قالت محدثتي معاتبة: لماذا سارعت بإرسال تلك المقالات التي تحدثت عن استهزاء الدنمارك برسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاملهم الله بما يستحقون من الجزاء أما كان من الأولى عدم نشر مثل هذه الأمور وإشاعتها بين الناس والعامة؟
تساءلت مندهشة: لماذا؟
قالت: لأننا في كل مرة لا نحسن سوى الاستنكار والندب..نتكلم ونتكلم..نغضب.. تحترق قلوبنا.. نفوسنا.. ويغشانا الألم والأسى من كل جانب ولا فائدة!
قلت: وماذا عن دعوات المقاطعة ورسائل الاستنكار وغيرها؟
قالت: وما الجديد في ذلك؟ في كل داهية وكل خطب يصيبنا نرى ونسمع دعوات المقاطعة ونتلقى الرسائل في جوالاتنا وبريدنا، وتنشر المقالات في صحفنا ومجلاتنا، والإعلام يتحدث في فضائياته، والشيوخ على منابرهم أيام الجمع وغيرها و.. و.. ثم ماذا بعد؟ إن كل مايحدث يشبه في نهايته فقاعة الصابون التي مهما علت وكبرت فإن مصيرها الزوال ولن يحس بها أو بنا أحد.. لنحفظ على الأقل ماء وجوهنا ولا نشيع اليأس والإحباط في نفوس العامة.
قلت: أبداً.. أبداً لا أوافقك فيما ذكرت.. إن المتأمل في حال مجتمعنا وأمتنا والشعوب العربية والإسلامية يدرك أن الليلة ليست شبيهة بالبارحة مطلقاً.
الخطب الذي وقع لم يكن يسيراً.. لم يكن مجرد رسومات بل أخذ مجرى التحدي السافر لحرمة خير البرية بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم -.. ولما طُولبوا بالاعتذار لووا رؤوسهم، وأعرضوا وأصرواº غطرسة وكبرياء وتشدقوا بأوهى الحجج.
وهم بفعلتهم المخزية.. تناولوا رمز الدين وسيد الأنبياء.. ولو كانت شخصية غير شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لهان الخطب، لكنهم كما يقال قد بدأوا برأس السلم فلم يتركوا للمسامحة والإغضاء منا موضعاً.
في الماضي.. حينما كانت مثل هذه الحوادث تطل برأسها القبيح علينا.. لم يكن أمام المرء إلا متابعة الأخبار أو التحدث عما حصل مع أصدقائه أو بعض أهله.. من باب التنفيس وحتى لا يكون مع القوم الذين ذكرهم الحبيب - صلى الله عليه وسلم - في حديثه.. "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، لكن ماذا عن اليوم؟
تكون في مكتبك جالساً تتصفح الإيميل الخاص بك فتصلك عشرات الرسائل من أشخاص ومن مجموعات بريدية تطلب منك وبضغطة زر واحدة أن تضم صوتك لصوتهم، وتشترك معهم في إرسال مثل هذه الرسائل التي فيها الاستنكار والشجب، وقد كتبوا لك النص جاهزاً باللغتين العربية والإنجليزية، ووضعوا لك العناوين والروابط والهواتف والفاكسات!
وتصلك قوائم بالبضائع والمنتوجات التي يراد منك مقاطعتها، وقد وضعوا لك البدائل عنها.. وربما أضافوا لذلك لغة الأرقام من حيث الجدوى من المقاطعة، وماذا سيجني أصحاب تلك البضائع إن لم تمنع عنهم مالك الحلال الذي هو رزق رب العالمين ساقه وابتلاك به وجعلك مستخلفاً فيه؟
وتكون في سيارتك.. في بيتك.. بين أولادك وأسرتك.. فتصلك رسائل أخرى على جوالك تخبرك بما حدث ويحدث، وتطلب منك الدعاء والنصرة.. وقد تحمل تلك الرسائل الإعلان أو الحث على متابعة برنامج على إحدى الفضائيات حتى تتمكن من متابعة ما يدور.. ويدعوك مرسلها إلى نشرها لتحصل الأجر والثواب.
ثم تأتي إلى التلفاز لتفتحه وتقلب قنواته فتجد محتوى تلك الرسائل وفحواها هي قضية الساعة.. وترى وتسمع تلك المداخلات والاتصالات وتلك الأسئلة والاستفتاءات.. والاحصائيات والتقارير والتصويتات.. والاستضافات والاستشارات وغيرها من أمور تجعل الدم حاراً يجري في العروق.. والنفَس القوي يتردد في الصدور.
وتنزل لمقر عملك فتجد رفاقك ورئيسك في العمل والخادم الذي يدور بالقهوة والشاي.. كلهم قد تركوا أحاديث الدنيا، وأخذوا يتناولون الحدث الساخن بالتحليل والتنظير والاستقصاء.
وتزور قرابتك وتصل رحمك وتسلم عليك خالتك أو عمتك فيأتي هذا الحديث متصدرا وغالبأ على كل الأحاديث، حيث إن الدينا كل الدنيا تتحدث عنه.
الأمة بكل أطيافها وتنوع مشاربها.. صالحوها وطالحوها.. شيوخها وشبابها.. نساؤها وأطفالها.. كأنما اجتمعوا على قلب رجل واحد.. صار هناك حديثٌ مشترك يجمعهم.
إن العاقل فقط من يحسن الاستفادة من مثل هذه الأمور.. الأب مثلاً عليه أن يشرك زوجته وأبناءه الكبار في متابعاته وقراءاته اليومية ولا يجعل ذلك حكراً على أصحابه ورفاق عمله.. والأم العاقلة تجد في مثل هذه الخطوب حديثاً يجمعها بابنتها المنشغلة عنها بصويحباتها أو ما شابه.. والأطفال المشاغبون المشاكسون الذين لا يكفون عن الجري والصراخ أو الإدمان على التلفاز إن جلس بينهم عاقل وحدثهم بلغة بسيطة سهلة عما يجري لوجدوا في هذا الحديث ليس فقط شاغلاً يشغلهم.. بل قيماً تربوية رائعة تترسخ في نفوسهم وتوقد الحماس في قلوبهم..
ومضة:
لعل من الحكم الربانية أن يصدر هذا الفعل القبيح من الدانمارك بعد بث برنامج "على خطى الحبيب" في رمضانº حيث امتلأت النفوس بحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد