بعد الجريمة المروعة التي أُنهيت بها حياة المجاهد الرمز الشيخ أحمد ياسين، وما أعقبها من اغتيال خلفه في القيادة الدكتــور المجاهـد عبد العزيز الرنتيسي. وبعد أقل من شهر، وبالأسلوب الهمجي الخسيس نفسه، وبعد أن كشرت أمريكا عن أنيابها، وأظهرت المزيد من شرها عندما انبعث أشقاها (بوش) بإصدار وعد جديد لليهود، لا يقل سوءًا عن وعد (بلفور)، يلغي فيه حق اللاجئين في العودة، ويقر الإسرائيليين على ما اغتصبوه في مستوطنات الضفة الغربية بعد هذا وذاك، بدا واضحاً أن الطاغيتين شارون وبوش، ماضيان معاً في «تصفية» القضية الفلسطينية منهجياً ومعنوياً عن طريق تصفية رموزها دموياً وقهر شعبها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، وذلك بعد أن تمهدت الطرق إلى ذلك عبر سلسلة طويلة من التواطؤ الغربي والتباطؤ الإسلامي والعربي في إنصاف الفلسطينيين والوقوف معهم في معركتهم التي كانت في يوم من الأيام (معركة المصير) للأمة كلها.
واليوم وقد أُلجئ الفلسطينيون ـ وبخاصة المجاهدين منهم ـ إلى الوقوف منفردين في وجه عدو متغول متجبر، مدعوم من أعداء آخرين أكثر تغولاً وتجبراًº أصبح لزاماً على الأمة كلها أن تعي أنها تمر بمرحلة اختبار حاسم، بين أن تكون محل رضى الله، أو تكون موضع سخطه... أن تكون أهلاً لنصره وتأييدهº أو تكون مستحقة لحرمانه وخذلانهº فالأمة تكون على خطر، إذا كانت لا تقيم العدل الذي أمر الله به والذي قامت عليه السماوات والأرض. فليس من العدل في شريعة الله أن تُترك مجابهة عدو الأمة كلها لفئة واحدة في شعب واحد مجاهد صامد. وليس من العدل أن يسخو هؤلاء الشرفاء بالأرواح والدماء، ولا تسمح نفوس الملايين من الأثرياء والأقوياء بيسير بذل أو عطاء... ليس عدلاً أن تتكدس أرتال السلاح في مخازن الجيوش العربية بأموال المسلمين دون وظيفة تذكر إلا (العروض العسكرية) أو (المناوشات الحدودية) في حين لا يزال الأبطال المواجهون لأعتى آلة عسكرية، يقاتلون بالأحجار والعبوات المحدودة الأثر، أو الصواريخ البدائية، المنتجة في ورش الحدادة المدنية.
كثيراً ما نتغنى بشهامة الأبطال من الرجال والنساء والأطفال في فلسطين، دون أن يسأل أكثرنا نفسه: هل هذا واجبهم وحدهم دوننا؟! أم عليهم التضحية وعلينا انتظار التسوية؟!، هل واجبهم الصبر والمصابرة، والجهاد والمجاهدة، وواجبنا (الفُرجة) والاستماع والاسترجاع والحوقلة؟!
ما أنصفناهم، لا بل لم ننصف أنفسنا حين تركناهم للذئاب والكلاب التي ستبدأ بهم، ثم تنتهي بمن حولهمº فمواجهة الهجمة الشرسة من الصهيونيتين العالميتين واليهودية النصرانية لا يكفي فيها أن يقال: (البركة في حماس)!! فحماس ـ زادها الله بركة وقوة وحماساً، هي وأخواتها من فصائل المجاهدين ـ ليست مسؤولة وحدها أمام الله عن حماية ثلاثة ملايين مسلم فلسطيني في الداخل وإعادة أربعة ملايين منهم في الخارج، وتلك الفصائل ليست المسؤولة وحدها عن إعادة المسجد الأقصى أو حتى إنقاذه من الهدم أو الضم إلى معابد اليهود، وهي ليست وحدها المسؤولة عن مواجهة آثار الجدار، وتبعات ذلك من الحصار، وهي وحدها لا تستطيع مواجهة (مجاعة) يحضِّر لها شارون وبوش في ظل ضرب العمل الخيري الإسلامي في جميع العالم، وهي وحدها ليست مطالبة ـ شرعاً ولا عرفاً ولا عقلاً ـ بأن تدفع ضريبة إهمال المسلمين في تهيئة الجيوش لمواجهة ذلك العدو مواجهة حاسمة على مدى نصف قرن أو يزيد، حتى استفحل أمره، وتضاعف خطره على العالم الإسلامي كله، من إندونيسيا إلى موريتانيا، ومن البوسنة إلى الصومال. وحماس أو الجهاد الإسلامي أو كتائب الأقصىº ليست المسؤولة وحدها عن إيقاف مخطط ترحيل بقية الشعب الفلسطيني إلى حيث (الوطن البديل) الذي يبشر به شارون بإلحاح منذ كان وزيراًِ للدفاع، وحماس وأخواتها، لا تطالب وحدها بأن تحارب على أرضها وفي خارج أرضها عدوين متعاونين ومستعلنين بالعداء المتمثل في الصهيونيتين الأمريكية والإسرائيلية. لن يرفع جهاد تلك المنظمات الإثم عن عموم المسلمين القادرين، الذين أصبح الجهاد عليهم فرضاً عينياً منذ أن احتل اليهود فلسطين عام 1948م، بل قبل ذلك بثلاثين سنة عندما احتلها الإنجليز عام 1918م، فقد تعين عليهم هذا الواجب من وقت أن عجز الفلسطينيون وحدهم عن دفع هؤلاء الغزاة الرعاع القادمين من جميع الأصقاع، ثم إن الشعب الفلسطيني كله لو تحول بأكمله إلى مجاهدينº فليس مسؤولاً وحده عن استنقاذ بقية أوطان المسلمين المستهدفة ضمن إطار مخطط الشر المستطير، المسمى بمشروع (الشرق الأوسط الكبير)، ذلك المشروع المجزوم بأنه لم يطبخ إلا في أروقة الصهيونية العالمية، يهودية ونصرانية، ليكون تطويراً وتوسيعاً، وربما (تمويهاً) على المشروع الأقدم وهو مشروع (إسرائيل الكبرى) الذي تسمى برهة من الزمن بمشروع (الشرق الأوسطية).
ليس الفلسطينيون وحدهم ـ حماساً كانوا أو جهاداً إسلامياً أو كتائب للأقصى.. ليسوا المسؤولين وحدهم عن كف الإسرائيليين وإشغالهم عن بلع وهضم العراق وما بعد العراقº حيث يحضِّر اليهود لتغلغل وسيطرة تنتقل من محطة إلى أخرى من النيل إلى الفرات، بل إلى ما بعد الفرات.
ظلم كبير، وجناية فادحة، أن نظن أن الله - تعالى - قد قصر واجبات الرجولة على بعض رجال الأمة، أو اختصر كل إمكانياتها لمقاومة أنكى أعدائها، في شريحة واحدة من شعوبها، ويتضاعف ظلمنا لهم عندما نطالبهم بكل ما سبق، مع علمنا بأنهم يواجهون الآن ظرفاً تاريخياً حرجاً، بل غاية في الحرج، بعد أن أعلنت إدارة الإجرام الشاروني على لسان مسؤول أمني فيها في 25/3/2004م، بأن الحكومة الإسرائيلية أعلنت قائمة بـ (70) من قادة حماس السياسيين والعسكريين، تريد أن تنفذ فيهم عمليات اغتيال كتلك التي نفذتها في الشيخ أحمد ياسين (تقبله الله في الصديقين) وتلك الأخرى التي نفذت سريعاً في الدكتور الفقيد، الشهيد ـ بإذن الله ـ عبد العزيز الرنتيسي وكذلك بعد أن أعلن منسق الجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية، اللواء (عاموش جلعاد) أمام التلفزيون الإسرائيلي، أن اغتيال الشيخ أحمد ياسين، بداية لعملية ستتواصل على مدى الأشهر السبعة المقبلة، لتصفية قيادات حماس السياسية والعسكرية.
لقد نقلت الإذاعة الإسرائيلية، بُعيد اغتيال الشيخ ياسين، عن مصادر أمنية قولها إن المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر، قرر اغتيال (جميع) قادة حماس!! أما عن السبب الأبعد لهذه الخطط الإجرامية المعلنة فيكشف عنه (موشيه يعلون) رئيس الأركان الإسرائيلي، بقوله: «إن عمليات الاغتيال ستؤدي على المدى البعيد إلى ظهور شخصيات (معتدلة) تكون على استعداد لتحمل المسؤولية ووقف سيطرة حماس وغيرها في النهاية»! وعلى هذا فقد تكون تصفية حماس هي البداية، ثم تتتابع الكرَّة، كما هو ديدن المجرمين دائماً في تعقب المؤمنين الصادقين.
والقوائم التي أُعلن عن إعدادها في الفترة الأخيرة، لم تكن هي الأولى، فقد أنشأ اليهود منذ وقت مبكر، وقبل إنشاء دولتهم جهازاًِ خاصاً لعمليات الاغتيال، وأطلقوا عليه اسم (ليتحي) أي: مقاتلو الحرية، وأول ما أنجزه هذا الجهاز، هو قتل الوسيط الدولي (فولكا برنادوت) الذي اقترح تحديد الهجرة اليهودية، وعدم ترك القدس كلها لليهود. وظل هذا الجهاز يعمل بعد إعلان الدولة، وقد تولى رئاسته في بداية عقد السبعينيات، الإرهابي اليهودي (إسحاق شامير) الذي أصبح فيما بعد رئيساً للوزراء.
وقد نفذت على مدى الخمسين عاماً الماضية عشرات العمليات التي اغتيل فيها رموز وقادة ومقاومون نشطون من الفلسطينين، ولكن الملاحظ أن الردود الفلسطينية عليها على قلتها كانت لا تطال رؤوساً برؤوس، ولاقادة بقادة، وإذا سارت الأمور كما سارت عليه في العقود الماضية من عدم ردع المعتدي بردٍ, مكافئ، فالمتوقع أن تسود موجة من الاغتيالات اليهودية في الفترة المقبلة، وربما بصورة أكثر مما مضىº لأن الظروف الدولية الآن في ظل الحرب الأمريكية على الإسلام، تتيح الفرصة كاملة لأحفاد اليهود بأن ينطلقوا، بزعم أنهم يقومون بواجبهم في تلك الحرب وعلى طريقتهم، وهم على كل حال يخدمون كل مرحلة بما يناسبهاº فمنذ عقد السبعينيات الذي انتعش فيه العمل الفدائي الفلسطيني، سادت موجة من الاغتيالات أشرف عليها كبار المسؤولين الإسرائيليين، استهدفت القيادات الفدائية الفلسطينية في أنحاء العالم، وقد حدثت في تلك الفترة عشرات التفجيرات والاغتيالات التي أعلن الموساد الإسرائيلي مسؤوليته عن بعضها، وترك الأخرى طي الكتمان، وقد اعترف قائد تلك العمليات وقتها (اللواء أهارون ياريف) الذي نفذ عشرات العمليات التي لم يعلن عنها، في حديث للإذاعة البريطانية عام 1993م أنه كان يتلقى الأوامر مباشرة من رئيسة الوزراء الإسرائيلية ـ (جولدا مائير)، حيث أصدرت ـ شارونة وقتها ـ الأوامر بملاحقة قادة فصائل المقاومة الفلسطينية في كل مكان وبأي وسيلة.
ولا أجد أجبن من الصهيونيين اليهود في ذلك، إلا إخوانهم من الصهيونيين النصارى، الذين لا يكتفون بمد يد العار في التزويد بأسلحة الدمار، بل إنهم يجاهرون علناً بمشايعة اليهود في كل ما يدبرون وينفذون من عمليات اغتيال جبان، فقد سئل (ديك تشيني) نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش عقب اغتيال الشيخ ياسين عن رأيه في أسلوب الاغتيالات الإسرائيلية، فقال: «ما يفعله الإسرائيليون على مدار السنين، هو في بعض الأحيان، محاولة لإجهاض أنشطة إرهابية وتعقب للإرهابيين، وفي بعض الحالات أظن أن ما يفعلونه مسوغ... أعتقد أن ثمة مسوغات لمحاولة الإسرائيليين حماية أنفسهم بهذه الحرب الوقائية»!!. وبعد اغتيال الدكتور الرنتيسيº كرر الأمريكيون المنطق الأثيم نفسه على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض (سكوت مكليلان) الذي قال: «إن منظمة حماس إرهابية ومن حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها».
* ذراع الحق الطويلة، متى تثأر؟!
عندما وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - الجهاد بأنه ذورة سنام الإسلام(1)، فإن ذلك لم يكن إلا لأن تسنم المسلمين لقمة العزة لا يكون إلا بإقامته، وترديهم في مهاوي الذلة لا يكون إلا بتركه والتنكر له، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم بأذناب البقر، ورضيتـم بالزرع، وتركتـــم الجهــاد سـلط اللــه عليكم ذلاً، لا ينزعه حتـى ترجعوا إلى دينكم»(2).
فالذل لا ينزل إلا بترك الأمة للجهاد وخذلانها المجاهدين، وهذا أمر لا يرضاه الله لخير أمة أخرجت للناس، بل ما يرضاه لهم هو رفض الضيم ورد العدوان انتصـاراً للمستضعفين مـن المؤمنين. قال - سبحانه -: {وَالَّذِينَ إذَا أَصَابَهُمُ البَغيُ هُم يَنتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ, سَيِّئَةٌ مِّثلُهَا} [الشورى: 39 - 40]، فالمسلم ينتصر للحق، وينتصر لحملة هذا الحق، وإذا عفا.. فإنما يعفو عمن ينفع فيهم العفو، وإذا صفا أو صفح، فلا يصفو أو يصفح إلا عمن يجدي فيهم الصفو والصفح.
أما اليهود وأمثالهم، فعدوانهم الدائم، يستلزم جهاداً دائماً، يرد على اعتدائهم باعتداء من جنسه ومن أصل طبيعته، {فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم} [البقرة: 194]، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ, سَيِّئَةٌ مِّثلُهَا} [الشورى: 40]، {فَإنِ انتَهَوا فَلا عُدوَانَ إلاَّ عَلَى الظَّالِـمِينَ} [البقرة: 193]، ونلاحظ هنا أن الآية تستعمل لفظ (العدوان) و (الاعتداء) و (فعل السيئة) وفعل كل ذلك ضد الظالمين المعتدين شريعة ودين، وبخاصة إذا كانوا من جنس تلك الأمة الملعونة على ألسنة الرسل بسبب عدوانهم {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إسرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعتَدُونَ} [المائدة: 78].
وقد عامل النبي - صلى الله عليه وسلم - هؤلاء المعتدين بما يستحقون. فخاض - صلى الله عليه وسلم - سلسلة جهادية ضد (القادة) و (الرموز) و (الزعماء) ضمن حربه المعلنة على الخائنين منهم، فأرسى بذلك شرعة عنوانها: أن من لم يُكف شره إلا بالقتل قُتل، وكان أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل عدد من زعماء اليهود تأميناً لكيان المسلمين ودولتهم التي كان من المستحيل أن تظل قائمة مع بقائهم، أو تستمر قوية مع قوتهم، وقد اعتبر إقدامهم على إيذاء المسلمين بقول أو فعل، نقضاً لعهودهم، وإبراء لذمة المسلمين في تعقبهم والترصد لهم.
وقد بدأ الفصل الأول من استهداف اليهود بالجهاد في الربع الأول من العهد المدني، وظلت عمليات ملاحقتهم مستمرة، إلى أن أجلاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المدينة، وكان هذا خضداً لشوكتهم وفلاًّ لحدهم، وتم بعد ذلك إجلاؤهم عن القرى الأخرى في الربعين الثاني والثالث منه، فبعد انكسارهم، بُدئ بتعقب أكابر المجرمين من رؤوسهم ورموزهم، فتم قتل (أبي عفك) الذي كان يحرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشعره وهجائه، وتم إجلاء (بني قينقاع) بعد أن استهانوا بحرمة الإسلام وحماه، فهتكوا حرمة امرأة مسلمة وكشفوا سوأتها، وكذلك تم اغتيال (كعب بن الأشرف) الذي تخصص في مهنة اليهود الأولى في الإفساد وهي التحريض على الحروب، إضافة إلى تعمده إهانة أعراض المسلمين والتشبيب بنسائهم، وتم إجلاء (بني النضير) بعد أن تآمروا على اغتيال النبي - صلى الله عليه وسلم - لإلقاء حجر كبير عليه من أعلى بيت كان يجلس أسفله، وذلك حين أراد أن يستعين بهم على دية بعض القتلى عملاً بواجب حلف كان قائماً معهم، وتم القضاء على (بني قريظة) بعد أن ظاهروا الغزاة الزاحفين على المدينة جهرة لقتل المسلمين، وبالتنكيل ببني قريظة، تم القضاء على يهود المدينة الذين كانوا هم الأقوى والأغنى والأبعد نكاية وأذى وكيداً للمسلمين، ولم يبق في المدينة إلا أفراد قلائل كانوا مسالمين، ولعلهم كانوا عرباً متهودين، فتركت لهم حرية الإقامة والدين.
ثم التفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليهود الآخرين خارج المدينة، الذين كانت لهم أدوار في الأذى والفتنة، فتم قتل (أبي رافع بن أبي الحقيق النضري) في خيبر بعد أن حزَّب الأحزاب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم تم قتل (أسير بن رازم) وجماعة معه، بعد أن اتخذه يهود خيبر أميراً لهم بعد أبي رافع، فاستأنف مهمة تحزيب الأحزاب لحرب المسلمين، ثم أخيراً تم فتح خيبر والقرى اليهودية الأخرى بعد صلح الحديبية بنحو شهرين، وفتحت حصونهم التي كانت أوكاراً للتآمر وجحوراً للأفاعي(3).
إننا نتأمل هذه الأحداث من السيرة، فنجد غصة في الحلق، وحرقة في القلب، أن تنقلب الموازين وتنعكس الأحوال، فنرى اليهود اليوم يطبقون ما كان ينبغي أن يطبقه المسلمون فيهم منذ أن وطئت أقدامهم النجسة أرض فلسطين المقدسة.
* آن الأوان:
- آن الأوان أن يكون رد جماعات الجهاد في فلسطين على اغتيال شارون وبوش لرموز الجهاد الكبيرة مثل الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، أن تُعلن قائمة كقائمة السبعين التي أعلنتها حكومة شارون بعد اغتيال الشيخ ياسين، بحيث يعلن المجاهدون فيها أسماء رموز الإجرام الصهيوني داخل فلسطين باعتبارهم مطلوبين للعدالة الإسلامية قصاصاً وثأراً.
- آن الأوان أن نعاقبهم بمثل ما يعاقبوننا به، وأن نعتدي عليهم بمثل ما اعتدوا علينا، وأن نكون من الذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، والذين يرى الظالمون منهم ما كانوا يحذرون.
- آن الأوان أن يُلغى من قاموسنا في فلسطين تعبير: مدنيين وعسكريين، فقد يكون المدني أكثر إجراماً وإفساداً وحرباً على المسلمين من بعض كبار العسكريين.
- آن الأوان لأن تأخذ الشعوب بزمام المبادرة، بعد أن أفلست أكثر الأنظمة في حل أي مشكلة على مستوى الأمة، وبعد أن فشلت في مجرد عقد مؤتمر للقمة للشجب والتنديد.
- آن الأوان أن ينحاز أهل السنة لأهل السنة في أصل قضايا الجهاد ضد اليهود، تاركين القضايا الخلافية التطبيقية لتآخذ حقها من البحث العلمي والحوار النزيهº فأهل السنة كلهم مستهدفون، وقوائم المطلوبين منهم سيتوالى إعلانها، فاليوم قوائم بالمجاهدين في الشرق الأوسط وبعدها قوائم بالشرق الأدنى، وغداً قوائم بالشرق الأقصى، وكما صدرت بالأمس قوائم أمريكية، تصدر اليوم قوائم إسرائيلية، ولا يبعد أن تصدر بعد ذلك قوائم بريطانية وأسترالية وإسبانية... وربما هندية وسيرلانكية! فما المانع، ما دامت دماء المسلمين رخيصة حتى في بلادهم!
- آن الأوان أن تعي الأمـــة أن (لقــاء العدو) الذي لا تتمناه ولا ترغب فيه، قد يفرض عليها فرضاً، فبالأمس أفغانستان والشيشان والفلبين، والعراق وفلسطين، وغداً.. ربما سوريا ولبنان وإيران والسودان، ومن يدري على مَن تدور دائرة العداء. إن كل هذا يحتاج إلى إعادة نظر من الأمة في نظرتها إلى الجهاد والمجاهدين، وفي نظر المجاهدين أنفسهم إلى طبيعة الجهاد من حيث الأولويات والولاءات والساحات، فالمعركة ستطول.. وتتسع.. وتتعقد خيوطها، وحسم قضاياها لا بد أن يبدأ فيه الجميع من الآنº لأننا لا ندري ماذا يحدث غداً، فمنذ عامين فقط، ما كان أحد ليحلم بأن يتحول تأييد الانتفاضة الفلسطينية إلى «تأييد للإرهاب»، وما كان أحد يتصور أن تطال صواريخ الغدر رجلاً مثل رمز جهاد فلسطين الشيخ أحمد ياسين ثم رفيقه في درب الفداء الدكتور الرنتيسي في شهر واحد، وهو الشهر الذي صدر فيه (وعد بوش) الجديد، بتصفية قضية فلسطين وفرض (الحل النهائي) على هوى شارون حيث أسقط اللدودان بنفسيهما ما كان يسمى بـ (خيار السلام) إلى غير رجعة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد