بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
حين يبدأ الطفلُ في تكوين قاموسه اللغوي، تسأله أمه بسعادة: مَن أنا؟ فيجيبها بسعادة أكبر: ماما. وتجري به الشهور والأعوام، ثم يبدأ هو في طرح الأسئلة على أمه وأبيه ومَن يشاركونه المنزل، ولا يترك الطفل أداة مِن أدوات الاستفهام إلا ويستخدمها.
وكلما زاد عُمر الإنسان ووعيُه؛ تزايدت أسئلتُه، وراح يراجع الإجابات القديمة، يَستبعد منها الإجاباتِ الخاطئة والوهميّة، والتي قد يكون بَنى عليها مواقفَ خاطئة واعتقاداتٍ واهمة، قادتْه بالضرورة إلى دروبٍ صعبة أو طويلة، ولا تقلّ الخسارةُ حين قادته تلك الإجابات إلى اللا شيء. لكن أكثرَ الأسئلة حيرةً في حياة الإنسان، هي التي تبدأ بأداة الاستفهام: لماذا، ولا تسألوني: لماذا؟ هكذا طبيعة الحياة ومواقفها، حتى وأنا أكتبُ هذه السطور، أسأل نفْسي: لماذا أكتب؟ وسأتجاوز الإجابةَ عن هذا السؤال تحديداً؛ لأني أجبتُ عنه في مقال بعنوان: أسئلة الكتابة.
ربما كان السؤال بـ «لماذا» صعباً ومحيِّراً، لأنه يبحث عن الأسباب ويجري وراء الحقيقة الضائعة، التي يدّعي الجميع امتلاكها، ويضع السائلَ والمسؤولَ في دوائر مغلَقة لا خروج منها إلا بالصدق، ولا شيء غير الصدق.
الحياة سؤالٌ كبير، تتفرّع منه أسئلةٌ لا تنتهي، وكأنّ حياتنا شجرة ضخمة، والأغصان هي الأسئلة التي تتفرّع بلا توقف، أما الثمار اليانعة فهي الإجابات التي نَسعى إلى قطفِها! ومتى ما نجح الإنسانُ في الإجابة عن أسئلة الحياة، فإنه بإذن الله تعالى سيسير في بساتينها سعيداً هانئاً راضياً، لا تخيفه النوائبُ ولا تهزه العواصف، فهو ثابت اليقين عميق الإيمان واثق الخطوات.
وعندما يبني الإنسان أفكاره ومعتقداته على قواعد ثابتة ورؤى واضحة، فإنّ بنيانه يعلو شامخاً يطاول السحاب، ويقابل الشمس ويعانق الضياء، ويرسم حياتَه لوحةً زاهية الألوان. وتمتدّ رحلةُ الإنسان في البحث عن الحقيقة لتستغرق عمره بأكمله، يخفق حيناً وينجح حيناً، وربما ينشغل في جزء مِن عمره بالبحث عن إجابات لأسئلة لا قيمة لها، ويلهيه ذلك عن تحصيل إجابات الأسئلة المهمّة.
الخطير في رحلة البحث عن الحقيقة والمعرفة، أن نتوهّم امتلاكهما مِن أشخاص بعينهم، واحتكارهم لهما دون غيرهم، فالحقّ ما قالوا والصواب ما فَعلوا، بينما هُم يخبطون خبْط عشواء، ولا يفرّقون بين النقير والقطمير.
لا أحد يعترض على اتخاذ القدوة مِن الناس، أو ما يُوصف بالمثل الأعلى، ولكن حتى الشخصية التي قد نرى فيها مثالاً كاملاً فهي لا تحيط بكلّ شيءٍ عِلماً، فإدراكها يقتصر على جوانب تخصّصها وتجربتها فقط.
ولهذا فإنّ تعدّد قدوات الإنسان في مجالات عدة، يشكّل شخصيته ويثريها ويصقلها على نحو أفضل وأجمل، مع الأهمية الكبرى لإنضاج الفرد لتجربته الذاتية، والتعلّم مِن المواقف الحياتية المتنوعة، وصولاً إلى تكوين قناعاته الخاصّة. وتمضي الحياة، ويبقَى أشَدّ الأسئلة وجعاً تلكَ التي نَعرفُ إجاباتها، لكنّنا لا نَقوَى على النطقِ بها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد