لا تولوهم الأدبار


 

بسم الله الرحمن الرحيم

يوم الحديبية جلس سهيل بن عمرو وهو يفاوض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمقُ أصحابَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعينيه، وعاد يحدث قومه: " أي قومº والله لقد وفدت على الملوك على كسرى وقيصر والنجاشي، والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمداً، والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدَلَّك بها وجهه وجِلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيماً له"، ولم يكن هذا حال الصحابة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل حين، ما كانوا يقتتلون على وضوءه - صلى الله عليه وسلم -، ولا يترقبون نخامته - صلى الله عليه وسلم - كي يدلكوا بها وجوههم، بل في ذات اليوم حين وَقَّعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلح تباطئوا في التنفيذ، ولكن كان إظهار المحبة أمام العدو مقصوداً ليعلم كم هي الصفوف ملتفة خلف نبيها - صلى الله عليه وسلم -، وكم هي لا تفرط في أي شيء يتعلق بنبيها - عليه السلام - حتى نخامته وماء وضوئه - صلى الله عليه وسلم -.

وسمع محيصة بن مسعود - رضي الله عنه - قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه )) فوثب على رجل من تجار يهود وقتله، فجعل حويصة - أخوه - يضربه ويقول: أي عدو الله أقتلته؟!، أما والله لربَّ شحم في بطنك من ماله!! قال محيصة: فقلت: والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربت عنقك!! قال: أوالله لو أمرك محمد بقتلي لقتلتني؟ قال: نعم، والله لو أمرني بضرب عنقك لضربتها، قال: والله إن ديناً بلغ بك هذا لعجب!! فأسلم حويصة، وكان هذا من بركة إظهار حبّ النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وإن كلَّ من حمل لقباً، أو دُعي له من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كأبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وسيف الله خالد بن الوليد، وعثمان بن عفانº وغيرهم استحق هذا اللقب بوقفه في وقت شدة قلَّ من يقف فيها، فالصديق أظهر تصديقه حين تبجح المشركون، وحارت عقول بعض المسلمين في خبر الذهاب إلى بيت المقدس، وصعود السماء العلى، ثم العودة في ذات الليلة، وعمر صدع بالحق في وقت الضعف والشدة، وخالد قاد الجيش إلى فتحٍ, يوم مؤتة بعد أن قُتل القادة الثلاث، وتكالبت الروم، وأقبلت كالبحر اللجاج، و (ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم) قيلت يوم العسرة وهو ينثر دنانير الذهب أكواماً في حجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كي يجهز الجيش لقتال الروم، بل (( لَا يَستَوِي مِنكُم مَّن أَنفَقَ مِن قَبلِ الفَتحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الحُسنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٌ ))(الحديد: 10)

ويصور لي الخيال ما يحدث اليوم في الدنمارك كسَرِيِّةٍ, من أراذل الكفار انفردت عن الصفوف، وأقبلت تشن الغارة على أعز ما لدينا، وأحب حبيب إلى قلب كل مسلم.

وإن من الخطأ أن يظن إخواننا أن سب الرسول - صلى الله عليه وسلم - مقصور على هؤلاء الأراذل من الناس، أو على هذه الفترة من الزمن، فهو هَوَسٌ قديم حديث مستمر عند أهل الكفر جميعاً منذ جاء محمد - صلى الله عليه وسلم - بالنور والهدى، والجديد في الأمر فقط هو هذا الأسلوب الوقح، وهذا الإصرار والعناد والاستخفاف بمليار مسلم.

إن كل من يتدبر حال الكفار يجد أن القوم ليسوا سواء، فهناك عوام من الناس - في الدنمارك وغير الدنمارك - لا يعرفون الإسلام على حقيقته، بيننا وبينهم ثلة من (الملأ) رسمت صورة مشوهة للإسلام في أعينهم، جعلتهم يبغضون الإسلام وهم لا يعرفونه على حقيقته، ومن يدري علّهم إن اتضحت لهم الحقائق يتأسوا بسحرة فرعون ويقولون قولتهم: (( قَالُوا لَن نٌّؤثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقضِ مَا أَنتَ قَاضٍ, إِنَّمَا تَقضِي هَذِهِ الحَيَاةَ الدٌّنيَا ))(طه: 72).

فإظهار حب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتعريف عوام الكفار - في الدنمارك وغير الدنمارك - بشخص نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، والثبات في وجهة هذه الثلة المارقة الكاذبة التي تضل قومها، وتفتري الكذب على الله ورسوله هو واجب المرحلة اليوم، ولا ينبغي أن يجلسنا الاعتذار دون تحقيقة.

هي معركة إعلامية واقتصادية، وقد حرم الله التولي يوم الزحف، والحرب على أرضنا - الفكرية -، ولا شروط للجهاد إن نزل العدو بأرض المسلمين، فكلٌ مكلفٌ اليوم بالدفاع عن دينه، وكل مكلف اليوم بالدعوة للإسلام، والفرصة سانحة.

إن الاعتذار وحده لا يكفي فمقام نبينا - صلى الله عليه وسلم - أعز وأرفع من ذلك، وإن أسمى أهدافنا التي ينبغي أن لا نكف الحديث عنها هو أن يسمع العالم بالحقيقة التي يخفيها من ضلوا وأضلوا من الأحبار والرهبان، حقيقة نبينا الخُلقية والخِلقيِّة، وحقيقة دين الله الإسلام، يجب أن تستنفر الهمم لذلك، والضد يظهر حسنه الضد، فلا مانع من التعريج على دين القوم، وإظهار ما فيه من سبٍّ, (للرب)، ولأنبياء الله، ومن كلام أشبه بحكايات المقاهي، وأحاديث الصبية.

وأهمس في أذن كل من آلمه فراق المسلمين وتشتت كلمتهم أقول:

أمتنا بخير، ولم الشمل أمر يسير إن ملك الزمام أهله، بالأمس كانوا في منى بلباس واحد يدعون رباً واحداً، ويطوفون حول بيت واحد، واليوم ها هم أولاء صفاً واحداً خلف نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، ووالله لو وجدوا مشاريع صادقة تحسن التعبير عن نفسها لأقبلوا في صعيد واحد على قلب رجل واحد، فما تفرقوا في الوديان إلا حين مل الحادي، وغشهم الدليل.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply