الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
التّوسّط الّذي هو اتّباع الحقّ الّذي هو بين باطلين اللّذين هما الجفاء والغلوّ لا يقدر على الثّبات والعكوف عليه والدّوران معه حيث دار إلّا الأقلّون.
فجمهور النّاس حين تعوزهم الحجج يعوّضونها بالمبالغات، فإن أرادوا التّنفير لم يرضوا أن يقولوا (مكروه) حتّى يجعلوه (حرامًا) زيادة في التّنفير، ولا يقبلون أن يقولوا (مندوب) حتّى يجعلوه (واجبًا) زيادة في التّرغيب، ولا يرضون في الحب ّ إلّا السّقف الأعلى الأعمى عن كلّ نقيصة وخطأ ولا في الكره إلّا الدّرك الأسفل الأعشى عن كلّ فضيلة وصواب، فإن تبيّن لهم خطأ رأي بعد أن دافعوا عنه واعتنقوه ارتدّوا إلى ما يضادّه فدافعوا عنه من غير أن يكون لهم فيما بين هذا وذاك مرور على ذلك الوسط الدّقيق الّذي لا يقدر على الوقوف عليه إلّا نوادر وأفذاذ.
فلا تعجب إن رأيت متزمّتاً صار ملحدًا ولا ملحداً بات غالياً متشدّداً، فالمنهج واحد وإن بدا لك بادي الرّأي بعد ما بينهما فإنّه في منظومة التّعصّب خاضع لبعد واحد = الحدّيّة في المواقف.
ولذلك فمن ميزات ترك هذا النّهج النّفسيّ أكثر منه العلميّ في التّعاطي مع الماجريات والعلم والنّاس، والتزام التّوسّط والاعتدال ما يأتي:
1. السّلامة من غلوّ وجفاء مذمومين بكلّ حال.
2. كثرة موافقة الصّواب، فإن وقع خطأ فهو قليل وسائغ في الغالب، فإن لم يسغ لم يفحش.
3. سهولة الرّجوع إلى الحقّ القريب الّذي ما دمت قريبًا من الوسط فأنت منه قريب، وأمّا إن ركزت لواءك في أحد المعسكرين على الأطراف فقد لا تراه بعد عامك ذاك إلّا أسيرًا في المعسكر المقابل أو قتيلاً بين الصّفّين.
4. تحلّيك بحلّة أقلّ الأصناف الّذين هم الأشراف وهي الإنصاف.
5. السّلامة من التّقلّبات الحدّيّة من الشّيء إلى ضدّه ومنه إلى نقيضه.
6. ازدياد قدرتك على فهم المخالف والموافق ورؤية الحقّ الّذي عند من تخالفه والباطل عند من توافقه.
7. السّلامة من الانغلاق الفكري والتّحجّر المفاهيمي وخطاب النّفس ومصارعة طواحين الهواء واتّخاذ خصوم القشّ.
8. تزايد قدرتك على الإعذار والمسامحة وإحسان الظّنّ والتّعايش الودّي.
9. اتّساع دائرتك في الحوار والمخالطة والعلاقات الإنسانيّة ومن ثمّ ارتفاع التّحسينيّات والتّكميليّات في أخلاقك فضلا عن القدر الضّروريّ الواجب منها.
10. الالتذاذ بمصاحبة الحقّ وإرادته وحده الّتي لا تعدلها لذّة، حتّى يصير لك هاجسًا فتدمنه.
ربّ يسّر وأعن!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد