هل هو نبأ غريب أن تغتال اليد الملطخة بدماء الأنبياء وخيار الصالحين في كل أمة المجاهد البطل الدكتور/ عبد العزيز الرنتيسي؟ وهل كان - رحمه الله - إلاّ متطلعاً لتلك اللحظة التي يلقى الله فيها مقبلاً غير مدبر، ليلحق بإخوانه ورفاق دربه؟ إن استشهاد الرنتيسي جاء تتويجاً لبطولات الرجل وإقدامه وصموده.
وما مات حتى مات مضرب سيفه =من الضرب واعتلت عليه القنا السمر
لقد نال البطل ما تمنى، وبقي على الأمة أن تأخذ الدرس من حادث استشهاد الرنتيسي ومن سبقه من المجاهدين الذين توعدت إسرائيل بتصفيتهم وتصفية أمثالهم حتى يعلن الشعب الفلسطيني الهزيمة، وتستلم الأمة للمشروع الصهيوني، ويهدم الأقصى ليقام الهيكل، ونسي الصهاينة شذاذ الآفاق أن جرائمهم وما يقومون به من عدوان واغتيال وهدم ودمار لن يزيد المقاومة إلاّ شراسة وإقداماً، فماذا يفعل الشعب الفلسطيني بالحياة بعد أن فقد الأب ابنه والأخ أخاه ورملت النساء ويتم الأطفال؟ إن دماء الشهداء ودموع الثكالى ومشاهد الدمار هي الوقود الذي سيلهب الكفاح المبارك، ويمد المقاومة بأسباب القوة والبقاء.
أخي إن ذرفت علي الدموع =وبللت قبري بها في خشوع
فأوقد لهم من رفاتي الشموع =وسيروا بها نحو مجد تليد
إن شارون ـ المجرم المبير ـ قد مهّد بسياساته الإجرامية الطريق أمام فصائل المقاومة الفلسطينية لتوحد جهودها، وتدرك أن السلام المزعوم إنما هو سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وأن اليد التي قتلت المجاهد عبد العزيز الرنتيسي وتقتل الشعب الفلسطيني كل يوم هي ذات اليد التي عدت على أنبياء الله فقتلتهم، (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون)، وهي ذات اليد التي حملت الحجر لتلقيه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب، ووضعت له السم على الشاة يوم خيبر.
إن حادث الاغتيال الأثيم للمجاهد الرنتيسي ولكل من سبقه من أبطال الأمة يضعنا ـ حكاماً ومحكومين وشعوباً وجماعات ـ أمام خيارات فاصلة لا مجال فيها لأنصاف الحلول، فإسرائيل قد أبانت عن وجهها الكالح، وأعلنت حربها لإبادة الشعب الفلسطيني كله، يؤازرها على جريمتها هذه الدعم الأمريكي المطلق، وسكوت المجتمع الدولي، وخيانات حكام العرب. وما عاد لأمتنا في ظل هذه الأوضاع من خيار إلا أن تقوم بواجباتها الشرعية تجاه قضاياها المصيرية، وأول هذه الواجبات أن تصلح هذه الأمة ما بينها وبين اللهº ليصلح الله أوضاعها، ويغير أحوالها لأحسن حال، فتخرج من الذل إلى العز، ومن الضعف إلى التمكين، (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)، ثم واجب على الأمة وعلى رأسها جماعات العمل الإسلامي وتياراته أن تسعى لتوحيد مواقفها العملية، وتجميع صفها، وإقامة البنيان المرصوص الذي يحبه الله في ساعات النزال، (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص)، وما أحسب أن قيادات العمل الإسلامي بحاجة إلى أن تُذكَّر بالموقف الحرج والمنعطف الكبير الذي تمر به الأمة اليوم، فالعدو لا يستهدف فئة دون فئة، أو جماعة دون جماعة، وما أحسب أن قيادات العمل الإسلامي بمختلف فصائله يخفى عليها حالة من الإرباك والإحباط تسيطر على فئام من شباب الصحوةº بسبب ما يرونه من تمزق أوهن الصف وفرّق الجمع وأضعف الهمم، إن الأحداث الراهنة لتؤكد أن الأمة تتطلع للتغيير على كافة الأصعدة، والأمل معقود في حَمَلة المشروع الإسلامي أن يقوموا بدورهم في قيادة الجماهير، وتبصيرها، وتوعيتها كل بحسب وسعه وطاقته، (لكلٍّ, وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات)، وعلى الدعاة والأئمة أن يوظفوا هذه الأحداث توظيفاً إيجابياً، ينمي الوعي، ويلهب الحماسº فإسرائيل لا يضرها أبداً الشجب والتنديد ـ وإن طالت أذياله ـ ولكن الذي يضرها أن تتوحد الجهود، وأن تتجه الأمة نحو تمتين البناء.
اللهم اجمع كلمتنا ووحد صفوفنا على جهاد أعدائك اليهود الغاصبين ومن عاونهم من الشياطين..آمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد