الجليس الإيجابي


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

مرة، دخلت على صديق لي من أساتذة الجامعات يراكض ابناً له صغيراً، فقلت تتشبب؟! 

قال: نعم! فضلاً عن إدخال السرور والترفيه، اعوِّده على الجري والمنافسة، لأني بعد ذلك أبين له أن الحياة في الدنيا والآخرة هي جري ومنافسة ثم تكون النتائج!

كان فعلاً مربياً، ولما كبُر الابن رأيت أثر تربية هذا الرجل لصغيره، ومصاحبته، إذ صار شخصية ذات تميز وصلاح.

تلفتْ فيمن حولك، سترى مشاهد لا تزال عالقة في ذهنك لصديق أو مجالس يفتح عقلك لتفكر إيجابياً بالنظرة والحكم والقرار، والبعض يشجعك على الاستمرار والمواصلة وإن كثرت العقبات، فالصاحب الإيجابي يغذيك بالفكر أو السلوك أو التحفيز، بينما السلبي، يغتال فرحك ويوسوس بنفسك ويوحشك ممن حولك.

الجليس.. سواء كان أبا أو أما أو أخا أو معلماً أو شريكاً أو صديقاً هو الأكثر خطورة على الشاب، له أثر كبير في صياغة الشخصية وصناعة السلوك بطريقة «تلقائية»، فيتأثر بفكره ونفسيته وسلوكه..

حتى الكلمات ستكون مؤثرة!

فالكلمة التي يسمعها الجليس لها أثرها الفعال، فإذا كانت ايجابية كان أثرها إيجابياً على قائلها ومن يسمعها، وإذا كانت الكلمة سلبية كان أثرها سلبياً على قائلها ومن يسمعها، فالإيحاءات التشجيعية الايجابية التي يسمعها الجليس من جليسه لها دور كبير بالرفع من معنوياته وتحفيزه للإقبال على الحياة.

ومن ذلك.. هذه القصة التي دارت أحداثها في عهد النبوة، وكيف أن الرسول عليه الصلاة والسلام مارس الإيحاء بكلمات إيجابية على هذا الأعرابي وغيّر من نظرته لذاته من النظرة السلبية إلى نظرة اعتزاز وثقة، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ اسْمُهُ زَاهِراً وَكَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّهُ وَكَانَ رَجُلاً دَمِيماً فَأَتَاهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَوْماً وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَلاَ يُبْصِرُهُ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَرْسِلْنِى. مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ فَعَرَفَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ لاَ يَأْلُو مَا أَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِصَدْرِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ عَرَفَهُ وَجَعَلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ{مَنْ يَشْتَرِى الْعَبْدَ}. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذاً وَاللَّهِ تَجِدَنِى كَاسِداً. فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم {لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ”. أَوْ قَالَ “لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ} (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح).

هذا أثر الكلمات الإيجابية، أما أثر التفكير والسلوك ونوعية العلاقة فهي تمنح بإذن الله الصحة النفسية بل وتزيد في العمر، يقول الطبيب النفسي، جوليان هولت-لونستاد، من جامعة «برايتام يونغ» في يوتاه: (أعتقد أننا وجدناً دليلا قاطعاً على أن العلاقات الاجتماعية ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد، إلى حد بعيد من حيث خفض معدل الوفيات).

ويفسر العلماء سر ذلك التأثير بأن علاقتنا يمكن أن تؤثر على صحتنا بطرق شتى، على سبيل المثال، يمكن أن تساعدنا على التعامل مع الضغوط العصبية التي قد يكون لها تأثير قاتل، وتابع: (عندما نمر بأوقات عصيبة في حياتنا، وندرك أن هناك من يمكننا الاعتماد عليهم أو التوجه إليهم، هذا يجعل الأمر أقل إجهاداً لأننا ندرك أنه يمكننا التعامل مع الوضع)

ويرى الخبراء في الدراسة، التي نشرت في دورية PLoS الطبية، أن الصديق يوفر الدعم الاجتماعي من جهة، والإرشاد والمساعدة المادية، لأن العلاقة مستمدة من الثقة المتبادلة بين الطرفين، إضافة إلى ذلك فإن الروابط المشتركة بين الأصدقاء تجعلهم يقضون وقتاً ممتعاً حتى في الأوقات العصيبة.

ودراسات سابقة وجدت أن سر طول العمر هو زيادة عدد الأصدقاء، وأن الحياة الاجتماعية النشيطة «الإيجابية» تزيد من كفاءة جهاز المناعة، مما يكسب الإنسان تسعة أعوام إضافية. وأوضح العلماء أيضاً أن الإيجابية في مواجهة الهموم اليومية تزيد من العمر، بواقع سبعة أعوام ونصف العام.

إذن تخير من الجلساء الإيجابي ذي النظرة المتفائلة والكلمات الطيبة، وكُن مع من حولك كذلك وستحلو الحياة وتسعد اللقاءات ويبارك الله في الأعمال والأعمار!

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply