بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
في أحد أيام شعبان -قبل عدة سنوات- دخلت محلا لبيع الدواجن وكنت "زبوناً" طيباً لديهم ويعرفونني جيدا، فغالبا أشتري منهم حاجتي من لحوم الدواجن والبيض، وعدة مرات ألاحظ على البائع ممارسة التدخين، فكنتُ أناقشه وأدخل معه في حوار طويل حول عادة التدخين، وهو يعترف بأنها عادة سيئة، وقد ابتلي بها من صباه في مرحلة دراسة الإعدادي «المتوسطة» واستمر يشربه ولم ينصحه أحد إطلاقاً، حتى أدمنه لما كبر، والآن عمره قارب الخمسين، أي له قرابة 35 سنة يدخن، سألته: هل تعرف أضراره الصحية جيداً؟ قال: نعم، يسبب السعال والربو وسرطان الرئة والبلعوم، ويحتوي على مواد سامة ومسرطنة! فضلاً عن تشويه الأسنان والفم الخ، سألته: هل حاولت من قبل تركه؟ قال نعم، لكن أجلس يوماً أو أقل ثم أرجع، قلت: ما السبب؟ قال: لا استطيع أن أصبر عنه أكثر من 4 أو 5 ساعات، كذلك لي أصدقاء فإذا شممته تأثرت فدخنت، قلت: طيب هل ممكن الآن تتركه 10 ساعات؟ قال: لا يمكن! قلت له: أأنت متأكد أنك لا تستطيع؟ قال: نعم! فأخذت حاجاتي وذهبت.
بعد عدة أيام دخل شهر رمضان ومضى منه 4 أيام، أتيت إليه بعد صلاة العصر وجلست معه، سألته: هل أنت صائم؟ قال: طبعاً، قلت: والدخان؟! قال: متوقف من وقت السحور، قلت كم مضى من الوقت الآن قال قريبا من 12 ساعة أو أكثر، قلت له: أنت الآن بين أمرين، فحينما سألتك في شعبان قلت لا استطيع أكثر من 5 ساعات، والآن لك أكثر من 12 ساعة، إما انك غير صادق في كلامك الأول، وإما أنك تحتال على نفسك! قال كيف؟ قلت له: أنا أميل إلى أنك تبرر لعجزك أمام عادتك حينما قلت: لا أستطيع تركه أكثر من 5 ساعات، بأنه حيلة نفسية، لكن هذه الحيلة سقطت في رمضان، وانكشفت قدرتك الإرادية وأنك قادر أكثر من 5 ساعات!، فابتسم متعجباً، قال: فعلاً، نحن نملك الإرادة والدليل صومي من 4 الفجر حتى 7 المغرب 15 ساعة، بل إن التدخين في رمضان يقل عن الشهور السابقة، قلت له: إذن الواحد منا يملك إرادة وقوة لكن بسبب الاعتياد والإدمان على أي عادة يحتال بحيل نفسية لعدم معالجتها أو تقليلها، اقتنع بعد هذا الحوار، وبعدها قال: سأجعل هذا المضمار في رمضان بداية لترك الدخان..وفعلا..تدرب وتركه.. واستمر..تعب في البداية..ثم صبر.. فما انتهى رمضان حتى تركه تماماً.. ولقيته بعد عدة شهور.. مشرق الوجه.. ومتعجبا كيف كانت نفسه ضعيفة أمام تلك العادة التي أرهقت صحته وعلاقاته وأحرقت ماله؟!
أعزائي، سقت لكم هذه القصة الواقعية، لأني أعلم أن البعض يعاني من بعض العادات السيئة ويريد التخلص منها..ومن تأمل كيف تتكون العوائد الإيجابية والسلبية، لعلم أنها تبدأ بالمعرفة والقناعة، ثم التدريب مع التدرج، ثم التطبيق، ومع الوقت تكتسب السلوكيات الحسنة وتعالج ما يضادها.. وما عليك سوى رصد ذلك بعقل وموضوعية بعيدا عن العاطفة أو العادة المحكمة، وإليك وصية جامعة للب التدريب الإيجابي، حاول لـمّــا تريد معالجة شيء سلبي أن تغير «الروتين السابق» وتغير البيئة «سكنا، زمالة، برنامجاً، نظاما»، وستحس بالفرق، وسيخف الإدمان والتوتر.. ثم تحس بنشوة النجاح كما حصل لصاحبي الذي ودع الدخان بلا رجعة.. وإلى لقاء قادم بإذن الله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد