الحمدُ للهِ وبعدُº
قال - تعالى -: " قَالَ أَوسَطُهُم " [القلم: 28].
قَالَ اِبن عَبَّاس، وَمُجَاهِد، وَسَعِيد بن جُبَير، وَعِكرِمَة، وَمُحَمَّد بن كَعب، وَالرَّبِيع بن أَنَس، وَالضَّحَّاك، وَقَتَادَة: " أَي: أَعدَلهم ". · وقال القرطبي: " أَي: أَمثَلهم وَأَعدَلهم وَأَعقَلهم ".
انطلقت شرارةُ المقاطعةِ الشعبيةِ للمنتجاتِ الدنماركيةِ من بلادِ الحرمين، وكان لتحركِ الدولةِ على أعلى المستوياتِ أثرٌ عظيمٌ، فظهرت حقيقةُ المحبةِ للنبي - صلى الله عليه وسلم - من خلالِ النصرةِ له سواء على المستوى الشعبي أو الحكومي - ولله الحمدُ والمنةُ -، وفي هذا ردُّ على دعاوى المناوئين للدولةِ والذين يقولون: " أنتم لا تحبون رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -! "...سبحانك هذا بهتانٌ عظيمٌ.
ومن خلالِ حملةِ المقاطعةِ ظهر من المحبٌّ الحقيقي للنبي - صلى الله عليه وسلم -! فسكت المدعون لمحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وآل بيتهِ من أصحاب الموالدِ السنويةِ والمحبةِ الدوريةِ، وأصحاب ضربِ الصدورِ وشقّ الجيوبِ، وجاءت استجابتهم متأخرةً حياءً لئلا يقول الناسُ: " تفاعل من ترمونهم بأنهم وهابية وأنهم لا يحبون النبي صلى الله، وسكتم أنتم في حين أنكم تزعمون محبةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وآل بيته! "...
ويوجد من عقلاءِ القومِ من ينطقهُ اللهُ بالحقّ، ويبينُ من المحب الحقيقي للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فأنطق اللهُ مِن أوسطهم من تكلم بالحقيقةِ، وهو من تربى على الموالد النبويةِ، فكان منصفاً وسطاً عاقلاً....
بارقة
عبد العزيز محمد قاسم
تفجَّرت مشاعر الامتنان والراحة في داخلي، وبين يديّ عشرات الآلاف من الأسماء والفاكسات والرسائل ورسومات الأطفال والقصائد التي بعث بها غيورون دعماً لحملتنا في الدفاع عن رسولنا الكريم، بيد أن تلك المشاعر زايلتني لتحلّ محلها الحيرة والأسف والشعور بالذنب والتقصير تجاه هؤلاء الإخوة، وقد وقفت عاجزاً أمام محدودية الصفحات التي لا تستوعب أبداً كل هذه المشاركات التي فاضت حروفها حبُّا لسيد البشر، وتوهجت بصدق العاطفة والتدين الفطري، فليسامحني أولئك، وليلتمس لي العذر كل من لم أنشر له، وخصوصاً ذلك الشاعر الذي أتى من جازان خصيصاً لتسليمي قصيدة، أو تلكم الزهرات الصغيرات اللواتي بعثن برسائل بالكاد أقرؤها، أو تينكم الأخوات اللواتي كتبن نصرة ودفاعاً، لكل أولئك وغيرهم لا أملك سوى أن أردّد ها أنا: أسأل الله أن يتقبل منكم هذه النصرة، وأن نجتمع كلنا عند حوض من دافعتم عنه، وأخذتكم الغيرة له، ونصرتموه بما في أيديكم وما تستطيعونه.
هاتفني صديق قديم من مكة، وقد تهدّج صوته يشكر لملحق (الرسالة) هذه الحملة، ومحتفياً بهذا الحبّ العريض الذي يطالعه في كل أرجاء الوطن للحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ولأنّ صديقي رجل أكاديمي، تزاملت معه أيام دراستي الجامعية وأكمل دراساته العليا، فقد تكوّنت لديه الروح العلمية وموضوعية التناول والتفكير، وبالتالي فقد عبّر لي بتلقائية شديدة بأن قناعاته التي تربّى عليها من أنّ المدرسة السلفية لا تحبّ الرسول الكريم ولا توقره قد تبدّدت تماما، مضيفا: كنا ننعت هؤلاء الوهابية بعدم حبهم للرسول، وقد فوجئت بهذا الحماس والحبّ المستفيض لجناب المصطفى، بل حتى قناة (المجد) التي نصمها بالوهابية، كانت هي السبّاقة في الدفاع عن نبينا.
تمتمت بيني وبين نفسي: ليت بقية أحبتي من ذلكم التيار يتحلّون بهذه الروح المنصفة، وبادرته: آفتنا جميعا في محاضننا الفكرية، هي تلك الأحكام المسبقة والتلقينية المتوارثة جيلاً بعد جيل، بحيث لم نشعر بالفرق الهائل والتطور الفكري والانفتاح الذي حصل لكل التيارات، ولا زلنا واقفين عند تلكم الأحكام التي انتظمتها سياقات تاريخية وسياسية قاسية، ولا زلنا نلوكها ونردّدها في محاضننا دون أي تناول موضوعي منصف أو روح علمية محايدة تنتبه للتطور والانفتاح الذي ينحو للوسطية التي يرومها المجتمع وولاة الأمر.
ومن باب الإنصاف هذا، أودّ أن أشيد بكل تلك الأقلام التي كانت مصنـّفة ضمن الكتبة الليبراليين، وللحقيقة، فكثيرون منهم تبدّت أصالتهم، وانتفضوا وكتبوا دفاعاً وغيرة لرسولهم، وانتبهوا إلى ميكافيلية الغرب ونفاقه في مسألة حرية التعبير، فلهم كل الشكر على دفاعهم، ولعلّ هذه الأزمة تجعلهم يعيدون تقييم موقفهم من باقي التيارات وخصوصا التيار الإسلامي المحلي، في وقت يحتاج هذا الوطن المتمدّد في أحداقنا أن تتقارب رؤانا، وأن تتحد جهودنا وتتكامل في ظرف تاريخي حسّاس نمرّ به، وقد وُضعنا تحت مجهر العالم وبصره، ولنمدّ أيدينا لكل فكر وسطي همّه مصلحة الوطن والأمة، ولندر ظهورنا لأولئك الذين لا زالت تسكنهم أدبيات القبيلة المتخلفة، وينادون بالثارات واجترار الماضي بكل مآسيه لتضييع أوقاتنا وجهودنا في تصفية حسابات فكرية، دون أدنى شعور بالمسؤولية والحميّة الوطنية..
يبقى أخيراً، بأن هذه الأزمة وإن كشفت المعادن الأصيلة لبعض الكتّاب الليبراليين، فقد كشفت في المقابل مدى وضاعة بعضهم، وقد جعلوا من الغرب وفكره كعبتهم المقدسة، ولم يخجلوا من التجديف في هذه الهبّة الشعبية المباركة لنصرة الرسول الأعظم، والتهوين من هذه الجريمة البشعة بزعم أنّ محمداً وخلفاءه ما هم إلا بشر، وأننا نحن من أضفينا عليهم صفة القداسة، وهؤلاء الليبراليون هم أنفسهم الذين تباكوا وصرخوا، وأقاموا الحسينيات الزاعقة، وذرفوا الدموع أنهاراً، وأمطرونا بمقالات الهجوم على البرابرة والوحشيين والمتخلفين الذين هدموا تماثيل باميان في أفغانستان..
شيئاً من الحياء أيها السادة، وأنتم اليوم ترون رأي العين ميزان إلهكم الغربي ينقلب رأساً على عقب بين الهولوكست وأزمة الرسوم المسيئة، أيها السادة، عفواً لقد انكشفت معادنكم أمام المجتمع وولاة الأمر.. فكلكم الجلبي وقرضاي وإن تسترتم طويلاً..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد