عن المسلمين في النرويج والإساءة إلى مقام الرسول وضرورة التفريق بين الحالتين النرويجية والدنمركية 1- 2


 

بسم الله الرحمن الرحيم

من الواضح أن هنالك خلطاً عند جانب مهم من المسلمين بين ملابسات الإساءة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنمرك والنرويج, وهذا الخلط هو سبب عدم تمييز الجماهير المسلمة التي خرجت غاضبة في بعض ديار الإسلام بين السفارات الدنمركية والسفارات النرويجية, والبعض لا يفهم لماذا تقاطع البضائع الدنماركية دون النرويجية!

وهذا الخلط غير موفقº إذ قد يضر بمصالح المسلمين، ويخدم مخططات المتربصين أحياناً دون قصد، مع العلم أنه لم تخرج إلى حد الآن أية مسيرة في النرويج للتنديد بالإساءة إلى النبي الكريم، وهي البلد الثاني الذي نشرت فيه الرسوم المجرمة والهابطة, فضلاً عن أنها مجاورة للدنمرك، وتجمعها بها وشائج تاريخية وثقافية ولغوية وسياسية, لذلك رأيت لزاماً توضيح المفارقة بين الحالة الدنمركية والحالة النرويجية, وبرودة رد فعل المسلمين في النرويج التي أرى أنها ترتبط بثلاثة عوامل تميز الحالة النرويجية عن الدنمركية على تفاوت في مدى أهمية كل عامل من هذه العوامل بالنسبة إلى غيره، وهذه العوامل في نظري هي:

أولاً: عدد وتركيبة المسلمين في النرويج.

وثانياً: طبيعة المتصدرين للكلام باسم المسلمين في النرويج.

وثالثاً: خلفية المجلة المسيئة، وموقف الحكومة النرويجية من الرسوم المسيئة لمقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.

 

أولاً: عدد وتركيبة المسلمين في النرويج:

أ- عدد المسلمين: من الصعب تقدير العدد الحقيقي للمسلمين في النرويج, فهنالك من يعمد إلى إحصاء عدد المهاجرين من البلدان الإسلامية، أو التي تعيش فيها نسبة مهمة من المسلمين، وقد بلغ عدد هؤلاء سنة 2003 حوالي 115 ألف نسمة, إلا أن لهذه الإحصاءات كما يلاحظ الباحثون ومنهم المستشرقة النرويجية كاري فوغت عيوبهاº فمثلاً يغلب على الجالية الإيرانية في النرويج والبلاد الاسكندينافية كراهية الإسلام, فإلى جانب أن بينهم عدداً معتبراً من البهائيين فإن أغلب الباقين لديهم كراهية عميقة للإسلام، نتيجة رد فعلهم على النظام الخميني، ومنهم الكثيرون الذين اعتنقوا النصرانية, فإذا علمنا أن عددهم في النرويج يتجاوز العشرين ألفاًº تبينا بأنه من المجازفة ضم عددهم إلى عدد المسلمين لمجرد الاعتماد على نسبة المسلمين في إيران.

وهناك معيار آخر لإحصاء عدد المسلمين وهو إحصاء عدد المنخرطين في الجمعيات الإسلامية, إذ إن كل مسجد في النرويج تشرف عليه جمعية إسلامية, وينخرط المسلمون عادة في الجمعيات الإسلامية لأن الدولة تدفع مبلغاً مادياً معيناً كل سنة عن كل فرد إلى الجمعية الدينية التي ينتمي إليها مهما كانت ديانتها, أما الذي لا ينخرط في أية جمعية دينية بما فيها الكنسية النرويجية الرسمية فإن المبلغ المعين له تدفعه الدولة إلى الكنيسة النرويجية الرسمية، وهي "كنيسة بروتستنتية" باعتبارها تمثل الدين الرسمي للدولة, إلا أن اعتبار هذا المعيار على وجاهته لإحصاء عدد المسلمين لا يخلو من مزالق، وذلك لأن العديد من المسلمين يقيمون في مناطق لا توجد فيها جمعيات إسلامية أي مساجد, فيغفلون عن التسجيل في جمعيات إسلامية أخرى في مدن أو قرى أخرى.

ومهما يكن الأمر فإن عدد المسلمين اعتماداً على هذا المعيار حسب إحصاءات 2003 بلغ 75700, وتقدره بعض المصادر الآن بحوالي تسعين ألف نسمة, ولكن ما نريد أن نصل إليه هو أن عدد المسلمين في النرويج أقل بكثير من عددهم في الدنمرك حيث يتجاوز عددهم المائتي ألف.

 

ب - التركيبة العرقية:

يمثل العرب بين المسلمين في الدنمرك نسبة كبيرة وخاصة القادمين من فلسطين ولبنان، والمغرب والعراق، ويتميز العرب بحماس أكبر للعمل للإسلام، وفهم أكثر شمولاً, أما في النرويج فتتفوق الجالية الباكستانية عددياً على غيرها من الجاليات، وينتمي أغلبها إلى فرقة البريلوية الصوفية المغالية, أما العرب فأغلبهم عمال بسطاء من المغرب العربي، وخاصة من المغرب, أو شيعة من العراقº لا وزن لهم يذكر في قيادة الجالية التي ينتسب أغلبها إلى "أهل السنة".

 

ثانياً: طبيعة وخلفيات الجهات المتصدرة للكلام باسم المسلمين في النرويج:

يغلب على الجاليات المسلمة في النرويج العمال البسطاء، ويقل فيهم المثقفون، ويكاد ينعدم طلاب العلم, ويتركز الوجود المسلم في منطقة أوسلو الكبرى، حيث توجد أغلب الجمعيات الإسلامية, وقد تأسس منذ سنوات ما يعرف باسم "المجلس الإسلامي في النرويج" الذي يقدم نفسه ناطقاً باسم المسلمين في النرويج، وتعتمده السلطات النرويجية كذلك, رغم أنه لا تنخرط فيه إلا نسبة من الجمعيات الإسلامية في النرويج قد لا تصل حتى إلى الثلث!! وتوجه إليه انتقادات كثيرة بين أعداد واسعة من الجمعيات الإسلامية والمسلمين الذين يرفضون تمثيله لهم باعتباره لا يمثل إلا المهيمنين عليه.

تهيمن على هذا المجلس ثلاثة اتجاهات: الإخوان المسلمون، والبريلوية، والجماعة الإسلامية في الباكستان، والبقية إما جمعيات يقودها عوام لا معرفة لهم بالإدارة والسياسة وعالم الأفكار، أو مقربون من هذه الاتجاهات مثل: الجمعية البوسنية.

أ- الإخوان المسلمون: وتمثلهم في أوسلو"الرابطة الإسلامية في النرويج"، وهم ثلة من الجامعيين أغلبهم تونسيون ينتمون إلى حركة النهضة التونسية, وهناك من ينتمي إلى التيار الحداثي لإخوان الأردن، وتغلب عليهم الأجندة الخارجية في إدارتهم للعمل الإسلامي، ومواقفهم السياسية وغيرها، فهم يسعون دوماً إلى إقناع السلطات النرويجية باعتدالهم, وهم سباقون دائماً إلى إعلان التنديد بأي تصرف يقوم به مسلم أو مسلمون لا يرضى عنه الرأي العام النرويجي - الذي تتلاعب به الجرائد، ووسائل التضليل المسماة بوسائل الإعلام -، وسبب هذا التوجه مرتبط بأجندة حركة النهضة في صراعها مع النظام التونسي، وعملها على كسب الحكومات الغربية، والتسويق لاعتدالها ومرونتها كما هي أجندة الإخوان المسلمين في أوروبا عموماً, ويجتهد هؤلاء عبر تصريحاتهم المتعددة لوسائل الإعلام، أو عبر موقعهم الالكتروني باللغة النرويجية للتسويق لأنفسهم باعتبارهم دعاة للإسلام الأوروبي المندمج والمتساهل، ولا تفوت بعضهم الفرصة للتنديد بالوهابية والوهابيين لإظهار "اعتدالهم" المطلوب.

وفي شعبان المنصرم فاجأت" الرابطة الإسلامية" في أوسلو المصلين بدعوتها لطارق رمضان الداعية المثير للجدل في أوروبا - والذي تتوقع بعض الدراسات الغربية له أن يلعب الدور الذي لعبه لوثر مع دين النصارى - لإلقاء محاضرات عن "الإسلام الأوروبي" الذي يسوق له, ووزعت إعلانات في الشوارع - وحتى جامعة أوسلو - تعرِّف فيها طارق رمضان بأنه "من أبرز العلماء المسلمين التقدميين في أوروبا!! والذي عينه توني بلير مستشاراً في لجنة مكافحة التطرف في بريطانيا!!"، ولم يقصر التلفزيون النرويجي الرسمي في الترويج لطارق رمضان، فعرض مشاهد من إحدى محاضراته حيث جلس الشباب والفتيات مسلمات وغير مسلمات جنباً إلى جنب داخل المسجد في قاعة الصلاة المخصصة للرجال في مسجد "الرابطة" ليستمعوا إلى "العلامة المجدد", وكان بين الفتيات النرويجيات من كانت ترتدي الميني وهي تجلس قرب المنبر, ثم زار التلفزيون النرويجي الرابطة مرة أخرى حيث طافت المذيعة النرويجية المتبرجة في أرجاء المسجد دون حجاب مع مدير الرابطة وإمامها اللذين قدما عرضاً عن الإسلام المعتدل المطلوب، وتخلل ذلك ممارسة الإمام لعبة كرة الطاولة "البينغ بونغ" مع المذيعة في إحدى قاعات المسجد لإعطائها نموذجاً من "الإسلام المعتدل والمتسامح".

وفي بداية السنة الدراسية الحالية أثارت وسائل الإعلام النرويجية ضجة بعد ارتداء فتاتين صوماليتين للنقاب في إحدى ثانويات أوسلو, فقامت القيامة بين النرويجين بين معارض ومتسامح يعتبر أن ذلك يدخل ضمن الحرية الشخصية والدينية, أما مدير "الرابطة الإسلامية" في أوسلو فقد صرح لإحدى القنوات الإذاعية النرويجية بأن نسبة 95% من المسلمين في النرويج يرفضون النقاب, ولذلك فهو يقترح على السلطات النرويجية منع النقاب، هذان مثالان عن مواقف "الرابطة الإسلامية" في النرويج التي جعلتها تحظى بدعم وترحيب السلطات النرويجية, وهناك مثال آخر أكثر دلالة وهو تسليم بعض القائمين على "الرابطة" لشريط فيديو مصور ظهر فيه الملا فاتح كريكار زعيم جماعة أنصار الإسلام في شمال العراق سابقاً في مشاهد عسكرية, وهو الذي كان إمام مسجد الرابطة في بداية نشأتها قبل أن يحصل الخلاف ويطرده القائمون على الرابطة منها مع أنصاره بقوة البوليس الذي اقتحم المسجد مدججاً بالكلاب، وقد كان هذا الشريط من أهم الأدلة التي اعتمدت في إدانة الملا فاتح كريكار، وقرار ترحيله من النرويج إلى العراق، وهو القرار الذي لم ينفذ إلى حد الآن بسبب عدم ضمان احترام الحكومة العميلة في بغداد لحقوقه الإنسانية.

- أما الجماعة الإسلامية في الباكستان التي تنشط تحت اسم "المركز الثقافي الإسلامي في النرويج" فهي ذات حضور محدود جداً بين الجالية الباكستانية التي تهيمن عليها الجمعيات والمساجد التابعة للاتجاهات البريلوية المختلفة, وهي قريبة في نهجها من منهج الرابطة الإسلامية، لكنها أكثر اعتدالاً في موقفها من المخالفين.

- الجمعيات والمساجد البريلوية: تنتمي أغلب المساجد الباكستانية في أوسلو إلى الاتجاهات المختلفة للبريلوية, والبريلوية طريقة صوفية قبورية مغالية تنتشر في شبه القارة الهندية, ويتهمها خصومها هناك بأنها صنيعة الاستعمار البريطاني الذي أنشأها، أو على الأقل رعاها وشجعها للوقوف في وجه المدرسة الديوبندية, التي كانت تحرض ضد الاستعمار البريطاني, ويصنفها الباحثون النرويجيون ضمن ما يسمونه بـ"الإسلام الشعبي"، في مقابل ما يدعونه بـ"الإسلام القيمي" الذي يعتمد معايير الشريعة والفقه.

ويغلب على أتباع البريلوية الانتماء العاطفي للإسلام، دون الحد الأدنى من العلم الشرعي الواجب على كل مسلم، وللبريلوية في النرويج أتباع باكستانيون مثقفون ينتمون إليها انتماءاً تقليدياً، ولا علم لي إن كانوا يشاطرونها جملة عقائدها في تعظيم القبور والأضرحة، والحج إليها والغلو في النبي – صلى الله عليه وسلم -، وأنه ليس بشراً ولم يخلقه الله من طين ولكن من نور، ومنه خلق الكون، ولكن يهيمن على أتباع الطريقة الفهم العلماني للدين, ومنهم أعضاء قياديون في أحزاب نرويجية من اليمين إلى اليسار, إلا أن غلو البريلوية في النبي – صلى الله عليه وسلم - يجعل رد فعلهم على الإساءة إلى مقامه أكثر حرارة من رد التيار الحداثي في الإخوان المسلمين مثلاً, ولذلك نجد أن الصوت الأعلى اليوم في إدانة الرسوم في النرويج يأتي من الهيئة الإسلامية العالمية - وهي هيئة عالمية أسستها إحدى الاتجاهات البريلوية للتصدي لرابطة العالم الإسلامي التي اتهمت بالوهابية, ويوجد مركز الهيئة في بريطانيا -، فها هو أحد أبرز وجوه الهيئة المثقفين في النرويج وهو المحامي الباكستاني الشهير عبيد رجا, أحد أبناء الجيل الثاني الباكستاني في النرويج, وقد درس الحقوق في جامعة أوسلوº يتصدر الصفحات الأولى لعديد الصحف النرويجية ليقول "كفاية كفاية" بعد أن طفح الكيل, ويطالب بتفعيل قانون "منع التجديف" أي ازدراء الأديان في النرويج لحماية الأقليات من الازدراء والتحقير, وجواباً عن سؤال صحيفة "مورغن بلادا " له "أليس ترك المعادين للإسلام يعبرون عن آرائهم ومناقشتهم أفضل من منعهم من التعبير؟" أجابهم بأنه ليس ضد حرية التعبير والنقاش، ولكن النقاش شيء، واستفزاز المشاعر بالسب والازدراء هو شيء آخر، مشبهاً نشر الرسوم في النرويج بالقنبلة الأكبر تفجراً في النرويج اليوم{1}.

ورغم ذلك فإن هناك أئمة باكستانيين يسعون إلى التهدئة مؤكدين على الفرق بين الحالة النرويجية والدنمركية، وهو ما نوافقهم فيه - أي التفرقة بين الحالتين -, وسوف يأتي بيانه, ووسط الآراء المختلفة التي تشق الشارع المسلم في النرويج، والتي يغلب عليها الاحتقان والشحن ضد الحكومة الدنمركية خاصة، وكل الحكومات الغربية ووسائل الإعلام الأوروبية التي تمارس اضطهاد المسلمين والتحقير، والإذلال الممنهجين لهم، فهنالك دعوة لمسيرة سلمية حاشدة يوم السبت المقبل في شوارع أوسلو.

___________________

{1} حوار مع عبيد رجا في جريدة " مورغن بلادا" الاسبوعية النرويجية بتاريخ 3- 9 يناير 2006م

Abid Raja ” Nok er nok”- Morgenbladet 3-9 januar 2006

* تصويب عن البريلوية: نوفل المعاوي يقول: من باب الأمانة لا بد لي من التنبيه إلى أنني انتبهت إلى أن الجمعيات البريلوية في النرويج لا تنتمي إلى ما يسمى بالمجلس الإسلامي, ولكنها قريبة منه في تهاونها في أمر الإسلام، لذلك يخيل للمراقب بأنهما سواء, ولكنني علمت بان البريلوية لديهم تجمع تحت اسم "مجلس أهل السنة والجماعة" كنت قد أشرت إليه في مقال لاحق لهذا المقال, وقد أكد لي أحد الباكستانيين المختلطين بهم في أوسلو أن تحفظهم على الانضمام إلى ما يسمى بالمجلس الإسلامي ناتج عن خوفهم على قاعدتهم من الذوبان في غيرهم, وخاصة أن الفرقة معروفة بتكفير أغلب المخالفين، واتهامهم بالوهابية, فحتى الديوبدبة وجماعة التبليغ المنحدرة من الديوبندية يعدونهم وهابية كفاراً، ويمنعون جماعة التبليغ من النشاط في مساجدهم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply