رب ضارة نافعة يا رسول الله


  

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحملة المسعورة التي تشنّها بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها الدنمارك، ومن قبل مصنع أمريكي لصناعة الأدوات الصحية منذ قرابة العامين، الذي أنتج للأسف الشديد مرحاض، مكتوب عليه: لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله، بالخط الكوفي، كلها لا تنبع من فراغ، بل مخطط لها وترتفع وتيرتها من آنٍ, لآخر.

وهي على أية حال ليست وليدة اليوم، بل موجودة منذ عدة سنوات، خاصةً بعد الهجمات التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية في 11/9/2001م.

ولكن الجدير بالذكر أن هذه الحملة تتمركز في الدول المسيحية التي تعتنق المذهب البروتستانتي، وهنا يمكن التساؤل لماذا في هذه البلدان بالذات، خاصةً الاسكندينافية منها؟ والحقيقة لا يحتاج المرء إلى كثير عناء للإجابة عن هذا السؤال، فمن المعلوم تاريخياً أن أصحاب المذهب البروتستانتي، أقرب المذاهب المسيحية التصاقاً بالحركة الصهيونية، خاصة بريطانيا، التي تبنّت الصهيونية المسيحية في القرن السابع عشر في عهد الملك هنري الثامن، ثمَّ انتقلت مع المهاجرين إلى العالم الجديد الذي تمَّ اكتشافه، وبالتالي أضحى أصحاب هذا الفِكر ذا قوة في الولايات المتحدة، إلى أن تمكّنوا من بسط نفوذهم في كافة مناحي الحياة الأمريكية، وبالتالي الوصول إلى سُدَّة الحكم فيها مع وصول الرئيس جورج بوش الأب إلى الحكم، واشتدَّ زخمها مع ابنه الرئيس جورج بوش الابن. ولمَّا كانت البروتستانتية تؤمن بعودة اليهود إلى فلسطين، لإقامة وطنهم القومي المزعوم، فقد عمِلت على محاربة الإسلام والمسلمين، بسبلٍ, سلمية وليست عسكرية، وبالتالي لجأ معتنقوها إلى تشويه صورة الإسلام ونبيه من خلال وسائل الإعلام المتعددة، اعتقاداً منهم أن هذا السبيل أنجع السبل لهدم الإسلام وضعضعة المسلمين، مستغلين في ذلك ضعف العالم الإسلامي وعدم تمكّنه من الردِ على هذه المحاولات المشينة بحقهم، ومستغلين كذلك إيمان المسلمين المطلق بكافة الأنبياء، وعدم انجرارهم وخوضهم في مثل هكذا حملات، خاصةً ضد النبي الكريم المسيح عيسى - عليه السلام -، وبكل تأكيد فإن مروءة المسلمين لا تسمح لهم بالدخول في مثل هذا السجال السئ.

صحيح خرجت مظاهرات عارمة في كافة أرجاء العالم الإسلامي ضد هذه الحملات، لكنها لم تكن كفيلة بردع أصحاب الحملة المسمومة، ما لم تكن مصحوبة بحملة دبلوماسية رسمية من الأنظمة الحاكمة، وعلى ما يبدو فإن هذا الأمر غير متوفر في الوقت الراهن، لاهتراء هذه الأنظمةº ولذلك فسوف تظل هذه الحملة مستمرة إلى أن يتمكّن النظام الإسلامي الرسمي من لجمها، إن أراد ذلك.

ومع ذلك، فرُبَّ ضارةٍ, نافعة كما يقول المثل العربي، فقد تكون هذه الحملات ذات فائدة للإسلام كديانة عظيمة، تُعرِّف الغرب على الإسلام عن كثب من حيث لا يدري أصحاب هذه الحملات، فبعد أحداث 11/9 في الولايات المتحدة، وما رافقها من حربٍ, شعواء ضد الإسلام والمسلمين، فقد جاءت النتيجة غير ما أراد أصحابها، فقد بدأ بعض الأمريكيين بقراءة المراجع الخاصة بالإسلام، للتعرف عن قرب على هذا الدين وماهيته، فاعتنق الكثيرون منهم الإسلام عن قناعة ورضا تامين، وهذا ما سيحدث في أوروبا، خاصةً الدول الاسكندينافية. فما نراه أن مواطني هذه الدول سوف يقبلون على التعرٌّف على الإسلام، في محاولةٍ, منهم لفهم هذا الدين ومعتنقيه، وما سيترتب على ذلك من اعتناقهم له عن قناعة، دون الحاجة لغزوات عسكرية من جانب المسلمين لنشر الإسلام في تلك البقاع. فمن المعلوم أن الإسلام سوف ينتشر في أوروبا كما نعلم، فقد تكون هذه الحملات المسمومة هي المعين، الذي سيدفع أوروبا لاعتناق الإسلام.

نحن تعلمنا من خلال قراءة تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، أن الدول الاسكندينافية قد اعتنقت المسيحية في القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين، خلال فترة حكم النورمانديين، أي بعد انتشار المسيحية في أوروبا بفترةٍ, طويلةº لذا فإننا على يقين أن مواطني هذه الدول قد يُدفعون للتقرب من الإسلام واعتناقه، نتيجةً لتفهمهم مبادئ الإسلام الحنيف، وتقاطعهم مع أصحاب الحملات المسمومة. ومهما يكن من أمر، فالإسلام دخل مناطق جغرافية عديدة، خاصةً جنوب شرق آسيا، من خلال التجار المسلمين الذين استوطنوها، ولم يكونوا بحاجة لإشهار سيوفهم، فوجد سكان هذه البقاع في هؤلاء السفراء خير هادٍ, لهم مما كانوا فيه من التخلف والبلاء، وسوف يجد أهل أوروبا عامةً والاسكندينافيين منهم خاصةً، في الإسلام خير مخرجٍ, لهم مما هم فيه من حالات الانفصام الديني، والتشرذم الاجتماعي، وتفشّي حالات الانتحار بينهم نتيجةً لتردي ظروفهم النفسية، بصرف النظر عن تطورهم الاقتصادي الذي لن يغنيهم عن تردي الظروف السالفة الذكر.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply