الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي، الطبعة الأولى 1422هـ، دار ابن الجوزي. (اعتنى به سعد بن فواز الصميل).
1. قال تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) وأنزله بهذا اللسان لنعقله ونفهمه، وأمرنا بتدبره، والتفكر فيه، والاستنباط لعلومه، وما ذاك إلا لأن تدبره مفتاح كل خير، محصل للعلوم والأسرار. فلله الحمد والشكر والثناء، الذي جعل كتابه هدى وشفاءً ورحمة، ونوراً وتبصرة وتذكرة وعبرة، وبركة وهدى وبشرى للمسلمين .
فإذا عُلِم هذا؛ علم افتقار كل مكلف لمعرفة معانيه والاهتداء بها، وكان حقيقاً بالعبد أن يبذل جهده ويستفرغ وسعه في تعلمه وتفهمه بأقرب الطرق الموصلة إلى ذلك. ص4 .
2. وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة: فالعامة هي خلقه للمخلوقين ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا، والخاصة تربيته لأوليائه، فيربيهم بالإيمان، ويوفقهم له، ويكملهم، ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه. وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير والعصمة من كل شر، ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب، فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة. ص32 .
3. قال تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم) فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد؛ ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته لضرورته إلى ذلك. ص33 .
4. أما الحروف المقطعة في أوائل السورة؛ فالأسلم فيها السكوت عن التعرض لمعناها من غير مستند شرعي، مع الجزم بأن الله تعالى لم ينزلها عبثاً، بل لحكمة لا نعلمها. ص34.
5. قال تعالى: (ومما رزقناهم ينفقون) أتى بمن الدالة على التبعيض؛ لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءاً يسيراً من أموالهم غير ضار لهم، ولا مثقل بل ينتفعون هم بإنفاقه، وينتفع به إخوانهم. وفي قوله:(رزقناهم) إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم ليست حاصلة بقوتكم وملككم، وإنما هي رزق الله الذي خولكم وأنعم به عليكم ، فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم ، وواسوا إخوانكم المعدمين . ص36.
6. كثيراً ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن؛ لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود، والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده؛ فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبو وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه فلا إخلاص ولا إحسان. ص36ـ 37 .
7. قال تعالى: (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين). أتى بعلى في الهدى لأن صاحب الهدى مستعل بالهدى مرتفع به، وأتى بفي في الضلالة لأن صاحب الضلال منغمس فيه محتقر. ص37 .
8. قال تعالى: (ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات): (استوى): ترد في القرآن على ثلاثة معانٍ: فتارة لا تعدى بالحرف فيكون معناها: الكمال والتمام، كما في قوله تعالى عن موسى: (ولما بلغ أشده واستوى)؛ وتارة تكون بمعنى علا وارتفع، وذلك إذا عديت بعلى كقوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)؛ وقوله تعالى: (لتستووا على ظهوره)؛ وتارة تكون بمعنى قصد كما إذا عُديت بإلى كما في هذه الآية ، أي: لما خلق تعالى الأرض قصد إلى خلق السماوات فسواهن سبع سماوات. ص52 ـ 53.
9. قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون). ليس في الآية أن الإنسان إذا لم يقم بما أُمر به أنه يترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لأنها دلت على التوبيخ بالنسبة إلى الواجبين، وإلا فمن المعلوم أن على الإنسان واجبين: أمر غيره ونهيه، وأمر نفسه ونهيها، فترك أحدهما لا يكون رخصة في ترك الآخر، فإن الكمال أن يقوم الإنسان بالواجبين، والنقص الكامل أن يتركهما، وأما قيامه بأحدهما دون الآخر فليس في رتبة الأول وهو دون الأخير، وأيضاً فإن النفس مجبولة على عدم الانقياد لمن يخالف قوله فعله، فاقتداؤهم بالأفعال أبلغ من اقتدائهم بالأقوال المجردة. ص60 .
10. اعلم أن كثيراً من المفسرين قد أكثروا في حشو تفاسيرهم من قصص بني إسرائيل، ونزلوا عليها الآيات القرآنية، وجعلوها تفسيراً لكتاب الله، محتجين بقوله: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج).
والذي أرى أنه وإن جاز نقل أحاديثهم على وجه تكون مفردة غير مقرونة ولا منزلة على كتاب الله، فإنه لا يجوز جعلها تفسيراً لكتاب الله قطعاً إذا لم تصح عن رسول الله، وذلك أن مرتبتها كما قال: (لاتصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم)، فإذا كانت مرتبتها أن تكون مشكوكاً فيها، وكان من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن القرآن يجب الإيمان به والقطع بألفاظه ومعانيه، فلا يجوز أن تجعل تلك القصص المنقولة بالروايات المجهولة التي يغلب على الظن كذبها، أو كذب أكثرها معاني لكتاب الله مقطوعاً بها، ولا يستريب بهذا أحد، ولكن بسبب الغفلة عن هذا حصل ما حصل، الله الموفق. ص70.
11. قال تعالى: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني وهو متناول لمن ترك تدبر القرآن ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه. ص71 .
12. قال تعالى: (ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون * واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان). لما كان من العوائد القدرية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه وأمكنه الانتفاع به ولم ينتفع؛ ابتلي بالاشتغال بما يضره، فمن ترك عبادة الرحمن؛ ابتلي بعبادة الأوثان، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه؛ ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله أنفقه في طاعة الشيطان، ومن ترك الذل لربه؛ ابتلي بالذل للعبيد، ومن ترك الحق ؛ ابتلي بالباطل، كذلك هؤلاء اليهود لما نبذوا كتاب الله اتبعوا ما تتلوا الشياطين. ص80 ـ 81 .
13. قال تعالى: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها). وإذا كان لا أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، فلا أعظم إيماناً ممن سعى في عمارة المساجد بالعمارة الحسية والمعنوية؛ كما قال تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر). ص86 .
14. قال تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) وقال تعالى: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير). أي وإذ دعا إبراهيم لهذا البيت أن يجعله الله بلداً آمناً ويرزق أهله من أنواع الثمرات، ثم قيد هذا الدعاء للمؤمنين تأدباً مع الله إذ كان دعاؤه الأول فيه الإطلاق، فجاء الجواب فيه مقيداً بغير الظالم، فلما دعا لهم بالرزق وقيده بالمؤمن وكان رزق الله شاملاً للمؤمن والكافر والعاصي والطائع قال تعالى: (ومن كفر) أي: أرزقهم كلهم مسلمهم وكافرهم، أما المسلم فيستعين بالرزق على عبادة الله ثم ينتقل منه إلى نعيم الجنة، وأما الكافر فيتمتع فيها قليلاً، (ثم أضطره)؛ أي: ألجئه وأخرجه مكرهاً (إلى عذاب النار وبئس المصير). ص92 .
15. قال تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم). (وما أوتي النبيون من ربهم) دلالة على أن عطية الدين هي العطية الحقيقية المتصلة بالسعادة الدنيوية والأخروية، لم يأمرنا أن نؤمن بما أوتي الأنبياء من الملك والمال ونحو ذلك، بل أمرنا أن نؤمن بما أعطوا من الكتب والشرائع .ص96.
16. قال تعالى: (ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات) يستدل بهذه الآية الشريفة على الإتيان بكل فضيلة يتصف بها العمل، كالصلاة في أول وقتها، والمبادرة إلى إبراء الذمة من الصيام والحج والعمرة وإخراج الزكاة، والإتيان بسنن العبادات وآدابها، فلله ما أجمعها وأنفعها من آية. ص108 .
17. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين). وهذه منقبة عظيمة للصابرين فلو لم يكن للصابرين فضيلة إلا أنهم فازوا بهذه المعية من الله لكفى بها فضلاً وشرفاً. ص112.
18. قال تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون * ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله). ما أحسن اتصال هذه الآية بالتي قبلها ، فإنه تعالى لما بيّن وحدانيته وأدلتها القاطعة وبراهينها الساطعة الموصلة إلى علم اليقين المزيلة لكل شك ذكر هنا أن (من الناس)؛ مع هذا البيان التام (من يتخذ) من المخلوقين (أنداداً) لله؛ أي: نظراء ومثلاً يساويهم في الله بالعبادة والمحبة والتعظيم والطاعة، ومن كان بهذه الحالة ـ بعد إقامة الحجة وبيان التوحيد ـ علم أنه معاند لله، مشاق له، أو معرض عن تدبر آياته، والتفكر في مخلوقاته فليس له أدنى عذر في ذلك، بل قد حقت عليه كلمة العذاب. ص122 .
19. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون) أي: فاشكروه، فدل على أن من لم يشكر الله لم يعبده وحده، كما أن من شكره فقد عبده وأتى بما أمر به، ويدل أيضاً على أن أكل الطيب سبب للعمل الصالح وقبوله. ص126.
20. قال تعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون). وهذا يدل على أن الله تعالى يحب من عباده أن يعملوا أفكارهم وعقولهم في تدبر ما في أحكامه من الحكم والمصالح الدالة على كماله وكمال حكمته وحمده وعدله ورحمته الواسعة، وأن من كان بهذه المثابة فقد استحق المدح بأنه من ذوي الألباب الذين وجه إليهم الخطاب وناداهم رب الأرباب، وكفى بذلك فضلاً وشرفاً لقوم يعقلون. ص133 .
21. قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) أي: ولا تأخذوا أموالكم أي أموال غيركم، أضافه إليهم لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحترم ماله كما يحترم ماله، ولأن أكله لمال غيره يجرئ غيره على أكل ماله عند القدرة. ص140 .
22. قال تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه). ويستفاد من تعليل الآية النهي عن مخالطة كل مشرك ومبتدع؛ لأنه إذا لم يجز التزوج مع أن فيه مصالح كثيرة؛ فالخلطة المجردة من باب أولى وخصوصاً الخلطة التي فيها ارتفاع المشرك ونحوه على المسلم كالخدمة ونحوها. ص165 .
23. قال تعالى: (إن تبدو الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم). في قوله: (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم)؛ فائدة لطيفة، وهو أن إخفاءها خير من إظهارها إذا أعطيت الفقير. فأما إذا صرفت في مشروع خيري لم يكن في الآية ما يدل على فضيلة إخفائها، بل هنا قواعد الشرع تدل على مراعاة المصلحة، فربما كان الإظهار خيراً لحصول الأسوة والاقتداء وتنشيط النفوس على أعمال الخير. ص196
24. قال تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين) أمرهم تعالى بالمسارعة إلى مغفرته وإدراك جنته التي عرضها السماوات والأرض، فكيف بطولها التي أعدها الله للمتقين؟!. ص243 .
25. قال تعالى: (ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون) وفي هذه الآية دليل على أنه لا يكره تمني الشهادة. ووجه الدلالة أن الله تعالى أقرهم على أمنيتهم، ولم ينكر عليهم، وإنما أنكر عليهم عدم العمل بمقتضاها. ص247 .
26. قال تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين). وفي هذه الآية أعظم دليل على فضيلة الصديق الأكبر أبي بكر وأصحابه الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول الله لأنهم هم سادات الشاكرين. ص248 .
27. قال تعالى: (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) في هذه الآية إشارة لطيفة إلى نعيم البرزخ وعذابه وأن العاملين يجزون فيه بعض الجزاء مما عملوه ويقدم لهم أنموذج مما أسلفوه يفهم هذا من قوله: (وإنما توفون أجوركم يوم القيامة)؛ أي توفيه الأعمال التامة إنما يكون يوم القيامة، وأما ما دون ذلك فيكون في البرزخ، بل قد يكون قبل ذلك في الدنيا كقوله: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر). ص267 .
28. قال تعالى: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم). دلت الآية بمفهومها على أن من أحب أن يحمد ويثنى عليه بما فعله من الخير واتباع الحق إذا لم يكن قصده بذلك الرياء والسمعة أنه غير مذموم، بل هذا من الأمور المطلوبة التي أخبر الله أن يجزي بها المحسنين له الأعمال والأقوال، وأنه جازى بها خواص خلقه وسألوها منه كما قال إبراهيم (واجعل لي لسان صدق في الآخرين)، وقال: (سلام على نوح في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين)، وقد قال عباد الرحمن: (واجعلنا للمتقين إماما)، وهي من نعم الباري على عبده ومننه التي تحتاج إلى شكر.ص 269 .
29. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) فعلم من هذا أنه لا سبيل إلى الفلاح بدون الصبر والمصابرة والمرابطة المذكورات، فلم يفلح من أفلح إلا بها ولم يفت أحداً الفلاح إلا بالإخلال بها أو ببعضها. ص273 .
30. قال تعالى: (وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفا). يؤخذ من المعنى أن كل من له تطلع وتشوف إلى ما حضر بين يدي الإنسان ينبغي له أن يعطيه منه ما تيسر. ص 278 .
31. قال تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم) وهذا مما يدل على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالدين، حيث أوصى الوالدين مع كمال شفقتهم عليهم. ص280 .
32. قال تعالى: (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السبت) قال تعالى: (من قبل أن نطمس وجوها ًفنردها على أدبارها): وهذا جزاء من جنس ما عملوا؛ كما تركوا الحق وآثروا الباطل وقلبوا الحقائق فجعلوا الباطل حقاً والحق باطلاً، جوزوا من جنس ذلك بطمس وجوههم كما طمسوا الحق ص312 .
33. قال تعالى: (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتا) يخبر تعالى أنه لو كتب على عباده الأوامر الشاقة على النفوس من قتل النفوس والخروج من الديار؛ لم يفعله إلا القليل منهم والنادر؛ فليحمدوا ربهم وليشكروه على تيسير ما أمرهم به من الأوامر التي تسهل على كل أحد ولا يشق فعلها، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يلحظ العبد ضد ما هو فيه من المكروهات؛ لتخف عليه العبادات ، ويزداد حمداً وشكراً لربه. ص320 .
34. قال تعالى: (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) في هذه الآية ذم لهم وتوبيخ على عدم فهمهم وفقههم عن الله ورسوله، وذلك بسبب كفرهم وإعراضهم. وفي ضمن ذلك مدح من يفهم عن الله وعن رسوله، والحث على ذلك وعلى الأسباب المعينة على ذلك من الإقبال على كلامهما، وتدبره وسلوك الطرق الموصلة إليه. ص327 .
35. قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا ) يأمر تعالى بتدبر كتابه، وهو التأمل في معانيه وتحديق الفكر فيه وفي مبادئه وعواقبه ولوازم ذلك؛ فإن في تدبر كتاب الله مفتاحاً للعلوم والمعارف، وبه يستنتج كل خير وتستخرج منه جميع العلوم، وبه يزداد الإيمان في القلب وترسخ شجرته؛ فإنه يعرّف بالرب المعبود وماله من صفات الكمال وما ينزه عنه من سمات النقص، ويعرّف الطريق الموصلة إليه وصفة أهلها وما لهم عند القدوم عليه، ويعرّف العدو الذي هو العدو على الحقيقة والطريق الموصلة إلى العذاب وصفة أهلها وما لهم عند وجود أسباب العقاب. وكلما ازداد العبد تأملا فيه ؛ ازداد علما ًوعملاً وبصيرة. ص329 .
36. قال تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعو به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم). (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) في هذا دليل لقاعدة أدبية، وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور؛ ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك، ويُجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم؛ فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. ص330 .
37. قال تعالى: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئا ومن قتل مؤمناً خطئاً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا) ومن حكمته أن أوجب في القتل الدية، ولو كان خطأ؛ لتكون رادعة وكافة عن كثير من القتل باستعمال الأسباب العاصمة عن ذلك. ومن حكمته أن أُوجِبت على العاقلة في قتل الخطأ بإجماع العلماء؛ لكون القاتل لم يذنب، فيشق عليه أن يحمل هذه الدية الباهظة، فناسب أن يقوم بذلك من بينه وبينهم المعاونة والمناصرة والمساعدة على تحصيل المصالح وكف المفاسد، ولعل ذلك من أسباب منعهم لمن يعقلون عنه من القتل حذار تحميلهم، ويخف عليهم بسبب توزيعه عليهم بقدر أحوالهم وطاقتهم. ص337 .
38. قال تعالى: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى) قال هنا: (وكلاً وعد الله الحسنى)، وكما قال تعالى في الآيات المذكورة في الصف في قوله: (وبشر المؤمنين)، وكما في قوله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل)؛ أي: ممن لم يكن كذلك، ثم قال: (وكلاً وعد الله الحسنى)، وكما قال تعالى: (ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً). فينبغي لمن بحث في التفضيل بين الأشخاص والطوائف والأعمال أن يتفطن لهذه النكتة، وكذلك لو تكلم في ذم الأشخاص والمقالات؛ ذكر ما تجتمع فيه عند تفضيل بعضها على بعض؛ لئلا يتوهم أن المفضل قد حصل له الكمال؛ كما إذا قيل: النصارى خير من المجوس؛ فليقل مع ذلك: وكل منهما كافر. والقتل أشنع من الزنا، وكل منهما معصية كبيرة، حرمها الله ورسوله، وزجر عنها. ص341 .
39. قال تعالى: (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا) أي إذا فرغتم من صلاتكم صلاة الخوف وغيرها؛ فاذكروا الله في جيمع أحوالكم وهيئاتكم ، ولكن خصت صلاة الخوف بذلك لفوائد: منها: أن فيها من حقائق الإيمان ومعارف الإيقان ما أوجب أن يفرضها الله على عباده كل يوم وليلة، ومن المعلوم أن صلاة الخوف لا تحصل فيها هذه المقاصد الحميدة بسبب اشتغال القلب والبدن، والخوف، فأمر بجبرها بالذكر بعدها . ومنها: أن الخوف يوجب من قلق القلب وخوفه، ما هو مظنة لضعفه، وإذا ضعف القلب ضعف البدن عن مقاومة العدو، والذكر لله والإكثار منه من أعظم مقويات القلب. ص348 .
40. قال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى) يدل مفهومها على أن من لم يشاقق الرسول (ويتبع غير سبيل المؤمنين)؛ بأن كان قصده وجه الله واتباع رسوله ولزوم جماعة المسلمين، ثم صدر منه من الذنوب أو الهم بها ما هو من مقتضيات النفوس وغلبات الطباع؛ فإن الله لا يوليه نفسه وشيطانه، بل يتداركه بلطفه ويمن عليه بحفظه ويعصمه من السوء؛ كما قال تعالى عن يوس : ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين). ص356 .
41. قال تعالى: (الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين). ولم يقل: فتح؛ لأنه لا يحصل لهم فتح يكون مبدأ لنصرتهم المستمرة ، بل غاية ما يكون أن يكون لهم نصيب غير مستقر حكمة من الله. ص373 .
42. قال تعالى: (إن تبدو خيراً أو تخفوه أو تعفو عن سوء فإن الله كان عفواً قديراً)، (أو تعفو عن سوء)؛ أي: عمن ساءكم في أبدانكم وأموالكم وأعراضكم فتسمحوا عنه؛ فإن الجزاء من جنس العمل؛ فمن عفا عفى الله عنه. ومن أحسن ؛ أحسن الله إليه ؛ فلهذا قال: (فإن الله كان عفواً قديرا).
43. قال تعالى: (وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه). فيه فضيلة العلم، وأن الجارح المعلّم بسبب العلم يُباح صيده والجاهل بالتعليم لا يُباح صيده. ص396 .
44. قال تعالى عن بني إسرائيل: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظاً مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم). وهذه الخصال الذميمة حاصلة لكل من اتصف بصفاتهم، فكل من لم يقم بما أمر الله به وأخذ به عليه الالتزام؛ كان له نصيب من اللعنة، وقسوة القلب، والابتلاء بتحريف الكلم، وأنه لا يوفق للصواب، ونسيان حظ مما ذُكر به، وأنه لا بد أن يبتلى بالخيانة، نسأل الله العافية. ص407 .
45. قال تعالى: (وإن جندنا لهم الغالبون) وهذه بشارة عظيمة لمن قام بأمر الله وصار من حزبه وجنده أن له الغلبة، وإن أُديل عليه في بعض الأحيان لحكمة يريدها الله تعالى؛ فآخر أمره الغلبة والانتصار، ومن أصدق من الله قيلا. ص430 .
46. قال تعالى: (الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور) ذكر الله الظلمات بالجمع لكثرة موادها وتنوع طرقها ، ووحد النور لكون الصراط الموصلة إلى الله واحدة لا تعدد فيها، وهي الصراط المتضمنة للعلم بالحق والعمل به؛ كما قال تعالى: (وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله). ص460 .
47. قال تعالى: (وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون)؛ أي: ولكن ليذكرهم ويعظهم لعلهم يتقون الله تعالى. وفي هذا دليل على أنه ينبغي أن يستعمل المذكر من الكلام ما يكون أقرب إلى حصول مقصود التقوى، وفيه دليل على أنه إذا كان التذكير والوعظ مما يزيد الموعوظ شراً إلى شره ؛ كان تركه هو الواجب؛ لأنه إذا ناقض المقصود؛ كان تركه مقصوداً. ص482 ـ 483 .
48. قال تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون) عن الله وصيته ثم تحفظونها ثم تراعونها وتقومون بها .ودلت الآية على أنه بحسب عقل العبد يكون قيامه بما أمر الله به. ص523 .
49. قال تعالى: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون) فأكبر سبب لنيل رحمة الله اتباع هذا الكتاب علماً وعملاً. ص525 .
50. قال تعالى: (فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون) في هذه الآيات دليل على أن علم القرآن أجلّ العلوم وأبركها وأوسعها، وأنه به تحصل الهداية إلى الصراط المستقيم هداية تامة لا يحتاج معها إلى تخرص المتكلمين ولا إلى أفكار المتفلسفين ولا لغير ذلك من علوم الأولين والآخرين. ص526 .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد