بالأمس الدانمرك واليوم السويد ... معها ... فهلا فعلّنا المطالبة بحقنا ؟!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

طالعتنا الأخبار عن إساءة متجددة - ولا أقول جديدة - لأنها لم تتوقف ولكن أن تكون بهذا الحجم بل بهذه الدناءة أمر خطير.

فقد أقيم في السويد معرض بعنوان (الكلب في الفن)، وقام أحدهم، ويقال عنه (فنان)، بجرأة كبيرة وحماقة أكبر بالإقدام على إقحام خير البرية محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذه الحماقة، فرسمه على هيئة كلب والعياذ بالله- ولكن المعرض رفض نشرها وعارض ذلك أيضا مديرة مدرسة، فما كان من الجريدة سيئة الذكر اليولاند بوستن الدنماركية - إلا أن تبنت القضية كما تبنت الجريمة السابقة، وبنفس الحجة - حرية التعبير والرأي - فأقدمت على نشر رسم منها مصحوبا بمقال ينعي الحرية في بلادها ويستنكر عدم النشر، ويعد ذلك من باب قمع الحريات، وذلك في 8/8/2007.

وبعد ذلك توالت بعض الصحف في كلا البلدين على نشر ذلك الرسم الآثم أو الإحالة إلى موقع الرسام على الإنترنت لتشاهد الرسومات، وأياً كانت الحجج فالنتيجة واحدة ألا وهي الإساءة.

لقد حاول البعض أيام نشر لرسوم الدنمركية أن يقول إن لرسم لم يكن إلا انعكاسا لواقع المسلمين، فالصورة التي تسم النبي بالإرهاب إنما سببها عمل المسلمين، فأقول لكل هؤلاء فماذا تعني صورة الكلب، والعياذ بالله؟!

كل ذلك لا يعني إلا صورة انطباعية نتاج تفكير نمطي واحد عن الإسلام ورمزه.

والعجب العجاب أن التاريخ يعيد نفسه: تشدّق بالحريات -زعموا- ولا أدري لم لا تظهر الحريات جلية إلا على حساب مقدساتنا نحن المسلمين؟

لماذا منعت صحيفة اسبانية من نشر رسم مهين لولي عهدهم؟

هل يوسمون بكونهم ديكتاتوريين؟

ما المغزى وما الرسالة التي يريدون إيصالها لنا إلا الإهانة؟

أيعقل أن تمتنع معارض وصحف في السويد، وتنبري مجددا الصحيفة اللعينة في الدنمرك لنشرها بحجة الحرية؟

أليس غريبا أن ينبري أناس ينتسبون للإسلام زورا في السويد يسمون أنفسهم العلمانيين المسلمين (سيموس) للدفاع عن حق الرسام، ثم يتراجعوا عن ذلك، ليس اعتراضا منهم على الرسومات، بللأنهم اكتشفوا انه يعادي اليهود (السامية) عندما وجدوا له رسما ليهودي على شكل خنزير، إذا ليس مراعاة لمشاعرنا بل من أجل عيون اليهود، وإلا فهم كانوا داعمين له مطلقا؟

حري بالغرب أن يحذوا حذو ماليزيا عندما أوقفوا صحيفة نشرت رسما للمسيح وهو يدخن حتى لا يؤذوا مشاعر الأقلية المسيحية. - هذا ما قالته صحيفة منصفة من الغرب- لأنها ترى في هذا العمل اضطهادا للأقليات تحت شعار الحريات.

هل السويد اليوم تلعب دور الدانمرك بالأمس؟

نحن نرى أن الطريقة المتبعة في الغرب هي نفسها، فالسويد التي أدانت رسومات الدنمرك، بل أمرت وزيرة خارجيتها وقتها بإقفال موقع عزم على نشرها، وكلفها ذلك استقالتها، نجد السويد اليوم - وبعد احتجاجات من باكستان عندما اظهر سفير السويد تفهما وتعاطفا مع المسلمين واستنكارا للرسومات - تصريحا لمسئول في الخارجية السويدية، أن هذا الكلام المنسوب لسفيرهم غير دقيق، بل صرح رئيس وزرائهم انه يأسف وللأسف حكاية كبيرة، وكأن التاريخ يعيد نفسه، فأيام الدانمرك لم نحظ منهم بأي اعتذار بل حاولوا اللعب على الألفاظ واستخدموا كلمة الأسف التي لا تعني في قاموسهم سوى تفهمهم لإنزعاجك مع عدم الإقرار بأنهم أساؤوا، ويتابع رئيس وزراء السويد كما فعل أخوه من قبل (رئيس وزراء الدانمرك) أنه لا يستطيع أن يقمع الحريات ولا أن يعتذر عما فعله غيره، وهكذا مواقفهم واحدة واضحة بل وقحة لم تتغير ولم تتبدل، حتى أن الصحيفة السويدية قالت كأختها الدانمركية من قبل (لن يسمع المسلمون منا أيّ اعتذار).

وهذا يذكرنا بموقف الفاتيكان أيضا عندما استهجن عمل الدانمرك وما لبث بعدها أن أساء هو بدوره ولم نسمع منه أيضا إلا التأسف.

وكأن القضية توزيع أدوار بين المسيئين لأنهم يريدون ترويض أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لتتقبل الإساءة أو على الأقل لتمر الإساءة دون رد الفعل المناسب.

بينما نحن وكأننا ندمنا على نصرتنا السابقة ولسان حالنا بل مقالنا أننا تبنا وأنبنا ولا طاقة لنا اليوم بالسويد أو الدنمرك.

هل أصبح الغضب لله عيبا؟!

معيب جدا بل من الظلم أن يقوّم البعض النصرة أيام الدانمرك- فقط من خلال بعض التصرفات والممارسات الشاذة، لأن الإنصاف يقتضي أن نذكر وبكل صراحة أن تلك الهبة العارمة والغضبة الصادقة التي اجتاحت العالم كله كانت تظهر وبشكل جلي: حبّ وتعظيم هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -.

ولا شكّ أن تلك النصرة أوصلت رسالة واضحة لكل العالم، وخير دليل على ذلك امتناع المعرض عن نشرها وتمنع كثير من الصحف عن ذلك وتريّث البعض، خير دليل على أن القوم قد تلقنوا درسا لم ولن ينسوه أبدا -وهذا ما صرّح به بعض المعنيين في السويد - أنهم استفادوا مما حصل في الدانمرك وأنهم لن يساهموا في أذية مشاعر المسلمين.

 

وإن عدتم عدنا:

فالمطلوب أن نعبر عن شجبنا واستنكارنا وعظيم تأثرنا بل وأن نظهر غضبنا وأن نستفيد مما مضى بتجاوز الأخطاء واستمرارنا بالنصرة لا بتركها متذرعين ببعض الأخطاء ويحدونا في ذلك أن الله مع المتقين، فلنجدد العزم ولنر أعدائنا منا صبرا وجلادة وعدم استكانة حتى لا يتطاولوا أكثر.

ولا يجوز أبدا التقليل من خطورة الموضوع بحسن نية أو بغيرها- وذلك بالاحتجاج يوما على أن هذا الرسام فنانا عبثيا، أو أن الصحيفة الناشرة محدودة ونحو ذلك، لأن الإشكال لا يكمن في هذه التفاصيل، إنما يكمن في مسوغات عملهم ومنطلقاتهم فيه، ثم في اصطفاف مجتمعهم كلّه (حكوميا-قضائيا-إعلاميا... ) فالكل يدافع عن هذا العمل، فالخطر كامن في جعل كل إساءة تحت شعار محبب للجميع، ومقصد سامٍ, ألا وهو الحرية.

لكم حذرت في الفترة الماضية وما زلت من أن هذه الأفعال بمثابة بالونات اختبار، فلنرِ الله أولا ثم العالم عدم تراجعنا ولا تخاذلنا ولنترك تقاذف التهم وتدافع المسؤولية، وليحمل كل منا الأمانة: حكاما ومحكومين، علماء وقادة فكر، تجارا ومواطنين، مؤسسات وأفراد. لأن ردّات الفعل الخجولة، والقليلة دلالتها سيئة جدا عند القوم بل حتى عند المسلمين.

نعم إذا كان مطلوبا من المقيمين في الغرب الدعوة إلى الله والعمل حسب وسعهم، فإن هذا لا يعفي المسلم القادر المقيم بين ظهراني المسلمين أن يكون له موقف متميز، يرتقي إلى مستوى الحدث، بل إن الإغراق في الكلام عن الخطط، بعيدة المدى - والآن تحديدا - كأنه هروب من فريضة الوقت في إظهار الشعور بالإهانة، والتحرق لذلك والغضب لله، وإظهار ذالك حتى لا يكون سكوتنا -بحجة الأناة والروية- مؤشرا خطيرا يفهم منه القوم أننا استسلمنا، ولن ننبس ببنت شفة، بل سيبقى صوتنا مدويا، لم ولن نقبل بالتطاول على نبينا، حتى لو كان ذالك على حساب أرواحنا.

فمثلا لو وقعت جريمة توجب حدا شرعيا (كالزنى) فإن العمل المطلوب ليس فقط الحديث عن الفضيلة والأخلاق التي تقلل من هذه الجريمة وإن كان هذا مطلوبا دائما قبل ومع وبعد الجريمة- إلا أن هناك واجبا شرعيا لا يجوز تجاهله ألا وهو إقامة الحدّ.

إذاً واجبنا اليوم إلى جانب العمل الدعوي العام والتعريف بالإسلام، أن ندرك بأننا أمام إساءة لا بدّ أن نقف عندها.

وإن علينا أن نحلل هذه الظاهرة (السبب والدوافع والكيفية والعلاج)، والمطلوب أن نبقي القضية مفتوحة وان نديم الحديث عنها.

ويجب على من يعمل-لا سيما في الخفاء- أن يخبر الأمة بعمله، وجهوده، وإلى أين وصلت القضية حتى لا يزداد الشعور لدى الناس بأن الجميع تخلى، وليشعر المسلمون بالاطمئنان إلى أن القضية بأيد أمينة، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، لأن المنكر إذا كان ظاهرا لا بد أن يكون الإنكار بحسبه ولا يكتفى بأننا نعمل من وراء الكواليس، بل لا بد أن نتواصل مع الأمة، حتى لا يستغل البعض حالة الصمت العامة ويهيج الغوغاء، وعند ذلك سيقع ما نخاف منه، وهو أن يتولى القضية من تحركه العاطفة فقط، دون تأصيل شرعي أو وعي واقعي.

 

وإبراءً للذمة:

وقع للأسف ما كنا نخاف منه ونخشاه، ألا وهو خفوت، إن لم نقل انطفاء جذوة الغيرة والحرقة على الدين، إلا من رحم الله.

فإننا لو تأملنا قليلا في سيرة سيد الخلق وحبيب الحق، لوجدنا حماسا ثابتا دائما متجددا، يترجم واقعا فاعلا وعمليا.

لقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - حوالي ثلاثة عشر سنة في مكة، إلى قضية واحدة، ألا وهي توحيد الله، ولو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وحاشاه أن يكلّ أو يملّ، ويتذرّع بأنه قد أدى ما عليه، وأن القوم ميئوس من هدايتهم وقال إن دوره قد انتهى - لما وصلنا شرعه المطهّر. لأننا لو نظرنا لوجدنا أن عمل القوم واحد متجدد، وهو الشرك، وقابله عمل واحد من النبيّ وهو الدعوة للتوحيد، فعلينا أيضا أن نقتدي به، فكلما تجددت إساءتهم ينبغي أن تتجدد نصرتنا، وألا نكتفي بما قدمناه عند الإساءة الماضية محتجّين أنه لا جديد في فعلهم وقد أوضحنا موقفنا، فلا داعي أن يستفزنا هؤلاء لننجرّ ورائهم.

ولكنه صبر وصابر واستمر فأوذي بل هاجر، لكن دعوته واحدة، لم يذهب بريقها ولم يخفت ضوءها ولم يخلق ثوبها، فهلا اقتدينا به - صلى الله عليه وسلم - وثبتنا على دعوتنا ولم نتوان عن حقنا في مواصلة دربنا بنصرة حبيبنا؟

 

وزيادة في إبراء الذمة أقول:

ما بالنا نسمع دعوات لضبط النفس والتحلي بأعلى مستويات الهدوء وكأن الانفعال مذموم وكأن الغضب غير ممدوح، ونحن ندرّس الناس أن رسول الله لم يغضب قط، إلا إذا انتهكت محارم الله، وهل هناك أعظم من حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ أفلا يستدعي ذلك منا غضبا صادقا غير مصطنع، وفاعلا غير مفتعل؟

والعجيب في ذلك أن هذه الدعوة للتهدئة تأتي في وقت لا نرى فيه أيّ مظاهر للغضب. فلماذا يطالب البعض بالهدوء، كان الأولى أن نطالب بالغضب الشرعي، البعيد عن الأفعال التي تعكّر صفوه ونقاءه.

لقد أصابنا بلاء عظيم باستمرار أعداء الله بالتطاول على مقام رسول الله. ولكن والله - لم تستمر تلك الإساءات، إلا عندما استمرت من جهتنا التنازلات.

الخلاصة أن الجميع عليه مهمات لا بد أن يقوم بها، فإن تولى استبدله الله! فلتشرأب أعناقنا لهذه المهمة العظمى ولنبادر جميعا كل بحسبه- إلى القيام بالدور الذي يرضي الله، ويبرئ الذمة، ويلقي المهابة في قلوب الساخرين، حتى تبقى سخريتهم في صدورهم الممتلئة غيظا وحقدا، ليموتوا بغيظهم ولا يجرؤوا أن يعلنوا ما في قلوبهم من حقد على مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - ليبقى جانبه معظما مهابا ومحترما.

وأنا بدوري أطالب الجمعيات التي حملت أيام الدانمرك- همّ النصرة، إلى التلاقي والتوافق على موقف واضح معلن وألا يسمحوا بمرور القضية دون موقف واضح معلن حتى لا يستغل ذلك من قبل المتربصين بهم، لتكون رسالتهم واضحة وعلى الدوام أننا ماضون في درب النصرة لن نتوانى عن ذلك أبدا.

وأطالب العلماء والدعاة إلى الله، لا سيما الذين انبروا في الفترة الماضية للتصدي للإساءة بأن يحملوا مسؤولياتهم اليوم مستفيدين من التجربة الماضية، بتنمية واستثمار وتوظيف الطاقات والقدرات، مع تجنبهم لإعادة أو السماح بتكرار الثغرات التي أضعفت العمل في الفترة الماضية، وليكن لهم لقاء عاجل على مستوى الأمناء- لدراسة الموقف وعمل ما يلزم. وإننا إذ نتوجه إلى هؤلاء الأفاضل في الأمة فلأن الأنظار متجهة إليهم ولا ينبغي للأمة إلا أن تصدر عنهم.

واليوم أوجه نداء من القلب لعالمنا الإسلامي كلّه حكومات، مؤسسات، جماعات، جمعيات - قائلا لهم: لقد آن الأوان أن يكون لكم موقف صريح وواضح ومؤثر، فما دام المسيؤون يلقون من مجتمعاتهم وحكوماتهم ومؤسساتهم كل دعم وتأييد ودفاع، أفلا يجدر بكم أنتم أن تقابلوا ذلك بموقف يستحق أن يوصف بأنه موقف؟

وأخيرا أذكر الذين تحدثوا عن السعي لاستصدار قانون دولي يجرم التطاول على مقدساتنا ويحرمه: ألم يحن الوقت بعد لتفعيل ذلك بعد أن تتالت الإساءات، علّ ذلك أن يقطع دابر الفتنة ويريحنا من هذه الأفعال والردود عليها.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply