بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يقول الله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[الأعلى:16-17] قال ابن كثير في تفسير هذه الآية : (أي تقدمونها على أمر الآخرة وتبدونها على ما فيه نفعكم وصلاحكم في معاشكم ومعادكم {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}الأعلى16 أي ثواب الله في الدار الآخرة خير من الدنيا وأبقى فإن الدنيا فانية والآخرة شريفة باقية فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى ويهتم بما يزول عنه قريبا ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد ؟!
قال الإمام أحمد( 671) حدثنا حسين بن محمد حدثنا ذويد عن أبي إسحاق عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له) وقال ابن جرير: حدثنا بن حميد حدثنا يحيى بن واضح حدثنا أبو حمزة عن عطاء عن عرفجة الثقفي قال استقرأت ابن مسعود {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}الأعلى1 فلما بلغ {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}الأعلى16 ترك القراءة وأقبل على أصحابه وقال: آثرنا الدنيا على الآخرة فسكت القوم فقال: آثرنا الدنيا؛ لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها وزويت عنا الآخرة فاخترنا هذا العاجل وتركنا الآجل وهذا منه على وجه التواضع والهضم أو هو إخبار عن الجنس من حيث هو والله أعلم.
وقد قال الإمام أحمد ( 4412) حدثنا سليمان بن داود الهاشمي حدثنا إسماعيل بن جعفر أخبرني عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله قال: (من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى) تفرد به أحمد..
إن هذه القضية تعد قضية مسلمة عند أهل الإيمان لكن ما مدى تأثيرها في حياتنا؟!!
بمعنى آخر.. حينما أيقنت أن الآخرة خير وأبقى.. هل أثرت تلك القناعة على سلوكياتك؟
هل غيرت من اهتماماتك؟ هل أحدثت توازناً بين أعمال الدنيا وأعمال الآخرة؟!
بمعنى.. لو فاتتك تكبيرة الإحرام هل تحزن عليها كحزنك على فوات موعد الطائرة؟!
هل تحزن على ترك صلاة الفجر مع الجماعة كحزنك لو خسرت في مساهمة مالية؟
هل تتضايق عند فوات ركعة من ركعات الصلاة كحزنك لو أصيبت سيارتك إصابة طفيفة؟!
الواقع يقول: لا.. إلا من رحم الله ..
قال يونس بن عبد الله: ما لي تضيع لي الدجاجة فأجد لها وتفوتني الصلاة فلا أجد لها.
وقال حاتم الأصم: فاتتني مرة صلاة الجماعة، فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لَعَزَّانِي أكثر من عشرة آلاف نفس، لأن مصيبة الدِّيْنِ عند الناس أهون من مصيبة الدنيا
وحينما نذكر مثل هذه الآثار.. لا يذهب فهمك أننا نقول لك طلق الدنيا ثلاثاً بلا رجعة؟! كلا ولكن التوازن والإنصاف بين الدنيا والآخرة نريد أن نحزن على أنفسنا في تقصيرنا في طاعة الله كحزننا على أعمالنا ومرتباتنا الدنيوية؟!
الحزن الذي يدفع إلى المزيد من العمل ..والمزيد من الحرص.. والمزيد من الاجتهاد في الطاعة
إن الميزان بين الدنيا والآخرة هو ما قاله الله تعالى في كتابه: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 77] قال أهل التفسير: التمس فيما آتاك الله من الأموال ثواب الدار الآخرة, بالعمل فيها بطاعة الله في الدنيا, ولا تترك حظك من الدنيا, بأن تتمتع فيها بالحلال دون إسراف, وأحسن إلى الناس بالصدقة, كما أحسن الله إليك بهذه الأموال الكثيرة, ولا تلتمس ما حرَّم الله عليك من البغي على قومك, إن الله لا يحب المفسدين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد