الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
غير قليل ممن يتصل بي، أو يزورني ليستشيرني في حياته الزوجية، رجلاً كان أم امرأة، لا يحتاج إلى هذه الاستشارة، لأن شكواه التي أتاني يستشيرني بشأنها ليست ذات بال، ولا تستحق هذا الاهتمام بها، ويمكن أن تُعالج عبر مصارحة لطيفة بين الزوجين .
ولعل أهم سبب في كثرة هذه الاستشارات غير الملحة، هو انخفاض نسبة الرضا في الحياة الزوجية، فما أسباب انخفاض نسبة الرضا؟
من هذه الأسباب :
1- السعي إلى الكمال، والتماس المثالية، دون إدراك الزوجين أن الكمال لله وحده، وأن المثالية تكاد تكون نادرة جداً إن لم نقل إنها مفقودة .
وعلاج ذلك في إدراك الزوجين هذه الحقيقة، وهي أنه ينبغي التوقف عن السعي إلى الكمال والتماس المثالية، أو على الأقل أن لا أجعل من ذلك مشكلة تعطل مسيرة حياتي الزوجية الناجحة إلى قدر كبير .
2- المقارنات : فهذا رجل يقارن زوجته بنساء أخريات، من حيث الشكل، أو العلم، أو المال، أو غير ذلك، فيقل رضاه عن زوجته وقبوله بها .وهذه امرأة تقارن زوجها برجال آخرين، من حيث الشكل أو المرتب الكبير، أو غير ذلك، فينخفض رضاها عن زوجها .
وعلاج ذلك في التوقف عن النظر إلى من هي خير من زوجتي، ونظر المرأة إلى من هو خير من زوجها، بل ينظر الرجل إلى من ابتلي بامرأة أسوأ من زوجته، وتنظر المرأة إلى من ابتليت برجل أسوأ من زوجها، أو ينظر الرجل إلى غيره من الرجال الذين لم يتزوجوا لسبب من الأسباب، وكذلك المرأة تنظر إلى غيرها من النساء اللواتي لم يتزوجن قط . قال النبي (انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم)صحيح مسلم .
3- تركيز النظر على السلبيات حتى وإن كانت قليلة وإغماض العين عن الإيجابيات حتى وإن كانت كثيرة، فهذا رجل عنده زوجة متدينة، مطيعة، أنجبت له أطفالاً أذكياء متفوقين، ربتهم على التقوى والصلاح، لكنها متوسطة الجمال، أو حتى قليلة الجمال، فيكرهها وينفر منها ولعله يظلهما، وكذلك المرأة التي رزقت زوجاً صالحاً ، كريماً لكنه لا يُسمعها كلاماً طيباً، فتبغضه وتنفر منه ولعلها تريد الطلاق منه .يقول النبي (لا يفركنَّ مؤمن مؤمنةً ، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) مسلم في صحيحه .وكذلك مطلوب من المرأة أن لا تبغض زوجها لخلق تكرهه فيه مع وجود أخلاق أخرى ترضاها فيه .
4- طلب الدنيا وتقديمُها على الآخرة :وهذا سبب مؤثر جداً في تقليل رضا الأزواج والزوجات عن حياتهم الزوجية، إذ إن تقديم الدنيا يجعل الزوجين بعيدين عن الله تعالى الذي إذا أحب عبداً منعه منها؛ فعن قتادة رضي الله عنه أن النبي قال (إذا أحب الله عبداً حماه في الدنيا كما يحمي أحدُكم سقيمه الماء) صحيح أخرجه الترمذي والحاكم والبيهقي .فكثير من الخلافات الزوجية ناتج عن خلافات مالية ونزاعات مادية، وكأن الدنيـا هي كل شيء ، بينما طلب الآخرة، والسعي إليها ، يجعل الزوجين أزهد بالدنيا وأعظم رضى عن حياتهما ، ومن ثم لا يكون المال سبباً في نزاعهما وشجارهما .
ولعلاج ذلك ينبغي التأسي بالنبي الذي كان أزهد الناس في الدنيا ، وتتبعُ سيرته ، ففيها من هذا الكثير الكثير .كذلك يجب التأمل في ذم الله تعالى متاع الدنيا الذي وصفه بمتاع الغرور وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور آل عمران 185 ، الحديد 20 .
وبأنه قليل فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل التوبة 38 .
متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد آل عمران 197 .
متاع قليل ولهم عذاب أليم النحل 117 .
قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى النساء 77 .
وجاء ذكر متاع الدنيا دون وصف لتحقيره وتقليله وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع الرعد 26 .
يا قوم إنما هذه الدنيا متاع غافر 39 .
أو جاء مضافاً إلى الحياة الدنيا للتقليل من شأنه .
ذلك متاع الحياة الدنيا والله عند حسن المآب آل عمران 14 .
إنما بغيكم على أنفسكم متاعَ الحياة الدنيا يونس 23 .
وما أوتيتم من شيء، فمتاعُ الحياة الدنيا وزينتُها القصص 60 .
أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا القصص 61 .
وإن كل ذلك لما متاعُ الحياة الدنيا الزخرف 35 .
إن الزهد في الدنيا ومتاعه ، والسعي إلى الآخرة ونعيمها، يزيد في رضا الزوجين، ويبعد عنهما النزاعات المادية .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد