الحمد لله، والصلاة والسلام على محمَّد وعلى آله وصحبه، أما بعد.
فقد اشتهر عند الإخوان وعند غيرهم أمر دولة الدنماركº وهي دولة صغيرة، دولة حقيرة، ولكن حملتها الغطرسة والكبر والحقد على الإسلام والمسلمين على هذه الأعمال السيئة، التي أعلنتهاº ومنها: السخرية والاستهزاء بالنبي الكريم، أشرف الخلق محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وتماديهم في هذا الأمر الذي هو هذه السخرية. ولا شك أنَّ هذا يثير حفائظ المؤمنين، أهل الخير...أهل الإيمان، الذين يحبّون النَّبي - صلى الله عليه وسلم -.ويجب أن نكون كذلك، أن نكون، جميعاً، نحبٌّ نبينا - صلى الله عليه وسلم - كما أمرنا بذلك وفرضه علينا: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والنَّاس أجمعين)). هذا كلامه - صلى الله عليه وسلم -. ولمَّا قال له عمر - رضي الله عنه -: والله، يا رسول الله، إنك أحبّ إلي من كلِّ شيءٍ, إلا من نفسي، فقال: ((لا يا عمر، حتى أكون أحبّ إليك من نفسك)) فقال في الحال: والله إنك أحبّ الي من كلِّ شيء حتى من نفسي! فقال: ((الآن يا عمر)).
وقد صدقت محبّة الصحابة - رضي الله عنهم - لنبيهم - صلى الله عليه وسلم -. وإذا كان كذلك، فإنّهم يحبون من أحبّه، كل المؤمنين يجب أن يحبّوا أحباب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن يبغضوا من أبغضه.
ومن آثار البغض:
أن يقاطعوا أولئك الدول الذين سخروا من سنته، واستهزؤوا بسيرته، وتنقصوه. كان الواجب، من آثار هذه الغيرة، وهذه الحماسة: أن يقاتلوا!!! أن نقاتلهم، وذلك لأنهم أصبحوا محاربين، فليس لهم ذمَّة، وليس لهم عهد، وليس لهم أمان.
فيجب أن يقاتلهم المسلمون، ولكن قد لا يُستطاع... مع نظام الدول... واعتراف الدول الكبرى والصغرى ببعض... أدى ذلك إلى أنهم لا يستطيعون القتال في هذه الأحوال، وإذا كان كذلك، فإنّ الله - تعالى -قد حرَّم موالاة الكفّارº ومن موالاتهم: مصادقتهم، أو مؤاخاتهم، أو إعزازهم، أو الرفع من شأنهم، أو نحو ذلك.
وقد اهتم بهذه المقاطعة أئمة الدعوة، - رحمهم الله -، بالبعد عن توليهم، فألف الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمَّد بن عبدالوهّاب، - رحمه الله -، رسالة كبيرة، سمَّاها: ((أوثق عرى الإيمان)). كذلك ألف كتاباً آخر، فيه واحد وعشرون دليلاً من أدلة القرآن والسنة على تحريم موالاة الكفّار، ابتدأ الأدلة بقوله - تعالى -((ولن ترضى عنك اليهود ولا النّصارى حتى تتبع ملتهم)). وذكر من الأدلة قوله - تعالى -((لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين)). وقول الله - تعالى -((لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يؤلونكم خبالاً)). وقوله ((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً)).
وقوله - تعالى -((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنَّصارى أولياء بعضهم أولياء بعض)). وقوله - تعالى -((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفَّار أولياء واتقوا الله)).
وقوله ((ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنَّبي وما أُنزل إليه ما اتخذوهم أولياء)). فهكذا يكون المؤمنون حريصين على أن لا يتولوا جميع الكفّار.
وألف في ذلك الشيخ حمد بن عتيق، - رحمه الله -، رسالة بعنوان: ((بيان النّجاة والفكاك من موالاة أهل الإشراك)).
ومما نقله عن بعض العلماء، بعض السلف: أنهم قالوا: من برا لهم قلماً، أو لات لهم دواة، أو ناولهم قرطاساً فقد دخل في هذه الموالاة.
وتكلم على ذلك، أيضاً، ابن القيّم، - رحمه الله -، في كتابه الذي سمَّاه: ((أحكام أهل الذمَّة))، تكلم على استخدام الكفَّار، وكذلك توليتهم شيئاً من الولايات التي لها أهمّيّة.
وتكلم على ذلك، أيضاً، محمَّد بن مفلح، - رحمه الله -، في كتابه الكبير: ((الآداب الكبرى)) و((الآداب الشرعيَّة))، وذكر ما رُوي عن بعض الصحابةº ومنهم: عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه -، لمَّا كتب له أحد عمَّاله: إن عندنا كاتباً لا نستطيع الاستغناء عنه، فقال: لا ترفعوهم بعد أن وضعهم الله، لا تعزوهم بعد أن أذلهم الله، لا تكرموهم بعد أن أهانهم الله، لا تقربوهم بعد أن أبعدهم الله.
ولما كتب له آخر: إننا لا نستغني عن هذا الكاتب، كتب إليه سطراً واحداً، أو أقل: مات النَّصراني، والسلام.
أي قدِّر أنَّه مات، فهل يتعطّل المكتب؟
والكلام على هذا مشهور، وكثير في كلام العلماء وبالأخص: أئمة الدعوة، - رحمهم الله -. ولكن، نحن فيما يتعلق بهذه الدولة، وكذلك الدول التي تحامت معها، والتي نصرتها، أو أيدتها، أو نحو ذلك، فنقول:
إنَّ الواجب: إبعاد كلِّ دولة، أو الابتعاد عن كلِّ دولة يكون لها سبب في تحقير الإسلام والمسلمين، وفي إهانة الإسلام والمسلمين، وفي الاستهزاء بالنَّبي الكريم، ونحو ذلك بقدر المستطاع.
وحيث إنَّ مقاطعة منتجاتهم مما يسبب ضعف اقتصادهم، ومما يسبب إنكسارهم، وتأثرهم بذلك فإن هذا هو المستطاع.
وليس المسلمون بحاجة إلى منتجاتهم، ومنتجاتهم ليست من الضروريّات، الأجبان والألبان وما أشبهها موجودة والحمد لله، وأيضاً، لا يتوقف الغذاء عليها، الأكثرون عاشوا وهم لا يعرفون الأجبان، الجبن هذا، نحن عشنا في القرى عشرين وثلاثين سنة، وعاش آباؤنا، ولم نعرف ما يُسمّى ب ((الجبن))، هناك اللبن الذي يحلبونه من الأبقار والأغنام والإبل ونحوها، ولا يزال، ولله الحمد، موجود... موجودة في المملكة هذه الألبان الكثيرة، فتغني عن استقدام شيء من هذه الدولة الكافرة الفاجرة.
وإذا قال بعضهم: إننا نضرّ بتجار مملكتنا، الذين لهم مصلحة كبيرة من هذا الاستيراد، ومن هذا الإنتاج حيث إنهم يربحون أرباحاً طائلة بإيراد هذه المنتجات.
فنقول:
أولاً: إنهم يستطيعون أن يصرفوا رؤوس أموالهم في سلع أخرى غير هذه المنتجات.
وثانياً: إنهم أغنياء، بحمد الله، ولن يسبب إنكسارهم، ولا فشلهم، ولا هبوط رؤوس أموالهم، فعندهم ثروات كبيرة، لا يؤثر فيها إذا قطعوا الاستيراد من هذه الدولة، لا يؤثر في اقتصادهم، ولا في تجاراتهم.
نقول:
إنَّ المسلمين متى ما تعاونوا في جميع الدول الإسلاميّةº العربيَّة وغير العربيَّة، وقالوا: هذه دولة كافرة تستهزىء بنبي الإسلام، ونحن جميعاً نحبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونستاء ونغضب ممن يغضبه، أو من يحقره، أو من يستهزىء به، وإذا كان كذلك، فلابدّ أننا نجتمع على مقاطعتها إن لم نقدر على قتالها حيث انتقض العهد الذي بيننا وبينها، فلا أقلَّ من أن نوصل إليها شيئاً من الضرر الذي بإمكاننا واستطاعتنا، إذا تواصت الدول الإسلاميَّة كلٌّها، بعيدة أو قريبة، على هذه المقاطعة، فإن هذه الدولة ستخسر كثيراً، وإذا لم تخسر الدولة نفسها خسرت الشركات التي لها إنتاج ولها إيراد وتصدير، سواء هذه الشركة التي استثنيت، أو غيرها.
هذه الشركة شركة من أكبر الشركات في تلك الدولة، ويسمونها ((آرلا)) هذه الشركة، لا شك أنها عندما رأت هذه المقاطعة، خافت أن تكسد وأن تخسر وأن تتأثر تأثراً بليغاً، فأظهرت هذا النَّدم، وأظهرت هذا التَّأسف، وتفاعلت مع الدول الإسلاميَّة، وأوهمت أنها لم ترض بذلك.
فنقول:
لما كانت شركة دنماركيَّة، ولما كان يغلب على الظن أن ما فعلته، أو ما أعلنته، أنَّه دعاية، أو حيلة لاستقطاب أموال المسلمين، ولاسترجاع معاملتهم لها، فإننا لا نقبل اعتذارها.
إذا كانت صادقة فلتفرض على الدولة كلها، وعلى الشركات كلّها أن يتبرؤوا مما عملوا، وأن يتراجعوا، وأن يظهروا النَّدم على ما فعلوه، وأن يعتذروا، فإذا لم تفرض ذلك، ولم تعمله فإنها ليست صادقة.
فالواجب على جميع الدول الإسلاميَّة أن يقاطعوا جميع المنتجات وجميع الشركات التي تنتمي إلى هذه الدولة الكافرة.
لعلهم أن يضعف اقتصادهم.
ولا يُقبل منهم اعتذار إلا إذا أعلنت الدولة كلٌّها ذلك. أما شركة واحدة من عدد شركات فلا نقبل منهم.
الواجب أن ننصح التّجار الذين كأنهم تراجعوا، وأن نبيّن لهم أنَّ هذا ليس بصحيح عن اعتذار هذه الشركة... أن ننصحهم حتى يُعلنوا أنهم على المقاطعة مستمرين. هذا الذي نراه.
عُقد مؤتمر، قبل أيّام، في البحرين، وكان من جملة من حضر بعض المشايخ من المملكة ومن غيرها، وكأنهم انخدعوا بما قالته هذه الشركة، فتجاوبوا معها، وقالوا: نشير باستثنائها.
وجاءنا بعض من حضروا، وحاولوا أن نقتنع باستثنائها، وأن نستثنيها ولكن ما ظهر لنا مبرر. فالواجب أن ننصح الجميع قريباً أو بعيداً بأن يستمروا بما هم عليه حتى يكونوا بذلك: مبغضين للكفَّار، معادين لأعداء الدين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد