مسلمو نيبال: أقلّية في دوائر النسيان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

عيش الأقلية المسلمة في نيبال هذه الأيام حالة من الترقب والحذر، ولم يحلّ الهدوء في العلاقات بينها وبين الأغلبية الهندوسية، وذلك منذ أحداث سبتمبر الماضي التي جرت في العراق، والمتعلقة بخطف عدد من النيباليين العاملين في العراق، وذبحهم بتهمة العمل لمصلحة قوات الاحتلال، والتي ترتب عليها أعمال عنف كثيرة، ووقوع العديد من الاعتداءات على المسلمين النيباليين ومصالحهم، ومساجدهم ومدارسهم وبيوتهم، وذلك تحت مرأى ومسمع الشرطة النيبالية التي اكتفت بالفرجة، ولم تتدخل لوقف هذه الاعتداءات.

ولقد جرت محاولات متعددة لفرض السيطرة غير المباشرة، وتضييق الخناق على المسلمين الذين يمثلون 3.5% من عدد السكان من قبل دول أخرى أبرزها الولايات المتحدة والهند، وعبّرت عن تلك المحاولات اتفاقية عُقدت قبل عامين بين وزير الداخلية النيبالي ونظيره الهندي بمقتضاها بدأت الحكومة في كاتمندو بتسجيل المدارس الدينية الإسلامية والمساجد، ووضع لوائح خاصة بعملها، كذلك زيارة كولن باول وزير الخارجية الأمريكي للبلاد في نفس التوقيت تقريباً، والتي كانت الأولى من نوعها لمسؤول أمريكي على مدى ثلاثة عقود، والتي طالب فيها بتضييق الخناق على من أسماهم الإرهابيين الإسلاميين في إطار الحرب الأمريكية المزعومة ضد الإرهاب.

 

ملاذ للمسلمين الفارين:

والمعروف أن نيبال تُعدّ ملاذا آمناً للمسلمين الفارين من اضطهاد الهندوس أو الديانات الأخرى في جارتيها الهند والصين، إلا أن تلك القاعدة لم تخل من استثناءات، حيث سجلت تقارير حقوقية حالات تعاون في تسليم ناشطين إسلاميين بين الحكومة النيبالية والصين، وهو ما أشار إليه تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في 4 يوليو الماضي جاء فيه أن الإيجور يقررون الهروب إلى الدول المجاورة مثل نيبال، لكن حتى عندئذ لا يكونون في أمانº لأن الحكومة الصينية تعمل على إعادة طالبي اللجوء قسراً، وعقب عودتهم إلى الصين يواجهون انتهاكات خطيرة لحقوقهم الإنسانية، بما فيها التعذيب، والمحاكمات الجائرة، وحتى الإعدام.

إضافة لذلك تلفت الهند الأنظار إلى المسلمين في نيبال من وقت لآخر، وتثير الشبهة حولهم، حيث اتهمت نيودلهي مؤخراً الاستخبارات الباكستانية بدس عناصر إسلامية متشددة في أوساط المسلمين في نيبال، رغبة منها في توتير العلاقة بين الأقلية المسلمة والحكومة النيبالية.

 

أحوال الأقلية المسلمة:

وتاريخ الإسلام في نيبال يعود إلى القرن الخامس الهجري حسب الدراسات التاريخيةº إذ وصل الإسلام إليها عن طريق التجار العرب وغيرهم من المسلمين، والمسلمون هناك يتكلمون اللغة الأوردية، ونسبتهم 3.5 % من عدد السكان البالغ (27) مليون نسمة، في حين يمثل الهندوس أغلبية السكان ونسبتهم 90% ، والبوذيون 5%، وغالبية المسلمين هناك يعيشون في الجبال قرب حدود الهند، وحالتهم الاقتصادية متدنية، فهم بعيدون عن الأعمال التجارية والصناعية، ومعظمهم عُمّال، أو أصحاب قطع أراضي زراعية صغيرة يعيشون عليها، وبعضهم موظفون صغار.

ويعاني مسلمو نيبال من الجهل والتخلف الذي أفقدهم حقوقهم كمواطنين، وثقافتهم الإسلامية محدودة رغم حرصهم على الدين، ولا يوجد من يرشدهم ويعلمهم أمور دينهم من الدعاة والوعاظ والأئمة المتمكنين، فمنهم من لا يعرف عن الإسلام إلا اسمه الذي شوّهته البدع والخرافات.

 

إغراءات المنصرين:

وعلى حد قول الشيخ محمد بن ناصر العبودي الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي فإن المسلمين في نيبال عاجزون عن مقاومة التخلف الذي يحيط بهم في النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وغير قادرين على مواجهة المغريات التي يصطاد بها المنصرون وغيرهم أبناء المسلمين من خلال الوسائل الكثيرة التي يمتلكونهاº من خلال فتح المدارس والمكتبات والمستوصفات، وصرف المعونات المالية، وابتعاث الأشخاص الذين يختارونهم إلى أوروبا وأمريكا ليتشبعوا بأفكارهم، وحتى اليهود والصينيين والهنود لهم مدارس ومكتبات ومستوصفات ومزارع لأغراض السياسة والتأثير.

ويوجد في العاصمة النيبالية كاتامندو أربعة مساجد، كما يوجد في نيبال بعض المدارس الإسلامية، منها مدرسة أُنشئت عام 1386هـ في مدينة (جنكبور دهام) لنشر الدعوة، ولتكون مركزاً لإعداد الدعاة، حيث إن التعليم الإسلامي واللغة العربية ممنوعة في المدارس الحكومية، إلا أن بعض المدارس الدينية الخاصة قائمة ويديرها أفراد في بعض أنحاء نيبال، ولا يستطيع المسلمون ممارسة حقوقهم وأحوالهم الشخصية حسب الشريعة الإسلامية لعدم وجود قانون للأحوال الشخصية للمسلمين.

ورغم أن المسلمين في نيبال يحصلون على مساعدات من بعض الدول الإسلامية مثل السعودية ومصر من خلال تدريس عدد من أبنائهم في جامعات البلدين، فانّ هناك مشكلات تعانيها الأقلية الإسلامية هناك شأنها شأن الأقليات الإسلامية في دول أخرى في آسيا مثل الفليبين وتايلاند، وأهمها تدهور حالة المدارس الدينية التي يصفها بعضهم بأنها إما مسقوفة بألياف نارجيل، أو غير مسقوفة، هذا بالإضافة إلى عدم وجود سبورة ولا مدرس، وفي الوقت نفسه لا يجد الكثير من المسلمين مفراً من إلحاق أبنائهم بالمدارس الحكومية التي تعلّم في المقام الأول القيم الهندوسية والبوذية، إضافة إلى أن بعض المدارس الإسلامية لم يتم معادلة شهادتها في الجامعات الإسلامية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply