امتلأت أسماعنا وأعيننا بأخبار عن رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وإساءة صحف وإعلام الدانمارك لشخصه الكريم، وهاجت الدنيا وماجت بكثير من ردود الأفعال، وملأ الغضب الشارع في مختلف البلاد الإسلامية وغير الإسلامية.
ونحن هنا نرجع هذا الفهم الخاطئ والتصور المشوّه عن شخص حبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وإظهاره في رسوم لا تليق به إلى أن الفكر الإسلامي غير واضح في أذهان الكثير وخاصة في العالم الغربي، وكان من الطبيعي أن يكون رد فعلنا تجاه ما سمعنا ورأينا من تشويه لصورة النبي - صلى الله عليه وسلم - هو تصحيح هذا الفكر بالفكر المضاد له، وبما تخطه أيدينا في المقال تحت عنوان: 'اعرفوه قبل أن ترسموه'، فتابعوا معي.
وهي دعوة لقراءة سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتعليمها لأولادنا وفتيات الصحوة الإسلامية.
وفي هذا المقام فرصة كبيرة للتأمل في سيرة رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، وإعطاء المثل الأعلى والقدوة، وهو ما يفتقده شبابنا الذي تملأ عيناه قدوات زائفة بعيدة كل البعد عن المنهج الرباني الذي أراد الله لعباده.
إن دراسة الهدي النبوي له أهميته لكل مسلم ومسلمةº فهو يحقق عدة أهدافº من أهمها: الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خلال معرفة شخصيته وأعماله وتقريراته، وتكسب المسلم والمسلمة محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وفيها أيضًا يتعرف المسلم على حياة الصحابة الذين جاهدوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتدعو هذه المعرفة لمحبتهم والسير على منهجهم واتباع سبيلهم.
إن سيرته الشريفة توضّح للمسلم حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتفصيلها منذ ولادته حتى موته، مرورًا بطفولته وشبابه ودعوته وجهاده وصبره وانتصاره على عدوه، وتظهر أنه كان زوجًا وأبًا وقائدًا ومحاربًا، وحاكمًا وسياسيًا ومربيًا وداعية وزاهدًا وقاضيًا...
وعلى هذا فكل مسلم ومسلمة يجد فيها ما يطلب:
فالداعية: يجد في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أساليب الدعوة ومراحلها، والوسائل المناسبة لكل مرحلة، ويستشعر الجهد العظيم الذي بذله رسول الله من أجل إعلاء كلمة الله.
ويجد المربي: دروسًا نبوية في التربية والتأثير على الناس بشكل عام وعلى أصحابه الذين رباهم على يديه، فأخرج منهم جيلاً قرآنيًا فريدًا، وكوّن منهم خير أمة أُخرجت للناسº تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله. ولا ينصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
ويجد القائد المحارب: في سيرته - صلى الله عليه وسلم - نظامًا محكمًا ومنهجًا دقيقًا في فنون قيادة الجيوش والقبائل والشعوب والأمة، فيجد نماذج في التخطيط واضحة، ودقة في التنفيذ، وحرصًا على تجسيد مبادئ العدل والشورى بين الجند والأمراء والراعي والرعية.
ويتعلم السياسي: كيف يتعامل مع أشد خصومه السياسيين المنحرفين كرئيس المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول، الذي أظهر الإسلام وأبطن الكفر، وكيف عامله الرسول وصبر عليه وعلى حقده ومؤامراته ضده حتى ظهرت حقيقته للناس فنبذوه جميعًا.
ويجد العلماء: ما يعينهم على فهم كتاب الله لأنها - أي السيرة - هي المفسرة للقرآن الكريم في الجانب العملي.
ويجد فيها الزهاد: معاني الزهد وحقيقته.
ويتعلم المبتلون: أسمى درجات الصبر والثبات، فتقوى عزائمهم على السير في طريق الدعوة وتعظيم ثقتهم بالله - تعالى -، واليقين أن العاقبة للمتقين.
وتتعلم الأمة: من السيرة الكريمة الآداب الرفيعة، والأخلاق الحميدة، والعقائد السليمة، والعبادة الصحيحة، وسمو الروح، وطهارة القلب، وحب الجهاد في سبيل الله وطلب الشهادة في سبيله، ولهذا قال علي بن الحسن: 'كنا نُعلَّم مغازي النبي - صلى الله عليه وسلم - كما نُعلَّم السورة من القرآن'.
يقول الزهري: في علم المغازي علم الآخرة والدنيا.
وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله وسلم يعدها علينا ويقول: هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها.
قال الشاعر:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامع
أيها الأخ الكريم:
إن الضعف الإيماني والجفاف الروحي والتخبط الفكري والقلق النفسي والشتات الذهني والانحطاط الخلقي الذي أصاب المسلمين سببه الفجوة الكبيرة التي حدثت بين الأمة والقرآن الكريم والهدي النبوي الشريف، وعصر الخلفاء الراشدين.
إن تأخر المسلمين اليوم عن القيادة نتيجة منطقية لقوم نسوا رسالتهم وحطوا مكانتها، وأهملوا السنن الربانية، وظنوا أن التمكين قد يكون بالأماني والأحلام.
وقد قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بتحقيق شروط التمكين، فحققوا الإيمان بكل معانيها وكافة أركانه، ومارسوا العمل الصالح بكل أنواعه، وحرصوا على كل أنواع الخير وصفوف البر، وعبدوا الله عبودية شاملة في كافة شئون حياتهم.
وحاربوا الشرك بكل أشكاله وأنواعه وخفاياه، وأخذوا بأسباب التمكين المادية والمعنوية على مستوى الأفراد والجماعات حتى أقاموا دولتهم في المدينة، ومن ثم نشروا دين الله بين الشعوب والأمم.
ولم يلتحق حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى إلا بعد أن ترك قدوة للأمة ولمن أراد الاقتداء في كل مجال في الدعوة والتربية والثقافة والتعليم والجهاد وكافة شئون الحياة، ويرى الجميع من خلال سيرته العطرة صفاته الحميدة أيضًا.
كما قال عنه حسان بن ثابت - رضي الله عنه -:
وأجمل منك لم ترَ قط عيـني *** وأفـضل منك لم تلدِ النساءُ
خُلقت مبرّءًا مـن كل عيب *** كأنـك قد خُلقـت كما تشاءُ
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد