ما ظننتم


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

إنهم بنو النضير في مكرهم المعهود بالإسلام والمسلمين وبنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وها هي مشاهد خيانتهم نراها أمامنا في نقضهم لوثيقة المدينة ومحاولتهم اغتيال رسول الله الذي عرفوه في كتبهم فكفروا به لولا أن الله سلم وأراد أن يكونوا درساً وعبرة لغيرهم. حيث يقول الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) الحشر 2.

فقد نقضوا وثيقة المدينة بين المسلمين وباقي فئات المجتمع المدني وحاولوا اغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم فجهز لحربهم فتحصنوا في حصونهم المنيعة ورفضوا الخروج وخاصة بعدما تلقوا الدعم والتشجيع من زعيم المنافقين عبد الله بن سلول حيث صور الله تعالى هذا المشهد في نفس السورة بقوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) الحشر 11.

فأمر الرسول صلى الله عليه و سلم بحرق نخلهم و قطعها كنوع من الحصار الإقتصادي عليهم في إشارة واضحة لمشروعية استخدام هذا النوع من الحرب على الكفار.

فكانوا ينادون الرسول صلى الله عليه و سلم أن كنت تنهى عن الفساد و تقطيع الشجر فما بال النخيل الذي يحرق و يقطع؟, و هنا جاء الرد الإلهي مطمئناً قلوب المسلمين إلى صوابية فعلهم حيث يقول الله تعالى في نفس السورة:

(مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) الحشر 5.

وبعد ستة وعشرين ليلة من الحصار طلبوا الخروج بأنفسهم وأموالهم دون السلاح فوافق النبي صلى الله عليه وسلم على خروجهم من المدينة و قاموا بتدمير كل ما تبقى من ممتلكات لم يستطيعوا أخذها حتى لا يستفيد المسلمون منها.

ولكن في ظل هذه الأحداث و المشاهد كان هناك مشهد عميق الأثر بعيد الرؤيا حيث أن المسلمين ما كانوا يظنون أن هؤلاء سيخرجون من ديارهم المحصنة وفي ذات الوقت ظن بنو النضير أن حصونهم مانعتهم من الله وعذابه فخاب الظنان وتدخلت يد القدرة الإلهية لتزلزل الأرض تحت أقدامهم وتنزل الرعب في قلوبهم فدمروا منازلهم بأيديهم وبأيدي المؤمنين واستسلموا وخرجوا منها أذلة.

لقد جاءهم الإختراق الرباني لحصون لا يملكون ولا المؤمنين مفاتيحها و يملكها الله يقلبها كيف يشاء بين الخوف والأمن بين الحب والكراهية إنها القلوب لقد أنزل الله في قلوبهم الرعب فتخبطوا واستسلموا وأخذوا يدمرون حصونهم بأيديهم.

وهنا يأتي الهتاف الرباني في اللحظة المناسبة والقلوب مفتوحة لتلقي العظة والعبرة بعدما رأت بأم عينها الإنجاز الرباني وعلو يد القدرة فوق الأسباب والنتائج وفوق الوسائل والغايات جاء الهتاف أن اعتبروا يا أولي الأبصار.

فلنعتبر هنا ولنتعلم أن نؤمن بالله حق الإيمان وأن نثق بالله مطلق الثقة ولابد أن نعلم أن الله عند حسن ظن العبد به وأن يد القدرة فوق كل سبب وكل نتيجة وفوق كل غاية ووسيلة فكلها من صنع الله يأتي بها أنى يشاء وحيث يشاء.

وإن الحصون مهما بلغت من القوة فلن تبلغ الكمال ولابد من ثغرة تدخل الهزيمة منها فليكن حصننا الأول والأخير وملاذنا الأول والأخير هو الله.

والدرس الأهم الذي لابد من تعلمه هو أن القلوب لابد وأن تكون متعلقة بخالقها فهي بيده فإن فقدت التعلق به اخترقها الرعب وهزها هزاً فتخبطت و قتلت نفسها.

وإن تعلق القلوب بالله ما هو إلا النتيجة الحتمية والأكيدة للعقيدة السليمة والإيمان الحق وذلك الذي ربى الله عليه تلك العصبة المسلمة لأكثر من ثلاثة عشر عاماً قبل أن يؤذن لها بأن تضرب في الأرض وتنشر تلك العقيدة وتنشر تلك المبادئ العلوية وتنشأ ذلك المجتمع الإسلامي الذي يمثل هذه العقيدة.

وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply