تأملات في عقيدة اتحاد اللاهوت بالناسوت -2-


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

2.    تكملة الحديث عن إثبات أن نقص الخلق وكمال الخالق يحيل حلول الخالق في الخلق .

المسيح -عليه السلام- نفسه يقر بهذا النقص حيث قال ما يفيد أنه يجهل يوم القيامة فالفقرة رقم 32 من إنجيل لوقا (الإصحاح 13) تذكر قول السيد المسيح عبد الله ورسوله: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا الملائكة الذين في السماء إلا الله وحده" من النص يتوضح الآتي :

1.    المسيح لا يعلم موعد قيام الساعة باعترافه هو، وهذا يؤكد بشريته، وينفى عنه الزعم بالإلوهية. لأن نقص العلم من صفات البشر ، وليس من صفات الله.

2.    الوحيد الذي يعلم موعد قيام الساعة هو الله وحده. وهذا يهدم دعوى الزعم بالإلوهية وبالثالوث، إذ إنهم يزعمون أن المسيح هو ابن الله .
فكيف يكون كذلك إذا كان عيسى لا يعلم وأن الله وحده هو الذي يعلم؟ !
كما أن التثليث المسيحي يعنى أن كل أقنوم في الثالوث مساوي للآخر (الآب =الابن =الروح القدس) هو إله واحد وهو الله كل منهم. فإذا كان ثاني الثالوث (ابن الله) لا يعلم بإقراره هو، فكيف يكون عيسى ما يزعمون من أنه الابن والله هو نفسه وعينه وذاته الذي يقول لا أعلم؟ وهم يقولون بل أنت تعلم.. عجيب أمرهم! أليس هذا تجديفا على المسيح بأن يثبتوا له ما نفاه عن نفسه؟!

ومن أعجب العجب استنكار بعضهم على من فسر النص على ظاهره مع أن الظاهر هو الأسبق إلى الذهن والأولى بصرف المعنى إليه فمن يوجه إليك سؤالا يبعد عليك معرفته تقول له:

هذا سؤال لا أعرفه إجابته أنا ولا كبير الأساقفة 

إنما يعرفه البابا وحده .والبلاغة في الأسلوب المبالغ في النفي تقتضي الترقي من الأدنى للأعلى وذلك يفيد أن الملائكة لكونها تسكن السماء وتطلع الآيات تعرف من الغيوب ما لا يعرفه الأنبياء ومنهم المسيح عليه السلام 
كما يقر المسيح عبد الله ورسوله بأن علم الملائكة أكبر من علمه 
وكيف لا وجبريل الذي يعلمه، ويوحي إليه يما يشاء الله، ملك من الملائكة التي في السماء؟ ولو كان المسيح -عليه السلام- يريد لهم أن لا يعرفوا ميعاد الساعة لقال لهم: إنما أنذركم بها، فكيف أطلعكم على وقتها؟ 
لكنه ما قال هذا بل قال قولا قريبا من القول الذي أمر الله نبيه محمدا -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- أن يقوله للناس .يقول الله تعالى : (يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتاها إنما أنت منذر من يخشاها) ويقول (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا) (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (187) الأعراف

وقوله -تعالى-: (ثقلت في السماوات) يشير لأمر الله لنبيه -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- أن ينفي علم الملائكة بوقتها كما نفاه عنهم من قبل أخوه في النبوة المسيح -عليه السلام-.

وقوله -تعالى-: (والأرض) ينفي علم أحياء الأرض بميعادها وميقاتها.
هذا أولا .

وثانيا : لو كان المسيح -عليه السلام- يريد لهم أن لا يعرفوا ميعاد الساعة لما بالغ في أسلوب النفي وترقى به من نفيه عن نفسه إلى نفيه عن الملائكة التي في السماء فتجد أن تأويل الفقرة لديهم بأن السيد المسيح -عليه السلام- لا يريد أن يعرفهم بميعاد الساعة حتى لا يحزنهم ، من قبيل التأويل بالرأي الفاسد الباطل الذي لا يقول به عاقل .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply