشُ أحدُهُم ولا هَمَّ لهُ إلاَّ تقويةُ إسرائيلَ، وتحقيقِ أحلامها، ويبقى أهلُ الإسلامِ، أهلُ الحقِّ، أهلُ الدِّينِ الخالدِ الحق، مشغولين بتوافهِ الأُمورِ، عارٌ واللهِ أن يعيشَ النصارى همَّ الحربِ، ويقُودُونَ الحربِ على المسلمين، وينادي طاغيةُ العصرِ بأنَّ الحربَ صليبيةٌ، ويلبسُ لباسَ الرهبانِ، حاثاً النصارى على إقامةِ الصلواتِ والدعوات، لكي ينتصروا في حربهم، وأن يبقى المسلمونَ أهلٌّ الحقِّ، يلهثونَ وراءَ الأُغنيةِ والمجلةِ، والمعاكساتِ والمباريات، دونَ إعدادِ العُدةِ لصدِّ العدوِ، والذودُ عن حياضِ المسلمين.

أيَّها الإخوةُ: دَعُونا ننقُدُ أنفُسنا، دعُونا من الحُكوماتِ والسياساتِ، ماذا فعلت؟ لا بل نحنُ ماذا فعلنا قبلَ ذلك؟ ما هُو مدى استعدادُنا لهذهِ الهجمةِ التي ستُطالُ كلَّ بلدٍ, مسلم، وخاصةً هذا البلدُ المُبارك؟ ما حجمُ الحدثِ وما حجمُ تفاعُلِنا معه؟ دعُونا من إلقاءِ اللائمةِ على فلانٍ, وفلان، أو على جهةٍ, هُنا وهُناك، كلٌّ إنسانٍ, مسئولٌ عن نفسهِ ماذا فعلَ، ليُقاومُ هذا التيارُ النصرانيٌّ الجارف؟ إننا بكلِ صراحةٍ, أيَّها الإخوةُ، نعيشُ في غفلةٍ, تامةٍ,، ونتعامى عن الواقعِ، ونتشاغلُ عنه بتوافهِ الأُمورِ.

يـا ويحَـنا مـاذا أصـابَ رِجَالُنا *** أو مـا لنا سَـعدٌ ولا مِقدادُ

نامـت ليـالي الغـافـلين وليـلُنا *** أرقٌ يُذيبُ قُلـوبَنا وسُهـادُ

سُلت سُيوفُ المـعتدينَ وعَـربَدت *** وسُيُوفُنا ضـاقت با الأغمادُ

أهُو القُنـوطُ يَهـدٌّ ركـنَ عزيمتي *** وبهِ ظُـلمَ مخـاوفي تزدَادُ

يا ليلُ أمَّتِنَـا الطويـلُ متـى نرى *** فـجراً تُفـرَّدُ فوقَهُ الأمجادُ

أجـدَادُنا كـتبـوا مآثـرَ عِزِّهـا *** فمحا مـآثِرُ عِزِّها الأحـفادُ

ترعى حِماهـا كـلَّ سـائبةٍ, وفي *** تمزِيـقِها يتجمـعُ الأضدَادُ

تُـصغي لأُغـنيةِ الهـوى فنهارُهَا *** نومٌ ثـقيـلٌ والمسـاءُ سُادُ

دَعنَـا نُسـافـِرُ في دُرُوبِ إبَائَنـا *** ولنا من الهِمَمِ العظيمـةِ زادُ

ميـعادنا النـصر المبـين فإن يكن *** موتٌ فـعنـد الهنا الميعـاد

دعـنا نمـت حتـى ننـال شـهادة *** فالموت في درب الهدى ميلاد

نعم إنه مخطط ماكر من الأعداء يواكبه غفلة من المسلمين، أما كيف نتصدى لهذا المخطط وكيف ننثر من رؤوسنا غبار الغفلة، ونزيل من على أجسامنا دثار الخضوع والذل..فهذا له موضوع قادم بإذن الله في المقالة القادمة بإذن الله.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply