يقول الله - عز وجل -: ((ولا تحسبن الذي قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولاهم يحزنون))[الأعراف 199-170].
فجعنا قبل أيام باغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي - جعله الله في قوافل الشهداء وفي ركب الأنبياء -، وإن كانت فجيعتنا باغتيال الشيخ أحمد ياسين عظيمةº فلا تقل عنها فجيعتنا بخليفته وتلميذه وقائد مسيرته الدكتور الرنتيسي، وبقدر ما كان حزننا كبيراً عليهم بقدر ما كان ألمنا أعظم على أنفسنا، وهواننا على الناس، واستخفاف أعدائنا بمشاعرنا ورموزنا في المقاومة والإباء.
وبعد هذه الحوادث والاغتيالات أحب أن أسطر بعض ما سنح في فكري عندما تلقيت الخبر، وما اتسع له وقتي في أن أكتب هذا الكلمات العجل، ولعلي اسردها في النقاط التالية:
أولاً: إن الأمة الإسلامية تتمتع بخاصية حضارية فريدة، ورؤية منهجية للكون والإنسان والحياة من خلال الوحي المعصوم، والشرع المحفوظ، هذا المنهج الرباني يستمد قوته من أصله مهما تغيرت الأحوال، وتبدلت ظروف المسلمين يبقى لهم منار هداية، ومصدر قوة، ومنبع عزة وشموخ، ومهما بلغت بهم الهزائم، واستحرى بهم الهوان والضعفº فبمجرد عودة صادقة، وتوبة خالصة، ينقلب الضعف قوة، والهزيمة نصراً، فالخسارة في جولة أو جولات مع أعداء الله - عز وجل- لا تعني خسارة المعركة ما دامت النفوس على الحق منقادة، وإصرارها على النصر معقود و موجود.
إننا في حاجة ماسة إلى انتفاضة نفسية تزيل ما تراكم فوقنا من غبار الذلة ودثار الضعف، إن صلتنا بالله - عز وجل- هي أعز سلاح نملكه، ويخافه أعداؤنا، ولا نستطيع أن نرمم حالتا، ونصلح أنفسنا إلا بالاتصال بمصدر الطاقة، والعمل والكفاح الذي لا ينضب أبداًº بل لا نزداد في الإلحاح إلا كرماً وإحسانا من الكريم الوهّاب.
ثانياً: أعتقد أن خسارتنا ليست في ازدياد أعداد الشهداء، وتتابع قوافلهم المباركةº بل الخسارة الحقيقية هي الكساد الغثائي لكثير من الأحياء الضعفاء الذين لا يُكترث بهم، ولا يعوّل عليهم ممن يعيشون على هامش الحياة، ويضيفون إلى الأمة أرقاماً وأصفاراً من الشخوص الخاوية، وسنن النصر والحياة تقضي بأن سقوط شهيد على الأرض قد يرفع الله به كرامة أمة، ويعزّ به أقوام، ومع ذلكº فإن حياة العطاء والبذل والعمل للدين فنُّ يجيده صنّاع الحياة، ومقامات يتدرجون فيها إلى منازل الشهداء وهم أحياء، فأبناء فلسطين أهل الصمود والمقاومة قد أجادوا فنَّ صناعة الحياة كما أجادوا فنَّ صناعة الموت.
ومع مرارة واقعهم، وشدة حالهم، ومكر أعدائهم، فإننا نرى فيهم بوارق فجر صادق، وبيارق نصر قادم، وقد علمونا دائماً أن قناتهم لا تلين، وعزمهم لا يكلّ في حرب عدوهم بكل وسيلة ينكأون فيه جراحه، ويأتونه من حيث لا يحتسب، وكم نستبشر ونحن نقرأ حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول لأصحابه: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناوأهم، وهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" قالوا يا رسول الله: وأين هم؟ قال: "بأكناف بين المقدس"[رواه الطبراني في الكبير (2/317)، وفي خبر الطائفة المنصورة جاء في بعض الروايات أنهم بالشام كما رواه البخاري في صحيحه (2/189)] فاصبروا وأبشروا، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.
ثالثاً: إن قيام الكيان الصهيوني بهذه الاغتيالات الرعناء وبهذا الشكل الصارخ لأفراد عُزّل يشهد العالم بقضيتهم، ويتنادون لتأييد حقوقهمº لهي دليل واضح أن الصهاينة لا يخيفهم و يردعهم شجب واستنكارº فضلاً عن صمت واستتار، ولن يتخلوا أبداً عن خيار حمامات الدم، واجتياح المدن، وهم وأن احتلوا مناطقنا فقد صادروا حتى منطقنا الذي نفكر فيه.
فهل نصدق بأكذوبة السلام، وألعوبة المفاوضات القذرة..؟ وهل نقبل بوساطة من احتل عراقنا، وانتهك حمانا، وأعان على اغتصاب أرضنا المباركة، ثم نتوسل إليه في إرجاع حقوقنا ورفع الظلم عنا..؟!
كيف يعقل لدولة أن تُعطى سيادة وحكماً ذاتيّاً وهي بين أسوار الجدار الفاصل عن كل أسس الحرية والأمان..؟
فهل يكفّ إعلامنا الهازئ الهازل، وأعلام سياستنا عن ممارسة اغتيال عقولنا، واستلاب فكرنا؟!!
هل يا ترى وقد سقطت أقنعة الكذب والغدر وانكشف العدو والصديق أن نصحح مسارنا، ونحدد طريقناº ففي دماء الشهداء ما يكفي لغسل عارنا، وإنارة طريقنا؟!!
فشكراً عبد العزيز حيّاً وميتاً.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد