هل كان من مصلحة الدانمارك وبعض دول أوروبا ممن نشرت صحافتها أو أعادت بعض صحفها نشر رسوم كاريكاتورية تنضح بالإساءة إلى الرسول العربي الكريم،
أن تصل العلاقات بينها وبين العالم الإسلامي إلى هذه الحالة من التوتر والكراهية المشحونة بغضب أكثر من مليار ونصف مليار مسلم.. ?
لم يكن من مصلحة الدانمارك التي بدأت القضية منها بسبب نشر صحيفة يلاندس بوستن هذه الرسوم ولا من مصلحة النرويج التي أعادت بعض صحفها نشر الرسوم نفسها، ولا من مصلحة فرنسا التي نشرت بعض صحفها أيضاً جزءاً من هذه الرسوم، أن يشوب التوتر علاقاتها مع العالم الإسلامي إلى حد القطيعة الدبلوماسية مع بعض الدول ومقاطعة المنتجات الغذائية والاقتصادية للدول التي رفضت الاعتذار عن إساءة صحافتها ولم تعاقب المسيئين.. ?
يقولون في أوروبا إن نشر الرسوم تم بدافع حرية التعبير عن الرأي، وأن هذه الحرية مصونة بالدساتير الأوروبية ومحظور على الحكومات حجبها أو تقييدها لأي سبب كان، ما منع الحكومة الدانماركية عن الاعتذار عن نشر الرسوم.. ! .
والغريب في هذا التفسير للحرية أنه يتجاهل عنصرين أساسيين لا يستقيم معنى الحرية دونهما، الأول هو اقتران الحرية بالمسؤولية ومنه ظهر مفهوم الحرية المسؤولة عن تداعيات ممارستها ونتائجها، والثاني هو أن يشعر صاحب الحق في الحرية أن حريته ليست مطلقة ولا هي بالحرية الوحيدة في المحيط الاجتماعي والعالمي، وأن هذه الحرية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، وأن ممارستها محدودة بعدم انتهاك حرية الآخر والإساءة إلى معتقده.
وعلى هذا يمكن القول بأن الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم انطوت على إساءة متعددة الأوجه والاتجاهات، وجه منها يسيء للرسول الكريم وللإسلام ويستفز مشاعر الغضب للمسلمين في كل مكان، والوجه الثاني يسيء لمفهوم الحرية وخصوصاً منها حرية التعبير عن الرأي باستغلالها على نحو استفزازي غير مسؤول، فيما الوجه الثالث يسيء لصورة الفكر الغربي وموقفه الخاطئ خلال المرحلة الراهنة من التاريخ حيال الإسلام رغم كل ما زخر به هذا الدين العظيم من قيم الحوار والتسامح والتعايش والمحبة والانفتاح على الآخر واحترام حرياته ومعتقده ومشاعره وحتى حمايتها أيضاً.
وفي خلفية هذه الإساءة وتداعياتها السلبية على العلاقات الإسلامية- الأوروبية، لا نستبعد طرفاً خفياً مأزوماً دفع باتجاه افتعالها بخبث ومكر من أجل خدمة مصالحه القائمة حصراً على إثارة التناقض بين أوروبا والعالم الإسلامي ليكونا على طرفي نقيض من بعضهما البعض، وهذا الطرف ليس إلا الصهيونية العالمية ولوبيها المنتشر في أميركا وأوروبا والمسيطر على الكثير من وسائل الإعلام في الغرب، وهي طرف معروف عبر تاريخه بإثارة الفتن والقلاقل والتناقضات والخلافات بين الشعوب والأمم.
وإذا كان ثمة مهمة ملحة الآن لدول أوروبا منفردة أو مجتمعة، فهي إدراك مخاطر خلفية هذه الإساءة المتعمدة للإسلام، ومعرفة أنها لا تخدم مصالحها ومصالح العالم الإسلامي، بل تخدم فقط الذين يجدون مصالحهم في تعكير صفو العلاقات الأوروبية- الإسلامية والدفع بها نحو مهاوي التوتر والكراهية وتغذية الخلافات والأحقاد.
وبالمقابل فإننا نعبر عن استيائنا للأسلوب غير الحضاري الذي مارسه البعض في المسيرة الاحتجاجية التي جرت مؤخرا وأريد به حرفها عن غايتها بالتعبير عن رفض الرسوم المسيئة، بأسلوب حضاري فنحن دعاة حوار نؤمن بأن الحوار والتعبير بأساليب غير استفزازية وحدهما كفيلان بتبيان أخطاء الآخرين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد