بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
السؤال: أعيش في عمان في المملكة الأردنية الهاشمية، وقد أثار البعض منذ فترة إشكالات على مواقيت الصلاة عندنا منهم الشيخ الألباني رحمه الله وهذا ثابت عنه، حتى قالوا إن وقت صلاة الفجر يدخل بعد الأذان بثلث ساعة ووقت المغرب يدخل قبل الأذان بعشر دقائق، وقال بعضهم إن وقت المغرب ينتهي قبل أذان العشاء بنصف ساعة، علماً بأننا نسكن في المدينة حيث يصعب علينا أن نراقب المواقيت بسبب كثرة العمران والضوضاء الفضائية (كثرة الإنارة)، وكثير منا أو أهلنا يصلون بعد أذان الفجر مباشرة بل حتى مساجدنا تقيم الصلاة في رمضان بعد بربع ساعة من الأذان، وبعض طلبة العلم يستمرون في الأكل في رمضان بعد الأذان الثاني بل ويفطرون قبل أذان المغرب بحجة ما قدمتُ من أخطاء في المواقيت، ما واجبنا تجاه هذا الإشكالات على المواقيت؟ متى نصلي؟
الإجابة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أنه لا تجوز الصلاة إلا إذا تيقن المكلف أو غلب على ظنه دخول الوقت، ويجوز الأكل والشرب ما لم يتبين طلوع الفجر، ولا يجوز الفطر حتى يحصل اليقين أو غلبة الظن بغروب الشمس.
قال ابن قدامة: إذا شك في دخول الوقت لم يصل حتى يتيقن دخوله أو يغلب على ظنه ذلك مثل من هو ذو صنعة جرت عادته بعمل شيء مقدر إلى وقت الصلاة، أو قارئا جرت عادته بقراءة جزء فقرأه وأشباه هذا فمتى فعل ذلك وغلب على ظنه دخول الوقت أبيحت له الصلاة، ويستحب تأخيرها قليلا احتياطا لتزداد غلبة ظنه. انتهى.
وما ذكرته من كون معرفة دخول الوقت بالعلامات صارت متعسرة أو متعذرة في الحواضر بسبب انتشار الأضواء ونحوها كلام صحيح، ولذا صار المسلمون في جل بلاد الإسلام يعتمدون على التقاويم في معرفة دخول أوقات الصلاة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: ومعلوم أن من كان داخل المدن التي فيها الأنوار الكهربائية لا يستطيع أن يعلم طلوع الفجر بعينه وقت طلوع الفجر، ولكن عليه أن يحتاط بالعمل بالأذان والتقويمات التي تحدد طلوع الفجر بالساعة والدقيقة، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ». وقوله صلى الله عليه وسلم: « من اتقى الشبهات فمد استبرأ لدينه وعرضه. انتهى.
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: الواقع أن مسألة أذان الفجر في وقتنا الحاضر، مشكلة كيف إشكالها؟ الناس لا يمكن أن يروا الفجر بسبب الإضاءة، لا يمكن أن يروه إلا من كان بعيدًا، فهم يعتمدون في الحقيقة على الحساب بلا شك، وهنا صرنا نعمل بالحساب بحسب التوقيت اليومي. انتهى.
والإعتماد على هذه التقاويم مما لا حرج فيه إذا كان واضعوها معروفين بالعلم والعدالة، وما ذكرته من الخلاف في وقت صلاة الفجر أمر مشهور منتشر، والذي ينبغي في أمر الصلاة ألا يصلي المسلم حتى يتيقن أو يغلب على ظنه دخول الوقت كما مر وهكذا الإفطار في يوم الصوم.
وأما الإمساك فأمره سهل، فلو أمسك مع التقويم لم يضره ذلك إن شاء الله، وإن كان لا يحرم عليه أن يأكل أو يشرب ما لم يتبين طلوع الفجر.
وأما صلاة العشاء فالأمر فيها يسير، فإن التقويم الذي بين أيدي الناس إن كان يتآخر في تحديد وقت العشاء مدة يسيرة فإن ذلك لا يضر، بل تأخير العشاء مستحب كما هو معلوم، ولكن ينبغي المبادرة بفعل صلاة المغرب وعدم تأخيرها إلى الوقت المختلف في كونه من العشاء احتياطا لأمر الصلاة، ونحن نسوق لك شذرات من كلام الشيخ العثيمين رحمه الله يتبين بها لك طرف مما ذكرناه، قال رحمه الله: من يشك في وقتٍ من الأوقات فليتحر وليتأخر، الأصل عدم دخول الوقت، فمثلًا: لو شككنا في الفجر وهو الذي فيه الإشكال، فإن كثيرًا من الإخوة خرجوا وراقبوا الفجر في الليالي المظلمة الصاحية، ووجدوا أن التقويم متقدم على الأقل بخمس دقائق، وبعضهم يقول: عشر دقائق، وبعضهم يقول: ربع ساعة، وبعضهم يقول: ثلث ساعة، فإذا كان الإنسان في شك من هذا فليتآخر ولا يضر. أما بقية الأوقات فما علمت فيها اختلافًا بين الناس. انتهى، وقال أيضا: أهم شيء الصلاة في مسألة الفجر، أما مسألة الصيام فلو تقدم خمس دقائق ما في فرق. انتهى.
وقال أيضا: وهذه العلامات أصبحت في وقتنا علامات خفيَّة؛ لعدم الاعتناء بها عند كثير من النَّاس، وأصبح النَّاس يعتمدون على التقاويم والسَّاعات.
ولكن هذه التقاويم تختلف؛ فأحيانًا يكون بين الواحد والآخر إلى ست دقائق، وهذه ليست هيِّنة ولا سيَّما في أذان الفجر وأذان المغرب؛ لأنَّهما يتعلَّق بهما الصِّيام، مع أن كلَّ الأوقات يجب فيها التَّحري، فإذا اختلف تقويمان وكلٌّ منهما صادرٌ عن عارف بعلامات الوقت، فإننا نُقدِّم المتآخر في كلِّ الأوقات؛ لأنَّ الأصل عدم دخول الوقت، مع أن كلًّا من التَّقويمين صادر عن أهلٍ، وقد نصَّ الفقهاء رحمهم الله على مثل هذا فقالوا: لو قال لرَجُلين ارْقُبَا لي الفجر، فقال أحدهما: طلع الفجرُ، وقال الثاني: لم يطلع؛ فيأخذ بقول الثَّاني، فله أن يأكلَ ويشرب حتى يتَّفقا بأن يقول الثَّاني: طلع الفجر، أما إذا كان أحد التقويمين صادرًا عن أعلم أو أوثق فإنَّه يقدَّم. انتهى.
وقال أيضًا: في الغروب يحتاط أيضًا، لا يؤذن حتى يرى الشمس قد غابت، أو يغلب على ظنه أن الشمس قد غابت، ليس لازمًا أن يتيقن غروب الشمس، إذا غلب على ظنه أن الشمس قد غابت فلا بأس، وأظن أن التقويم مع الساعة المضبوطة أظنه في الغروب لا بأس به، لكن في الفجر مقدم خمس دقائق بالتأكيد، خمس دقائق لا إشكال عندنا أن فيه تقديمًا، لكن في الغروب الظاهر أنه على الصواب. انتهى.
ولعل بهذه النقول الواضحة من كلام الشيخ رحمه الله يكون قد انجلى عنك الإشكال.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
تاريخ النشر: الأربعاء 13 ذو القعدة 1431 هـ - 20-10-2010 م
رقم الفتوى: 141185
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد