الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون... نحن في مناسبة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، أردت في هذا الدرس ـ إن وفقني الله عزَّ وجل ـ أن أتناول موضوع الهجرة من زاويةٍ واحدة، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه في الحديث الصحيح، أن الله سبحانه وتعالى يقول: ((عبادةٌ في الهرج كهجرةٍ إليّ))
يعني عبادةٌ في زمن الفتنة كهجرةٍ إلي، أما أحاديث الفتنة، وأحاديث الفتن، وأحاديث آخر الزمان، فما أكثرها، وما أكثر الموضوع منها، وما أكثر الضعيف.
عُدت إلى صحيح البخاري على باب الفتن لأرى الأحاديث الصحيحة، والبخاري، كما تعلمون، من أصح الكُتب بعد كتاب الله، فوجدت في أحاديث البخاري الصحيحة عن الفتن شيئاً دقيقاً جداً، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يعيش معنا، هذه الأحاديث أيها الإخوة قيمتها أنك تستطيع أن تفسِّر بها ما يجري، وأنك لا تفاجأ، إن كان هناك أسئلة تحيِّر، ففي هذه الأحاديث إجابةٌ عنها. أولاً عي صحيحة، وثانياً أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى بل هي وحيٌ من عند الله عز وجل، والله يعلم ما سيكون.
النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ((أنا فَرَطُكم على الحوض ـ (فرطكم ) أي أسبقكم، سابقكم على الحوض ـ ليرفعن إلي رجالٌ منكم ـ يوم القيامة ـ حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني ـ أي جذبوا ومنعوا ـ فأقول: أي ربِّ أصحابي!! يقول الله عزَّ وجل: لا تدري ما أحدثوا بعدك))
الذين جاءوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، يرونه يوم القيامة، يأتي ليسقيهم من حوضه الشريف، يجذبون ويمنعون.
((يقول: أي رب إنهم أصحابي!!. يقول الله عزَّ وجل: لا تدري ماذا أحدثوا بعدك))
إذاً كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؟ الفرقة الناجية كما قال عليه الصلاة والسلام: ((ما أنا عليه وأصحابي))
فأول شيء من علامات الفتن أن يحدث في الإسلام أمورٌ لم تكن من قبل.
حديثٌ آخر يصف حالة آخر الزمان.
حدثنا زيد بن وهب، سمعنا عبد الله قال: قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنكم سترون بعدي أثرةً)) يعني كل إنسانٍ يحب نفسه، يحب مصلحته، يؤثر كسب المال من أي طريقٍ كان، لا يعنيه عامة المسلمين، ينبغي أن يشبع وحده، وأن يسكن وحده، وأن يتزوَّج وحده، وأن يتنعَّم وحده، وأن يطمئن وحده، كأن هذه العلامة علامةٌ صادقةٌ على هذا الزمان..
((إنكم سترون بعدي أثرةً ـ أي حباً للذات ـ وأموراً تنكرونها. قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقك))
يعني أدِ الذي عليك، واطلب من الله الذي لك، قد تعيش إلى زمان لا تستطيع أن تتعامل مع الناس، تنجو من عذاب الله أن تؤدي لهم حقهم، وأن تسأل الله حقك منهم، أدِ حقهم واطلب من الله حقك منهم.
((إنكم سترون بعدي أثرةً وأموراً تنكرونها. قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: أدووا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم)).
قاعدةً ممتازةً لآخر الزمان، الإنسان أحياناً لا يستطيع أن يتعامل مع أهله، مع أقرب الناس إليه، نقول له: أدِ الذي عليك، واطلب من الله الذي لك، الإنسان أحياناً لا يستطيع أن يتعامل مع شريكه، نقول: أدِ الذي عليك واطلب من الله الذي لك، لا يستطيع أن يتعامل مع جاره، نقول له: أدِ الذي عليك واطلب من الله الذي لك.. " إنكم سترون بعدي أثرةً وأموراً تنكرونها. قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم"
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كره من أميره شيئاً فليصبر))
ما كل شيءٍ يعجبك وما كل شيءٍ ترتاح له، عليك أن تصبر لأنك إن لم تصبر أحدثت فتنةً كبيرة، لذلك أنت مطيعٌ لله عزَّ وجل إذا صبرت على أميرك، لأنه فتنةٌ تدوم، شرٌ مستطير، وإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن..
((من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتةً جاهلية))
دائماً المسلم مصلحة المسلمين مقدمةٌ على مصلحته الخاصة، أمن المسلمين مقدمٌ على أمنه الخاص، كفاية المسلمين مقدمةٌ على كفايته، هذا سبب صبره.
وقد قال ابن عباسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات مات ميتةً جاهلية))
يعني لو أردت أن أطبق هذا الحديث على المسجد، يعني إن رأيت من أخوك شيء، هل هذا يستدعي أن تدع المسجد، وأن تدع الجماعة؟ هناك أناس على أي تصرف سيء من أخٍ لهم يدعون المسجد، هذا غلط كبير، يعني إن رأيت مثلاً مشكلةً في المسجد، أتهدم المسجد ؟ أصلح هذه المشكلة، ابتعد عن هذه المشكلة، فـ.. ((من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات مات ميتةً جاهلية))
الإنسان وحده يظلم قلبه، وتضعف نفسه، ويفتي لنفسه، ويتجاوز الحدود، ويعيش مع الأناس بانحرافاتهم، وتصوَّراتهم، أما إذا أتى بيت الله عزَّ وجل ففيه الحق، وفيه النور، وفيه الطمأنينة، لو أن إنسان في المسجد أزعجك، هل يعني ذلك أن تدع المسجد ؟ لو أن الأمير أزعجك ينبغي ألا تفارق الجماعة.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال بعض أصحابه: "بايعنا رسول الله على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرةً علينا، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن نرى كفراً بواحاً لنا من الله فيه برهان". كلام دقيق جداً:
بايعنا رسول الله على السمع، أن نصغي للحق وأن نطيع..
﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾(سورة النساء: من آية " 46")
لا..
﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾(سورة البقرة: من آية "93")
على السمع والطاعة في منشطنا، في إقبال الدنيا علينا وفي إدبارها عنا، في صحتنا وفي مرضنا، في قوتنا وفي ضعفنا، في التفاف الناس حولنا وفي انفضاضهم عنا، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرةً علينا ولو كنا مستضعفين، ولو كنا الأقل عدداً والأقل حظوظاً، نحن بايعنا رسول الله على السمع والطاعة، والدنيا لا تقدم ولا تؤخر، وألا ننازع الأمر أهله، أنت تبتغي الله والدار الآخرة، دعك من الدنيا، ودعك من أهل الدنيا، ودعك من حظوظ الدنيا، ودعك مما في الدنيا، إلا أن نرى كفراً بواحاً لنا من الله فيه برهان، يعني حينما يكون النطق بالكفر صريحاً، وحينما يكون الفعل فعل الكفار صريحاً هذا شيءٌ آخر، لكن بايعنا النبي على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرةً علينا وألا ننازع الأمر أهله.
وعن زينب بنت جحشٍ رضي الله عنها قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من النوم محمَّراً وجهه يقول: ((لا إله إلا الله ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب))
ألا يفسر هذا الحديث بعض ما يعانيه المسلمون والعرب اليوم؟
((ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب. فقالوا: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخَبَث))
يعني الصالحون صالحون ليسوا مصلحين، إذا انسحبوا، وهربوا، ولم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر، واكتفوا بأنفسهم، ولم يعبئوا بما يجري".. أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث". أما هؤلاء الصالحون لو نهضوا وشمروا، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وأقاموا الإسلام في بيوتهم، وبذلوا، وضحوا، عندئذٍ يختلف الأمر.
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطمٍ من آطام المدينة ـ أي على تلةٍ صغيرة ـ فقال:
هل ترون ما أرى؟
قالوا: لا.
قال: "فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر ".
الآن اصعد إلى الجبل وانظر إلى المدينة، ربما رأيت الفتن على السطوح، أليس كذلك؟ هذه تستقبل البلاء، هذه لاستقبال البلاء، وهذه رؤيةٌ غيبية كأن النبي صلى الله عليه وسلم حدَّثنا عما سيكون، لأن النبي إذا حدثنا عما سيكون هذا من إعلام الله له، ليس علم غيبٍ، ولكن الله عزَّ وجل يقول: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾(سورة الجن)
أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطمٍ من آطام المدينة فقال:
ـ هل ترون ما أرى؟
ـ قالوا: لا.
ـ قال: "فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر".
فلذلك نعود إلى مناسبة هذا الدرس..
((عبادةٌ في الهرج كهجرةٍ إليّ))
ونحن في ذكرى الهجرة، المعنى الذي يناسبنا، أو علاقتنا بالهجرة، أو الموقف العملي من الهجرة أن نعبد الله في زمن الفتنة، في زمن النساء الكاسيات العاريات، المائلات المميلات، في زمنٍ يصدَّق فيه الكاذب، ويكذَّب فيه الصادق، في زمنٍ يضام فيه الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، في زمنٍ يؤتمن فيه الخائن ويخوَّن الأمين، في زمنٍ يؤمر فيه بالمنكر وينهى عن المعروف، فـ عبادةٌ في هذا الزمن كهجرةٍ إليّ، يعني لك أن تصل إلى مرتبة الهجرة إذا عبدت الله في زمن الفتنة.
يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل))
الحقيقة الجهل له معنيان؛ معنى علمي ومعنى أخلاقي، إن رأيت إنساناً يعربِد، يعتدي، يصول ويجول تقول: هذا جاهل، وهذه جهالة، فالجاهلية عصرٌ فيه جهلٌ وفيه انحراف، والشاعر يقول: ألا لا يجهلـن أحدٌ عليـنا فنجهل فوق جهل الجاهلين
معنى الجهل أحياناً هو الانحراف، التعدي، الطغيان، العربدة. يقول عليه الصلاة والسلام: ((إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم))
قلما ترى إنساناً يعرف الحقيقة، الناس نيام، الناس في خضم المعاصي، الناس في خضم الفتن، أيَّة صرعةٍ تأتيهم من الخارج يقلِّدونها ولو على حساب دينهم، ولو على حساب مبادئهم، ولو أنها تفضح نساءهم، ولو أنها تتفشى فيهم الفواحش، تقليد؛ تسميه عصرنة، تسميه حداثة، تسميه حضارة، تسميه تقدُّم، على كلٍ الناس لو دخل الكفار جحر ضبٍ لدخلتموه، هذا من علامات آخر الزمان.
((ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج والمرج، لا يدري المقتول لم يقتل ولا القاتل فيم يقتل))
"موتٌ كعقاص الغنم"، لا يدري القاتل لم يقتل، يقتل امرأةً، وأنتم رأيتم بأعينكم في لبنان، طفلاً، شاباً، مريضاً، إنسان بريء مدني ليس له علاقة يقتل، لماذا؟ لا يعرف، لا يدري القاتل لم يقتل ولا المقتول فيم قتل، هذا زمن الهرج والمرج، فلذلك: ((يرفع فيه العلم، ويكثر فيها الهرج والمرج))
يقول عليه الصلاة والسلام، متحدثاً عن آخر الزمان، وهذه قاعدة أساسية، يقول عليه الصلاة والسلام: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر))
الذي يسب مسلماً يفسق، هذا مسلم، هذا رجل عرف الله، استقام على أمره، هذا إنسان منضبط، فالذي يسبه فاسق، أما الذي يقاتله كافر. يقول عليه الصلاة والسلام: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر))
ومن علامات آخر الزمان ـ هذه كلها أحاديث في البخاري في باب الفتن ـ يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))
من خصائص الكفر الاقتتال، وقبل الاقتتال الطعن، البغضاء، الازدراء، الإجحاف، الظلم، ثم القتل.
((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))
والله عزَّ وجل عندما وقعت فتنةً بين الأنصار ؛ بين أوسهم وخزرجهم، غلامٌ بإيعاذٍ من أحد أهل الكتاب ألقى قصيدةً فيها هجاءٌ للأوس، استفزوا وكادوا يقتتلون، فقال الله عزَّ وجل في مناسبة هذه الحادثة:
﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ﴾(سورة آل عمران: من آية "101")
فالاقتتال، والخصومات، والعداوات، والإنكار، والطعن هذا كله من الجاهلية، من أيام الجاهلية..
((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: ((ستكون فتنٌ ـ فتن كثيرة ـ القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي، ومن تشرَّف لها تستشرفه، فمن وجد منها ملجأً أو معاذاً فليعذ به))
أحياناً يكون بيتك حصن، مسجدك حصن، إخوانك حصن، أقرب الناس إليك حصن، يعني: ((إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه، فامسك لسانك، والزم بيتك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة))(من الجامع لأحكام القرآن)
أيام الإنسان إذا خرج إلى الطريق بلا سبب، وبلا هدف ليتنزه، يفتن، الطريق فيه فتنة، لو فتح مجلة ليقرأها فيها فتنة، لو أراد أن يشاهد ما يشاهده الناس بالليل فتنة، الفتنة في بيته، في الطريق، في القراءة، في السماع، لو ركب مركبة عامة ليسافر، كل الطريق فيه فتنة غناء، فلذلك يقول عليه الصلاة والسلام: ((ستكون فتنٌ القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي، ومن تشرف لها تستشرفه)).
تشرف لها أي تعرض لها، يعني مقهى عام فيه اختلاط، وفيه أغاني، وأنت مسلم وزوجتك محجبة، ليس هذا مكانك، أنت لك مكان آخر، حفلة مختلطة، مثلاً فندق، أشياء لعلك تفتن بها، فعلى قدر المستطاع ابتعد عن أماكن الفتن، عن أماكن المعاصي، عن أماكن الموبقات.
لازلنا في أحاديث الفتن، و: ((عبادةٌ في الهرج كهجرةٍ إليَّ))
نحن في مناسبة هجرة النبي عليه الصلاة والسلام، نحن ليس هناك مكة ومدينة لنهاجر من مكة إلى المدينة، انتهت الهجرة بفتح مكة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا هجرة بعد الفتح))(من الجامع لأحكام القرآن)
ماذا بقي لنا من الهجرة؟ أن تهجر ما نهى الله عنه، أن تهجر أهل الدنيا، أن تهجر أهل المعصية، أن تهجر الفتن، أن تهجر الموبقات. أريد أن أذكر أن هذه الأحاديث أذكرها لأنك في زمن فتنةٍ، وإن عبدت الله في هذا الزمن نجوت وكتب لك أجر المهاجر.
قال: عن حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني. موقف ذكي، الناس يسألون النبي عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت:
ـ يا رسول الله، إنا كنا في جاهليةٍ وشر، فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟
ـ قال: نعم.
ـ قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟
ـ قال: نعم.
شرٌ وجهلٌ، الوحي السماوي كله خير، بعد الخير شر، وبعد الشر خير، لأن " أمتي كالمطر لا يدرى أولها خير أم آخرها ".
ـ قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟
ـ قال: نعم، وفيه دَخَن ـ يعني شوائب، بدع، انحرافات، الإسلام انحرف قليلاً ـ
ـ قلت: وما دخنه؟
ـ قال: قومٌ يهدون بغير هديي.
يخالفون السنة، يبتعدون عنها، يفعلوا شيئاً ما فعله رسول الله، ما فعله أصحابه، يبحثون في موضوعات أغفلها النبي وأصحابه، يتحدَّثون عن خَلْق القرآن، هو كتاب الله، لو أن هناك فائدة ترجى من بحث هذا الموضوع لذكره النبي الكريم وأصحابه الأجلاَّء.
ـ قومٌ يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر.
يعني ممكن عرس مختلط، نساءٌ كاسياتٌ عاريات، ورجل له دعوة إلى الله يجلس بينهم ليبارك هذا العرس؟ تعرف منهم وتنكر، غير معقول.
ـ قلت: وهل بعد ذلك الخير من شر؟
ـ قال: نعم، دعاةٌ على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها.
دعوة إلى النار، إلى المعصية، إلى الفجور، إلى العصيان، إلى الزنا، إلى الخمر، إلى أكل أموال الناس بالباطل. دعاةٌ على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها.
ـ قلت: يا رسول الله صفهم لنا.
ـ قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا.
ـ قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟
ـ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.
كن مع الجماعة، كن مع أهل الحق، انضوي معهم، انتمي إليهم..
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾(سورة التوبة)
تلزم جماعة المسلمين، إذا في فجور، وفسوق، ونوادي ليلية، وزنا، وخمر، ونساءٌ كاسياتٌ عاريات، وربا، واكتساب أموال بالباطل، والناس فوضى لا يضبطهم شرع، ولا قانون، ولا خُلُق، ولا دين، إذا مرجت عهودهم، وانغمسوا في ملاذ الدنيا، تلزم جماعة المسلمين، بيوت الله جنة أيها الإخوة، ألم يقل الله عزَّ وجل: ﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16)﴾(سورة الكهف)
الجامع كهف، وبيتك كهف، ومكان بعيد عن الناس كهف، ومكان بعيد عن الطُرُقات كهف، إذا واحد أحب يقعد بمحل تجاري مطل على الشارع، ألا يفتن؟ يفتن، مكتب أحسن من محل، ومكتب ما له إطلالة على الشارع أحسن، هكذا يقول عليه الصلاة والسلام:
ـ تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.
ـ قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟
ـ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرةٍ حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.
يعني كما قال عليه الصلاة والسلام: ((الجماعة رحمة والفرقة عذاب)) (من الجامع الصغير: عن " النعمان بن بشير")
((عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد))(من الجامع الصغير: عن "عمر")
و.. ((وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية))(من رياض الصالحين: عن " أبي الدرداء")
والإنسان كلما ارتقت مشاعره يرى جنته في بيت الله، وعلامة المؤمن أنه في المسجد كالسمك في الماء، والمنافق في المسجد كالعصفور في القفص، يرتاح المنافق إلى أماكن فيها فجور، وفيها فسق وعصيان، المؤمن يرتاح إلى أماكن جميلة لكنها بعيدة عن المعاصي، يرتاح إلى بيوت الله، يرتاح في بيته، يرتاح في مكان لا معصية فيه.
ويقول عليه الصلاة والسلام قال: أخبرني ابن عباس ـ أحد أصحاب النبي ـ أن أناساً من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين ـ يعني لقاء لا يرضي الله لا تكن معهم أنت، حفل غير شريف، غير مستقيم، غير نظيف، أنت ليس لك مكان معهم، لا تكن معهم، لا تكثر سوادهم، قال: فيأتي السهم فيرمى فيصيب أحدهم فيقتله أو يضربه فأنزل الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ﴾(سورة النساء: من آية " 97 ")
يعني إذا كان في مكان فيه معصية، ما لك مكان أنت معهم، فإن كنت في هذا المكان وصار مكروه، وصارت مشكلة، فمتَّ، توفت الملائكة هذا الإنسان ظالماً لنفسه، لا تكثِّر سواد المشركين، كثِّر سواد المسلمين، أنت حينما تأتي إلى بيت الله، وترى البيت ممتلئ، كثَّرت سواد المسلمين، قوِّيت معنويات الحاضرين.
شيءٌ جميلٌ جداً في هذه المدينة الطيبة، تجد برمضان المغرب ما في أحد في الطرقات، الناس كلهم صائمون، وقت التراويح الناس كلهم إلى بيوت الله، أنت ماذا تفعل؟ تكثِّر سواد المسلمين، أما لو أنه كان في مباراة، والناس تركوا الصلاة، واتجهوا لهذه المباراة مثلاً، تركوا صلاة الجمعة أحياناً، فأنت لا تقوي العصاة بل قوي المؤمنين، أحياناً وجودك مع المؤمنين يقوِّيهم، وقوي الضعاف، لك مكانة أنت، فإذا حضرت، يقولون: فلان كان موجود، وكان فلان موجود، أحياناً وجودك يقوي الحق، إذا إنسان له مكانة، له مرتبة علمية، له مرتبة إدارية، له مكانة في مجتمعه، وحضر مجلس علم، حضر خطبة جمعة، جلس على ركبتيه، إذا واحد ضعيف يقول: فلان ذو مرتبة، فلان ذو مكانة، كان في الدرس، كان في الجامع، كان بالخطبة، كان حضران معنا، هذا شيء عظيم، الفكرة دقيقة: كثِّر سواد المسلمين، قوي معنويات الضعفاء، قوي معنويات المترددين، قوي معنويات المقصِّرين، أحياناً وجودك لو ما استفدت ولا كلمة له معنى كبير، وجودك تكثيرٌ لسواد المسلمين.
الآن ما الذي يحدث؟ لك مكانة وما أتيت، فلان ما أتى، معنى هذا أن المجيء غير ضروري، تضعف معنويات الباقين، أحياناً يكون أخ تعبان بشخص أتى به على الجامع يقول: أين فلان؟ ما جاء، كيف دعاني وهو ما جاء؟ قلِّت قيمة المجيء بنظره، إذا أنت اعتنيت بإنسان، وعاونته على دينه، وتوبته، ودعوته إلى بيتٍ من بيوت الله، وأنت ما حضرت، وسأل: أين فلان؟ لم يجده، ضعفت المسلمين، فكرة دقيقة كثِّر سواد المسلمين، لا تكثر سواد المشركين، لا تكثر سواد العصاة، ببعض البلدان العربية إذا في مباراة كرة قدم، يدع الناس صلاة الجمعة، الجوامع فارغة لأنه في مباراة، هذه مشكلة كبيرة جداً.
من علامات آخر الزمان، الفتنة السريعة، سريعةٌ وحادة، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل.
ويقول عليه الصلاة والسلام: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتَّبع به شعف الجبال ـ أي قمم الجمال ـ ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن ".
يعني إذا كان محلك التجاري أمام ثانوية بنات، في أفضل من هذا، مكان آخر، إذا محل تجاري كل الزبائن نساء مشكلة، لأنهن كاسياتٌ عاريات، مائلاتٌ مميلات، في حرف فيها فتن كثيرة جداً، يعني: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتَّبع به شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن ".
يرووا أن الإمام أحمد بن حنبل توفاه الله عزَّ وجل، فرآه أحد تلاميذه في المنام، هو قبل أن يتوفاه الله كان يقول: كلا بعد، كلا بعد. فخافوا عليه ما هذه الكلمة، وما معناها ؟ فسأله تلميذه في المنام قال له:
ـ يا سيدي، ما معنى قولك كلا بعد؟
ـ قال الإمام أحمد: جاءني الشيطان وقال لي: نجوت يا إمام، قلت: كلا بعد.
الإنسان مادام حي معرَّض للفتنة، ما في إنسان تجاوز الخط الأحمر، كل إنسان ممكن يفتن، لذلك المؤمن يبتعد عن مواطن الفتن.
حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، حدثنا الأعمش عن يزيد، حدثنا حذيفة قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن: ((الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة))
وحدثنا عن رفعها قال: ((ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكس ـ أثر يسير جداً ـ ثم ينام النومة فتقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجلي ـ أي الدَمَلي ـ ويصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدٌ يؤدي الأمانة))
بيعٌ أساسه الكذب، أساسه الغش، أساسه التلفيق، أساسه التدليس، يشتري البضاعة، ويبيعها، ويقبض ثمنها، ولا يؤدي حق صاحبها، هكذا. قال: ((فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل ـ ذكرت هذا في خطبة سابقة ـ ما أعقله، وما أظرفه، وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة خردلٍ من إيمان)).
يمدح بعقله، وذكائه، وظَرْفه، وحنكته، وشطارته، وما في قلبه مثقال حبة خردلٍ من إيمان، قد لا يصلي، وقد يأكل مالاً حراماً.
ويقول عليه الصلاة والسلام: "اللهم بارك لنا في شأمنا ـ يعني في شامنا ـ اللهم بارك لنا في يمننا. قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا. قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ قال في الثالثة: هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان ".
يعني النبي عليه الصلاة والسلام ندبنا إلى السكنى في الشام في آخر الزمان، وقال: ((هي خير بلاد المسلمين للمسلمين يومئذٍ)).
وحدثنا عمر بن حفص، عن حذيفة بن اليمان يقول: بينما نحن جلوسٌ عند عمر إذ قال: أيكم يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ قال: ((فتنة الرجل في أهله، وماله، وولده، وجاره))
يفتن بأهله، لأنه أحياناً يدخل النار من أجل أهله، إذا كانت له زوجة فاسقة لا تتحجب، فاسقة تفسد عقول الشباب، فزوجته فتنة، ويفتن في ماله، قد يكسب مالاً حراماً وفيراً، وفرة هذا المال تغريه أن يكسبه، وولده، وجاره. قال: هذه الفتن أحياناً تكفرها الصلاة، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال عليه الصلاة والسلام: ((ولكن الفتن تموت كموج البحر))
يعني الحقيقة الشيء الذي يلفت النظر أن العالم أصبح قرية واحدة، فتنةٌ تظهر في مكان تنتشر في كل الأمكنة بأيام، صرعةٌ من صرعات الأزياء تنتشر في كل بلاد العالم، انحراف معين، فسق معيَّن، فجور معيَّن ينتشر، هذه وسائل الاتصال نعمة ونقمة، نعمة لأنك تعرف أخبار العالم، لكن أحياناً ترى الفتن، والضلالات، والانحرافات تنتقل.
وحدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلةٌ عظيمة دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريبٌ من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان ـ كان الواحد إن أراد أن يحج بيت الله الحرام يحتاج إلى أربعة أشهر ذهاباً، الآن ساعتين، في طائرات أسرع من الصوت بين أوروبا وأمريكا ساعتان ـ وتظهر الفتن، ويكثر الهرج ـ وهو كثرة القتل من علامات آخر الزمان ـ وحتى يكثر فيكم المال فيفيض ـ والحقيقة في أحياناً كتل نقدية كبيرة جداً تعبر عن ذاتها بالبزخ، والترف، والإنفاق غير المعقول ـ وحتى يتطاول الناس في البنيان ـ في بعض بلدان الخليج بناء من أرقى الأبنية يهدم ويقوم مكانه بناء أربعين طابق ـ وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه... ".
ضيق، رفاه كثير، مال كثير، انتحار كثير، انتحار بين الأغنياء، بين المترفين، هذا الضيق النفسي لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾(سورة طه)
"... وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه، وحتى تطلع الشمس من مغربها
إن كانت هذه كناية فمعناها أن كل شيءٍ يأتينا من الغرب جيد، راقٍ، متقن، أفكارهم، عاداتهم، تقاليدهم، أزياؤهم، احتفالاتهم، أعرافهم، أنماط حياتهم كلها مقدسة عندنا، والإنسان لا يرقى بين الناس إلا إذا كان كالأجانب ؛ في أعياده، في احتفالاته، في لباسه، في تقاليده، حتى في سلامه يقول لك: باي. قل له: السلام عليكم. إذا ما في كلمة أجنبية، أو تصرف أجنبي، وجلسة أجنبية، وجلسة مائلة على السيارة، وثياب معينة، وحركات معينة لا يكون راقي، يقول لك: هذا بلدي، إذا ما كان متفرنج.
"وحتى تطلع الشمس من مغربها".
والحقيقة في شيء غريب جداً، ثقافة الغرب معممة على العالم كله، حتى أدق التقاليد كلها مقتبسة من الغرب، أزياءنا، احتفالاتنا، ولائمنا، طعامنا، شرابنا، حتى أنماط سلوكنا، كلها مشتقة من الغربيين، هذا معنى تطلع الشمس من مغربها، يوم كان المسلمون في أوجهم كان الأجانب يقلدوننا. قال حينها إذا طلعت الشمس من مغربها..
﴿لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)﴾(سورة الأنعام: من آية " 158 ")
أحياناً تجد الشاب ما له هدف بالحياة إلا عيشته بأمريكا، لو أعطيته هذا الكارت الأخضر، كأنه مَلَك الجنة، يذهب إلى هناك، يخيب ظنه، يجد وحشة، يجد قسوة، يجد عمل مضني، يجد أن الإنسان يقتل لأتفه سبب، بعد المغرب ما في حركة، فساد في أجهزة الإعلام غير معقول، كان يتمنى أن يكون هناك، طبعاً الحديث عن الهجرة، في هجرة معاكسة في سبيل الشيطان.
قال: ((ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعاناه ولا يطويانه))
تأتي فجأةً كالزلزال. قال: ((ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها))
﴿لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً﴾(سورة الأعراف: من آية " 187 ").
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ(2﴾(سورة الحج)
أيها الإخوة... عودٌ على بدء نحن في ذكرى الهجرة، والله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي يقول:
((عبادةٌ في الهرج كهجرةٍ إليَّ))
إذا كنا في زمن الفتن، وهذه الأحاديث كلها في صحيح البخاري تبيِّن أن زمناً شاع فيه الفساد، وانتشرت فيه المعاصي، عليك أن تلوذ بالجماعة، وأن تلوذ بإمام الجماعة، وأن يكون لك مسجد تؤوي إليه، وأن تبتعد عن الفتن، فلعل الله سبحانه وتعالى يكتبك مع هؤلاء الذين عبدوا الله في زمن الهرج، فكأنهم هاجروا إلى الله ورسوله.
أيها الإخوة... ختاماً لهذا الدرس، أرجو الله سبحانه وتعالى أن نستفيد من هذه الأحاديث الشريفة الصحيحة التي وردت في صحيح البخاري في باب الفتن، إن أردتم أن ترجعوا إليها في باب الفتن في أواخر هذا الصحيح، هذه الأحاديث تعطينا فكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من آخر الزمان وقال: ((اشتقت لأحبابي. قالوا: أولسنا أحبابك ؟ قال: لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناسٌ يأتون في آخر الزمان، القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجرهم كأجر سبعين. قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم. قالوا: ولمَ؟ قال: لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون))
فنحن في زمنٍ صعب، والفتنة أكثر أنواع الفتن تأثيراً فتنة النساء، فالإنسان بقدر ما يبتعد، بقدر ما يغض بصره، بقدر ما يبتعد عن كل شيءٍ مثير، يَسْلَم دينه ويقترب من ربه، فإذا تساهل في هذه الأشياء، تفلت من هذا الاتصال المُسعد، وعاش في شقاءٍ كبير.
أيها الإخوة الكرام... لا تنسوا أن لكل شيءٍ ثمناً، فكما قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه، يقول الله تعالى في الحديث القدسي:
((أحب الطائعين وحبي للشاب الطائع أشد، أحب الكرماء وحبي للفقير الكريم أشد، أحب المتواضعين وحبي للغني المتواضع أشد، وأبغض ثلاثاً وبغضي لثلاثٍ أشد، أبغض العصاة وبغضي للشيخ العاصي أشد.))
أنا كنت في العمرة العام الماضي، حدثني أخ كريم له جار عمره خمسة وستين سنة، في المدينة المنورة، اشترى هذا الصحن وترك الصلاة، وهو يسكن إلى جوار قبر النبي، وترك الصلاة وعمره خمسة وستين سنة، وبدأ يتَّبع هذه المحطَّات، في فتن يصبح مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل، كم قضية بالمحاكم فيها اغتصاب أموال، أسمع قصص لا تصدق، ليس له حق إطلاقاً بهذا البيت، ادعى أنه دفع ثمنه وحلف يمين كاذب، واتفق مع القاضي، هذه الفتن، فتن في كسب الأموال، وفي اقتناص الشهوات.
دعونا من الأحاديث، تعريف الفتنة بشكل مختصر: حريةٌ في كسب الأموال، حريةٌ في اقتناص الشهوات، إذا أمور الشهوات ما فيها انضباط، وكسب المال ما فيه انضباط، هذا هو الفساد، لذلك قال تعالى:
﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(41)﴾(سورة الروم)
فصار في بؤس، المعاصي تخلِّف كآبة، المظاهر جميلة، بيوت جميلة، المناظر جميلة، في أناقة، في ترتيب، في أشياء تدغدغ عواطف الإنسان، المنعكس كآبة، المنعكس ضيق، المنعكس نفور، المنعكس شقاء في البيوت، شقاء في الأعمال، ضياع في النفوس، انتحار كثير، أمراض نفسية كثيرة الآن، إنسان يتكلم مع نفسه وهو يسير في الطريق، حالات انفصام الشخصية كثيرة جداً، هذا زمن الفتنة، ونحن من حيث التديُّن في أرقى بلد، "رأيت عمود الإسلام قد سل من تحت رأسي فأتبعته بصري فإذا هو في الشام".. "فعليكم بالشام في آخر الزمان". ونحن في أقدس بلدٍ، وأطهر بلدٍ فيه فتن أيضاً.
فنحن في ذكرى الهجرة، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يكتب لنا هجرةً من نوعٍ آخر، أن نعبده، لك جامع، اجلس في المسجد، في فكرة شرحتها زيادة وهي: كثِّر سواد المسلمين، يأتي أخ فيجد الجامع ممتلئ، معنى هذا شيء عظيم، أنت مجيئك يقوي المسجد، يقوي الحق، إذا كان لك مكانة لك أجر أكبر، إذا كان لك مكانة، مرتبة علمية، مرتبة اجتماعية، مرتبة إدارية، يشار لك بالبنان وتحضر، معنى هذا أنك كثير تستفيد، فالضعيف، المتردد، رجل للأمام ورجل للخلف يثبت، كثِّر سواد المسلمين لا تكثر سواد العصاة، لا تكثر سواد المشركين.
((فعليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية))
وكيف الإنسان إذا أدى زكاة ماله ـ دققوا في هذه الفكرة ـ إذا أدى زكاة ماله حفظ الله له بقية ماله، فأنت إذا أديت زكاة الوقت بطلب العلم حفظ الله لك بقية الوقت، والله أيها الإخوة بوقت قصير تنجز إنجاز كبير، الله عزَّ وجل يبارك لك في وقتك، هم في مساجدهم والله في حوائجهم، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، فالله يجعلنا من الذين اهتدوا إليه، وابتعدوا عن الفتن، وكل بلاد الله الآن فيها حق وفيها باطل، فيها مساجد وفيها ملاهي، فيها لقاءات خيِّرة وفيها لقاءات شريرة، فيها سهرات باطلة وفيها سهرات حق، فهنيئاً لمَن له مسجد علم وسهر سهرة ذكر الله عزَّ وجل، صاحب مؤمنين إذا نسي ذكروه، إذا شرد أعانوه، إذا ضعف قووه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد