لماذا تتجدد الحملة الغربية على الإسلام ؟!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

عندما تضيع القِيَم الإنسانية بين براثن السفهاء، وحين تصبح الأديان السماوية نهباً لشذّاذ الآفاق.. يمكننا عندئذٍ, أن نرى بالعين المجرّدة، الفرق الكبير بين الديمقراطية الغربية، التي تتيح استباحة كل مقدَّسٍ, إنسانيٍ, باسم الحرية.. وبين منهج ديننا الإسلاميّ الحنيف، الذي نظّم لنا حياتنا بما يكفل تحقيق كرامة الإنسان، واحترام مقدّساته وخالقه وأنبيائه وعقيدته.. فالحرية عندما تنفلت من الضوابط الإنسانية، تهبط بِمَن يمارسها إلى مستوى الحيوان، وبالمجتمعات الإنسانية إلى مستوى مجتمعات الغاب، فلا يحكمها عندئذٍ, أي خُلُقٍ, كريمٍ, أو أية قيمةٍ, إنسانيةٍ, سامية، ميّز الله - عز وجل - بها الإنسانَ عن غيره من المخلوقات.. فتضيع إنسانية الإنسان مع ضياع قِيَمه وأخلاقه.. فهل يَعقِل هذه الحقائق، ذلك الغرب العلمانيّ المنفلت، المتصدّع حضارياً وإنسانياً وأخلاقياً؟!..

بعد الحملات السافرة المتوالية على ديننا الحنيف، وعلى نبيّنا ورسولنا الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، التي يمارسها بعض الغرب العلمانيّ ويُصرّ عليها، وينفث عبرها أحقاده الدفينة على الإسلام والمسلمين.. لم يعد المرء يواجه أي عناءٍ, في العثور على المواقف السياسية والفكرية والحضارية، التي أسقطت الأقنعة الغربية كلها دفعةً واحدة، فظهرت الوجوه الصليبية الغربية سافرةً، وتبيّن أنها وجوه والغة في الإجرام والحقد والضغينة على الإسلام والمسلمين.. وسقطت كل السواتر التي كان يختبئ خلفها الصليبيون الغربيون ومنافقوهم وعملاؤهم والمتواطئون معهم.. ولن نستطيع أن نحيط بكل ما يصدر عن الغرب الصليبيّ من مواقف عدوانيةٍ, ضد ديننا وعالمنا الإسلاميّ.. لكن من المفيد سرد بعض تلك المواقف التي نضح بها أدعياء التحضّر والرقيّ والنـزاهة وحقوق الإنسان، وهي في حقيقة الأمر، لا تعبّر إلا عن درجة الانحطاط التي وصل إليها أولئك الناس، وعن مدى الأزمة التي يعاني منها الغرب وحضارته المغرقة في المادة من دون الروح، التي بدأت تفقد مبرّرات استمرارها.. إنه الانحطاط الأخلاقي والقِيَمِي، الذي يبرهن على أنّ قادة الغرب وزبانيتهم، ليسوا إلا زمرةً شاذّةً تتلاعب بمصير البشرية، وتسوقها إلى الدمار والهلاك على كل صعيد!..

لم تكن الصحيفة الدانماركية (يولاندز بوستن)، أول من استهزأ بقِيَمِنا وعقيدتنا الإسلامية منذ أكثر من سنتَين، ولم تكن الصحف الأوروبية التي اجترّت سفاهات الصحيفة الدانماركية كذلك.. أول من يمارس هذه السفاهة باسم حرية التعبير، من مثل الصحف: (ماغازينات) النروجية، و(فرانس سوار) الفرنسية، و(دي فيلت) الألمانية، و(لا ستامبا) الإيطالية وزميلتها (كوريرا ديلا سيرا)، و(فولكسكر انك) الهولندية، وغيرها.. فقد سبقتهم إلى تلك السفاهة جهات غربية عدة، لامتهان قرآننا وديننا، والإسفاف في التهجّم على إسلامنا.. وكلنا يعرف الهجمة الفرنسية على الحجاب الإسلامي في المدارس وأماكن العمل في تشرين الثاني 2003م، والغريب أنّ سفاهة الصحف الأوروبية الحالية تُصَنَّف لديهم في صنف حرية الرأي والتعبير.. بينما ارتداء الحجاب الإسلاميّ، يصنَّف بعيداً عن الحرية الشخصية!.. وفي كانون الثاني 2004م، وصف عضو الحزب الوطني البريطاني (نيك جريفن) الإسلامَ بأنه (عقيدة فاسدة)!.. وفي أيار 2005م دعا المذيع الأميركي (مايكل غراهام) إلى ضرب مكة المكرمة وتدمير الكعبة المشرَّفة.. بالسلاح النووي!.. وفي كانون الثاني 2006م، وصف المذيع الأميركي (بيل هاندل) الحجاج المسلمين في (مِنى) بأنهم قطعان من الماشية!.. فضلاً عن حوادث تمزيق المصاحف الشريفة وامتهانها، في العراق المحتلّ والكيان الصهيوني وغوانتانامو وباغرام الأفغان!.. (موقع الجزيرة نت الإخباري: الإساءات التي تعرّض لها الدين الإسلامي منذ عام 2000م، 1/2/2006م).

الأغرب من ذلك، أنه بعد الاحتجاجات العارمة التي عمّت العالَمين العربيّ والإسلاميّ، فقد استنكر سفهاء الغرب هذه الاحتجاجات، كما استنكروا حملات المقاطعة للبضائع الدانماركية.. وكأنّ الحرية قميص يتم تفصيله على مقاس أولئك المارقين الغربيين، وهي حكر عليهم لمهاجمة أغلى ما لدينا من مقدّسات.. بينما ممارسة حريتنا بطريقة التعامل مع بضائعهم، هو ضرب من العدوان عليهم وليست حريةً يمكن أن نتمتّع بها!.. فهل هناك انحطاط ونفاق أشد مما عند هؤلاء السفهاء؟!..

إننا حين نذكر بعض المواقف الغربية تجاه الإسلام والأمة الإسلامية.. لا نفعل ذلك لمجرّد الإحصاء والتسجيل الحسابيّ، وإنما للدلالة على أنّ المناهج الوضعية البشرية الغربية، قد أفلست بكل درجاتها ومستوياتها الأخلاقية والإنسانية والقِيَمِيّة، الأمر الذي أدى ويؤدّي إلى الظلم السافر، الذي يمارسه أصحاب تلك المناهج الوضعية على الإنسان وبحقّ الإنسانية!.. والظلم هو مفتاح النهاية للظالمين، والمِعوَل الذي يحفر قبور الجبّارين الآيلين إلى السقوط والاندثار بإذن الله.. وهذه سنّة من سنن الله - عز وجل -، أَودَعها ربّ العالمين في أرضه، وقدّرها على عباده، لأن الظلم والاستعباد والقهر والتعالي على الناس والحَطّ من قدسية مقدّساتهم وأديانهم وعقائدهم، هي التي تستنبت بذور الفناء والزوال، لمن يمارسها ويتّخذها وسيلةً ومنهجاً ثابتاً للسيطرة على البشرية، وللاستيلاء على كرامة الإنسان ومقدّرات الأمم والشعوب وعقائدهم وأديانهم!..

قادة الغرب العلمانيّ الصليبيون، يعتبرون أنّ الإسلام والمسلمين مصدر خطرٍ, عظيم، يهدّد مخططاتهم الاستعمارية وحضارتهم المادية.. لذلك فهم يعتبرون الصحوة الإسلامية أعظم خطرٍ, يهدّد مصالحهم!.. كيف؟!.. كيف يمكن لأمّةٍ,، حين تعود إلى فطرتها ودِينها، وتتمسّك بجوهر عقيدتها الإسلامية الأصيلة.. كيف يمكن لهذه الأمة حين تفعل ذلك، أن تهدّد مصالح الغرب ودُوَلِهِ الاستعمارية الكبرى؟!..

إنهم يعتبرون أنّ الصحوة الإسلامية، إذا ما تم توجيهها بشكلٍ, إيجابيٍ, يُعيد المسلمين إلى دِينهم وأصالتهم الإسلامية.. أنّ ذلك سيؤدي إلى توحيد البلاد الإسلامية على أساس الإسلام والأصالة الإسلامية، وبذلك تتهيأ الفرصة التاريخية لبناء دولةٍ, مسلمةٍ, قويةٍ, موحَّدة، وحضارةٍ, إسلاميةٍ, مستقلةٍ, متميّزةٍ, عن الحضارة الغربية، بل ستحلّ محلّ الحضارة الغربية الحالية الآيلة إلى الزوال، بعد أن بدأت عوامل انهيارها تهدّد المجتمعات الغربية الفاسدة، القائمة على المادية الصرفة، والظلم، والفساد الأخلاقيّ والقِيَمِيّ!..

لذلك فالتحدّي الذي يواجهه الغرب ومجتمعاته الهشة.. هو تحدٍ, حضاري في أساسه، ليس للقوّة المادية السياسية والعسكرية التي يمكن أن تنشأ عنه، إلا شأن ثانويّ.. فهذا الذي يجري الآن من عدوانٍ, سافرٍ, على ديننا وعقيدتنا ونبينا - صلى الله عليه وسلم -، ينشأ من جذورٍ, متجذّرةٍ, في عقلية الغرب الماديّ العلمانيّ الخاوي، وهو ينسجم تماماً مع خلفية الحقد على الإسلام، والعدوانية الأبدية تجاه المسلمين.. عند فهم هذه الحقيقة بوضوح، يمكن لنا أن نفسّر بسهولةٍ,، كل المواقف والإجراءات العدوانية الإعلامية والصحافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والفكرية، التي يتّخذها الغرب الصليبيّ ودُوَله ورجاله وحكّامه وقادة مجتمعاته ومثقفوه وإعلاميوه.. تجاه الإسلام والعالَم الإسلاميّ!..

إن ما يقوم به قادة الغرب وزبانيته، سواء بالإساءة المباشرة للإسلام، أو غير المباشرة بالدفاع عن السفهاء بحجة حرية الرأي والتعبير.. إن ذلك من أخطر العبث بمصير العلاقات الإنسانية، لأن الأمر لا يتوقف عند حدود الكراهية والعنصرية التي يمارسها الغرب علينا.. بل يتعدّى ذلك إلى العدوان السافر على أركان عقيدتنا وديننا، وعلى المكوِّن الأساس لحضارتنا، والأمر عندما يكون كذلك.. فإنه سيُطيح بالتعايش الإنسانيّ كله، وسيُشعل صراعاً دينياً عالمياً.. لن يكون الغرب في كل الأحوال هو المنتصر فيه.. بل سيكون المهزوم هزيمةً نكراء، لأنه ليس كمثل هذه الحرب ما يستنهض الشعوب الإسلامية من أقصى الأرض إلى أقصاها، وليس كمثل الإسلام والتضحية من أجله عند المسلمين..ما يستجلب النصر، ويردّ الكيد والمكر، ويسحق جحور السفهاء وأبناء السفاهات!..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply