اغتيال الرنتيسي.. هل تحقق إسرائيل أهدافها؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 
مرة أخرى تنجح الطائرات الإسرائيلية في اغتيال قائد حركة "حماس" في قطاع غزة عبدالعزيز الرنتيسي، وبعد أقل من شهر على نجاحها في اغتيال زعيمها الروحي ومؤسسها الشهيد الشيخ أحمد ياسين.

ومرة أخرى تعلن إسرائيل عن بهجتها، وتعلن عن عزمها على متابعة سياسة الاغتيالات بحق قيادات حركة "حماس" وقيادات المقاومة ونشطائها.

ومرة أخرى يدين العالم كله العدوان الإسرائيلي، وما عدا الولايات المتحدة، التي اعتمدت صيغة ثابتة، فإن السلوك الإسرائيلي يشير إلى تصرف خارج القانون الدولي، ويؤكد موقع إسرائيل الثابت خارج إطار الشرعية الدولية والمواثيق التي تنظم العلاقات الدولية.

الولايات المتحدة تعود وتذكر بموقفها الذي ينظر إلى حركة "حماس" ويتعامل معها على أنها منظمة إرهابية تستحق القتل والملاحقة، ولذلك فإنها تمنح إسرائيل كل الحق في متابعة الاغتيالات والعدوان بدعوى أنها تندرج في سياق الدفاع عن النفس، ومرة أخرى تخرج الجماهير الفلسطينية إلى الشوارع غاضبة مطالبة بالانتقام والرد، تماماً كما حصل عندما جرى اغتيال الشيخ أحمد ياسين، وقيادات كثيرة سبقته.

مرة أخرى تنجح الطائرات الإسرائيلية في اغتيال قائد حركة "حماس" في قطاع غزة عبدالعزيز الرنتيسي بين عملية الاغتيال السابقة التي استهدفت زعيم حركة "حماس" الشيخ ياسين والثانية التي استهدفت قائدها الرنتيسي، لم تقع عمليات عسكرية استشهادية أو غير استشهادية مؤثرة، لكن إسرائيل ليست بحاجة إلى استدعاء الذرائع والأسباب، فهي قد حصلت من بوش وإدارته على تفويض بمتابعة القتل خارج القانون وليس عليها أن تكلف نفسها عناء التبرير.

نعلم جميعاً أن تصعيد العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني هو جزء أصيل من خطة الفصل أحادي الجانب التي وافقت الولايات المتحدة عليها وتبنتها، ولذلك فإن من غير المتوقع أن تتوقف الأعمال الإسرائيلية الوحشية، بل إن علينا توقع المزيد من التصعيد.

تستهدف إسرائيل حسب مصادرها من وراء عمليات الاغتيال لقيادات الحركة إضعاف حركات المقاومة، وتدمير قدراتها وإمكانياتها، وزرع بذور الفتنة والفوضى في داخلها، إن إسرائيل تعرف مدى أهمية القيادات السياسية المجربة، التي تحظى بثقة أعضائها وكوادرها وجماهيرها، ولذلك فإنها تعتقد أن غياب أو تغييب هؤلاء القادة من شأنه أن يفسح المجال أمام قيادات شابة مغامرة، تفتقد إلى التجربة، أو تفتح المجال للتنافس والفوضى.

وبالإضافة إلى ذلك تعتقد إسرائيل أن نجاحها في اغتيال المزيد من القيادات من شأنه أن يهز ثقة الجماهير بالمقاومة، ويجعلها تعيش حالة من الإحباط تصل بها إلى حد القبول بأي حل يؤدي إلى تغيير واقع الحال.

أستطيع تأكيد أن ما تقوم به إسرائيل هو أفضل وصفة لتوسيع وتأجيج الصراع، وذلك أنها تدفع الشعب الفلسطيني وحركات المقاومة دفعاً إلى خيار واحد وحيد وهو الصمود والمقاومة والوحدة، ذلك أن حكومة شارون أغلقت السبل أمام أية خيارات أخرى.

في ظل هذه الأوضاع سيتراجع صوت الاعتدال، وسينخفض صوت الداعين إلى سلام لا يتوافر له الحد الأدنى من شروط العدل والحق، وما تقوم به إسرائيل لا يفعل سوى دفع آلاف الشبان للالتحاق بحركات المقاومة، والمرشحين للقيام بعمليات عسكرية.

نعم الخسارة كبيرة بفقدان مثل هؤلاء القادة، غير أن رد الفعل العكسي الذي يصدر عفوياً من الشارع الفلسطيني يعوض هذه الخسارة، فلقد أبدى الجمهور الفلسطيني التفافاً حماسياً حول فصائل المقاومة ونهجها.

لا تعرف إسرائيل أن حركة "حماس" هي من حيث طبيعتها وإمكانياتها وحجمها قد باتت قادرة على فرز أجيال من القيادات القادرة على متابعة العمل. إن حركة حماس تحظى بامتدادات جماهيرية اجتماعية ومؤسسية راسخة وواسعة، وهي تمتلك آليات فعل داخلي تجعلها قادرة على التكيف مع الظروف المستجدة مهما بلغت قسوتها.

لن تنجح إسرائيل مهما فعلت في اقتلاع حركة "حماس" أو أي من الحركات الفلسطينية، ولن تنجح في تدمير المقاومة وقدراتها وإرادتها في الاستمرار، خصوصاً أن الاحتلال يشكل الدافع الأساسي والدائم لمواصلة إرادة المقاومة.

وعلى صعيد آخر فإن الجماهير الفلسطينية لن ترفع الرايات البيضاء، ولن تقبل بأي حال من الأحوال الحلول التي يعتقد شارون أن بإمكانه فرضها على الشعب الفلسطيني، وبتواصل العدوان الإسرائيلي تصبح القضية بالنسبة للفلسطينيين قضية وجود، خاصة أن هذا العدوان لا يستهدف أشخاصاً أو فئات معزولة يمكن التخلص منها بسهولة.

وعلى العكس من ذلك تماماً، ينبغي أن تدرك إسرائيل والولايات المتحدة أن هذا العدوان الوحشي يؤدي إلى تعميق الحقد والكراهية، وفقدان الأمل بالسلام، إن إسرائيل في حقيقة الأمر تقوم بتدمير الجسور الهشة التي يمكن أن يقوم عليها السلام، وفضلاً عن ذلك فإن ثمة غضباً متنامياً ضد الولايات المتحدة الأمريكية التي تعدها الجماهير الفلسطينية المسؤولة أولاً عن العدوان الإسرائيلي.

إن خسارة إسرائيل والولايات المتحدة ستكون فادحة جراء هذه السياسة الخرقاء، التي تعمل بعكس منطق الأمور، وتدل على جهل شديد بخصائص ومميزات الشعب الفلسطيني وحركات المقاومة.

يمكن لإسرائيل أن تتابع مخططاتها، والأرجح أن تفعل ذلك ولكن عليها أن تتوقع جواباً مختلفاً قد لا يتوقف هذه المرة على ردود فعل انتقامية هنا أو هناك، بقدر ما أنها ستتخذ شكل المقاومة الواسعة والمستمرة والمتصاعدة.

يبقى أن نشير إلى أن ثمة شعوراً لدى الجماهير الفلسطينية بغصة في الحلق، وشعور بالوحدة، إزاء ضعف ردود الفعل العربية خصوصاً الرسمية، التي تهبط حتى عن سقف ردود فعل بعض الدول الأوروبية، وفي مطلق الأحوال فإن ما يصدر من إدانات وتصريحات احتجاجية أو غاضبة على الأفعال الإسرائيلية ليس من شأنها أن ترتقي إلى مستوى معاقبة المعتدي أو ردعه، ولذلك بات على الفلسطينيين أن يعتمدوا على أنفسهم بالدرجة الأساسية، ولكن دون إهمال أو تجاهل الرأي العام العربي والدولي، ثمة ما ينبغي عمله لإفشال المخططات العدوانية الإسرائيلية، ولن يقبل الناس أقل من الرد بالمقاومة، وبالوحدة أمام هذه الحملة الشرسة، هذا مبتدأ الجملة، أما خبرها فعند السلطة والفصائل.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply