اعتاد الإعلام الغربي تصوير الحياة كلها بمنظر العبثية والفوضوية، ليس لأن العالم هو نتاج هذين الشيئين، بل لأن الخواء الروحي الذي يعيشه أولئك الغربيون، يريد أن يُلقي بثقله على الحياة بأجمعها،
إيثارا للراحة والدعة على السؤال والبحث الفلسفي العميق الذي صار آخر ما يُفكّر فيه أولئك الذين قصرت بهم عقائدهم المُحرّفة عن الوصول إلى الحق، بينما أصيب الإسلام في واقعنا بضربات موجعة بفعل الوضع المأساوي الذي يعيشه أبناؤه، وكذا بفعل التشويه الكبير الذي يتعرض له من قبل مختلف وسائل الإعلام الغربية، على أساس أنه دينٌ يحوي مجموعا من العقائد الفاسدة التي تدعو إلى إحراق الأرض بمن فيها، طمعا في نيل لذات جسدية يحصل عليها المسلم في الجنة! وهكذا تصبح مباحث ما وراء الطبيعة هي آخر ما يهمٌّ عالم ما وراء الضفة.
وبهذا التفكير العبثي، تم نشر صحيفة جيلاندر بوستن الدنماركية لرسومات كاريكاتورية، تنال بالوصف المشين نبي الإسلام محمدا - صلى الله عليه وسلم -.وبعيدا عن كل التبريرات التي حاول مسؤولو الصحيفة تقديمها، وفي مقدمتها أنهم أرادوا أن يستشعروا مدى تقديس المسلمين لنبيّهم لأن بعضهم واجه صعوبات لعدم وجود رسام مسلم يقبل برسم صورة للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - من أجل كتاب دنماركي يتناول سيرته الشريفة بعيدا عن كل ذلك، كان إصرار الجريدة على عدم الاعتذار للمسلمين بسبب جرح مشاعرهم ورفض رئيس الحكومة الدنماركي استقبال سفراء دول العالم الإسلامي إحدى نقاط التحول التي أخذتها هذه القضية.
وبما أنه وراء كل سفيه شيطان، فإن صحيفة ماغازينات النرويجية، أعادت نشر هذه الصور بدعوى حرية التعبير التي يعتبرها الغربيون واجبا يفوق بقداسته قداسة الله - سبحانه وتعالى -، وانفرط العقد بعد تنديد المسلمين ورفع شعار المقاطعة الاقتصادية للدنمارك، حيث نشرت صحيفة فرانس سوار الرسوم الدنماركية، ثم نشرت صحيفة دي فلت الألمانية إحدى الصور على صفحتها الأولى، كما نشرتها صحيفة البريد الدولي الفرنسية ثم صحيفة تريبون دي جنيف السويسرية، ونشرت صحيفة لو تون ـ الوقت السويسرية هذه الرسومات، وأضافت إليها رسما يهين النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونشرت صحيفة لوموند الفرنسية في صفحتها الأولى صورة لوجه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، مستعملة بدل خطوط القلم العادية جملة استهزائية مكررة هي:عليّ ألاَّ أرسم محمدا، إضافة إلى مقال افتتاحي يُدين تقييد حرية التعبير بدعوى الدين. ولكن هذه الدعاوى الفارغة التي تحمل بين ثناياها مصطلحات من جنس الديمقراطية وحرية التعبير، وهي عبارات تُشهَر كبطاقات حمراء في وجه كل المطالبين بإبقاء الدين بعيدا عن لعبة الاستهزاء القذرة التي اعتادها الفكر الغربي الحديث انطلاقا من فلسفات نيتشه ووصولا إلى وجودية سارتر، تفقد هذه الدعاوى كل بريقها بمجرد اصطدامها بانتقاد التصرفات المخزية لليهود، بل وعند التشكيك في حجم محرقة الهولوكوست التي أضحت عند قتلة الأنبياء صناعة تُدرّ عليهم الغنائم الوفيرة. ويكفي التذكير في هذا المقام بكتاب المفكر الفرنسي روجيه غارودي الذي وسمه بـالأساطير المؤسسة للدولة الإسرائيلية، حيث حوكم صاحبه وصودر كتابه بتهمة معاداة الساميّة.
قد يرى البعض أن وراء هذه التصرفات الفاضحة زُمَرًا من الصليبيين الحاقدين أو كوكبةً من الصهاينة الذين وسموا أنبياءهم بشتى القبائح والمخازي التي يتعالى عنها رسل الله إلى البشر، وهم رسل يزعمون أنهم آمنوا بهم، فما بالنا نحن بالرسل الذين كذبوهم وحاربوهم! بينما يرى البعض الآخر أن القضية لا ينبغي لها أن تأخذ الحجم الذي أخذته، لأنها قد تكون مصيدة يتم من خلالها استدراج المسلمين إلى مظاهر تخفى بسببها حقائق كثيرة تُحاك هذه الأيام، وما أكثر تعوّدنا على التحرك بردود الأفعال.
ولكن، ينبغي لنا أن نُدرك أن صراع العقائد كان ولا يزال أهم مظهر لهذه الحضارة الجوفاء التي يُرفع فيها شعار حوار الحضارات أو حوار الأديان، بينما يوحي كل شيء بأن المسلمين هم وقود حرب آخر الزمان هرمجدون التي يؤمن بها الصليبيون، بدءا من بوش وزمرة المحافظين الجدد، وانتهاء بعموم المواطنين الغربيين الذين أصبح كثير منهم مستهلكين من الطراز الأول لأفلام هوليوود وإعلام روبرت مردوخ. وفي خضم هذه الحرب، نعلم أنه لا شيء أشرف من كرامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه آخر الحصون التي بقيت ملاذنا بإذن من الله - سبحانه -، بعد أن سقطت كل حصوننا في معارك الشرف والنزاهة والمعرفة. وأنه إن مُسّ اسمه بسوء، وهو الطاهر المُطهّر، فإن العالم بأسره سيشهد ما ستُسفر عنه هذه الحرب القذرة.
وعلينا أن نعي أن الجناب النبوي أعظم وأشرف من أن تناله حفنة من التائهين في ميدان الحياة بسوء، كما أنه أعظم وأشرف من أن يبقى رهينة سياسات عربية مهترئة تكره اليوم وترضى بضغوط أمريكية غدا، لأن معركة الرسول هي معركة كل المؤمنين، تائبين كانوا أم عاصين، مخلصين كانوا أم مُرائين، سُنِّيِّين كانوا أم مبتدعين. وهي معركةٌ ميدانها كُلٌّ الميادين، من السياسة إلى الاقتصاد، مرورا بالفكر والفلسفة. ولئن تذرّع بعضهم بعبثية مَن نشر هذه المخازي دون وعي عميق لما يمكن أن تؤول إليه، فإن الزمن قد حان ليعلم العابثون أن ما يكتبونه تحت وطأة الخمر والأقراص المهلوسة يُمكن أن يتحوّل إلى نار تُحرقهم في الدنيا قبل الآخرة
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد