بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
المسألة (١):
حديث ابن عمر (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) وللخمسة وصححه ابن حبان (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) وقال النسائي (هذا خطأ): المعنى أن كل تسليمة فيها ركعتان, ولا تجوز الزيادة عليهما, فلا يصلي أربع ركعات مثلاً بسلامٍ واحد
المسألة (٢):
إذا قام إلى ثالثةٍ في صلاة التراويح فإنه يلزمه الرجوع, ولذا يقول أهل العلم إنه كثالثةٍ في فجر, لأن بعض الناس يلتبس عليه الأمر فيما إذا ترك التشهد في الركعة الثانية وقام إلى ثالثة وهوفي التراويح فإنه يظن إنه إن شرع في القراءة حرم عليه الرجوع وأنه إذا استتم قائماً كره الرجوع, وليس الأمر كذلك بل يلزمه الرجوع إن قام إلى ثالثة حتى لوشرع في القراءة وحتى لوركع, فهوكما لوقام إلى ثالثةٍ في الفجر.
المسألة (٣):
إطلاق الحديث يدل على أن صلاة الليل لا تتقيد بعددٍ معين, ويؤيده حديث (أعني على فسك بكثرة السجود) فلا عدد محدد لصلاة الليل.
المسألة (٤):
إذا طلع الصبح فلا صلاة إلا ركعتي الصبح, وبعضهم يقول بأن الوتر يستمر بعد طلوع الصبح إلى إقامة صلاة الصبح, وبعض السلف قضى الوتر بعد طلوع الصبح, لكن مقتضى هذا الحديث أنه لا يُقضى الوتر بعد طلوع الصبح حيث قال (فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى), فدل على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الصبح ولا يستمر إلى ما بعد الطلوع, وعلى هذا إذا خاف أن يباغته الصبح فإنه يصلي ركعة واحدة, لكن إذا تيقن طلوع الصبح فإنه يقف, لأن وقت الوتر انتهى وفات وقته ودخل وقت النهي.
المسألة (٥):
يقضى الوتر وقيام الليل بعد ارتفاع الشمس وقبل الزوال, على أن يكون شفعاً, لأن النهار ليس بمحلٍّ للوتر, فإذا كانت عادته أن يوتر بثلاث فإنه يصلي من الضحى أربع ركعات, وإذا كانت عادته أن يوتر بخمس فإنه يصلي من الضحى ست ركعات, وإذا كانت عادته أن يوتر بسبع فإنه يصلي من الضحى ثماني ركعات وهكذا.
المسألة (٦):
فعله عليه الصلاة والسلام واقتصاره على إحدى عشرة ركعة وعدم زيادته على ذلك لا في رمضان ولا في غيره لا يدل على التحديد, ومن اقتصر على العدد مع الإخلال بكيفية صلاة النبي عليه الصلاة والسلام لهذه الإحدى عشرة ركعة لا يقال إنه أكمل من غيره ممن زاد في العدد, ومن اقتصر على العدد مع الإتيان بالكيفية بلا إخلال فإنه يرجى له أن يحصل على أجر أعظم من أجر من زاد في العدد.
المسألة (٧):
الوتر إما ركعة أوثلاث أوخمس أوسبع أوتسع أوإحدى عشرة, وقيام الليل مطلق مثنى مثنى.
المسألة (٨):
قضاء قيام الليل في الضحى يكون بنية قضاء قيام الليل لا بنية صلاة الضحى.
المسألة (٩):
حديث أبي هريرة (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل): صلاة الليل تشمل قيام الليل وتشمل الوتر, وكون صلاة الليل أفضل من صلاة النهار تطوعاً لأنه أقرب إلى الخشوع وأسكن للقلب وأبعد عن رؤية الناس, وفي ثلث الليل الأخير وقت النزول الإلاهي.
المسألة (١٠):
لم يحفظ عنه عليه الصلاة والسلام أنه قام ليلةً بكاملها, اللهم إلا ما ذكر عنه في العشر الأخيرة من رمضان, وفيما عدا ذلك فإنه ينام ويقوم.
المسألة (١١):
حديث أبي أيوب الأنصاري (الوتر حق على كل مسلم, من أحب أن يوتر بخمس فليفعل, ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل, ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل): قوله (حق) يعني متأكد, كما تقول لفلان من الناس (لك علي حق) يعني متأكد, ولا يلزم من هذا أن يكون واجباً, فهومن آكد النوافل وإن لم يكن واجباً, ولهذا فجمهور أهل العلم على أن الوتر ليس بواجب والأدلة على ذلك كثيرة, ومنها أنه لما ذكر الصلوات الخمس قال (هل علي غيرها) قال (لا إلا أن تطَّوع), فدل على أن الوتر ليس بواجب, وأوجبه أبوحنيفة استدلالاً بمثل هذا الحديث وحمل الحق على الواجب الذي يجب أداؤه, لكن عامة أهل العلم على أن الحق هوالمتأكد وإن لم يكن واجباً.
المسألة (١٢):
قوله (من أحب أن يوتر بخمس فليفعل): ظاهره أنها بسلامٍ واحد, وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه أوتر بخمس بسلامٍ واحد ولا يجلس بينها.
المسألة (١٣):
أدنى الكمال في الوتر ثلاث وأكثره إحدى عشرة.
المسألة (١٤):
صلى النبي عليه الصلاة والسلام إحدى عشرة ركعة وثلاث عشرة ركعة, وأوتر بتسع يجلس في الثامنة ويتشهد ثم يقوم ويسلم بعد التاسعة, وأوتر بسبع بسلامٍ واحد, وأوتر بخمس, وأوتر بثلاث, وجاء النهي عن تشبيه الوتر بالثلاث بالمغرب, بل يسرد هذه الثلاث سرداً أويفصل بينها بسلام.
المسألة (١٥):
لم يثبت من فعله عليه الصلاة والسلام أنه أوتر بواحدة, وثبت ذلك من فعل معاوية رضي الله عنه وصوبه ابن عباس, ودل عليه هذا الحديث إن صح رفعه, وإلا فقد رجح النسائي وقفه على أبي أيوب, ومن أهل العلم من يصححه مرفوعاً.
المسألة (١٦):
منهم من يقول إنه وإن لم يثبت رفعه فإن له حكم الرفع, لأن أعداد الصلوات توقيفية, لا يمكن أن يقولها الصحابي من تلقاء نفسه ومن اجتهاده, لأن الأعداد مردها إلى الشارع, وحينئذٍ يكون الوتر بواحدة مشروع.
المسألة (١٧):
حديث علي (ليس الوتر بحتمٍ كهيئة المكتوبة ولكن سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا من أدلة الجمهور على أن الوتر ليس بواجب, وإن كان الحديث فيه مقال, لأن فيه عاصم بن ضَمُرة, تكلم فيه غير واحد من أهل العلم, وحسنه الترمذي وصححه الحاكم, لكنه لا يسلم من مقال.
المسألة (١٨):
حديث جابر (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في شهر رمضان ثم انتظروه من القابلة فلم يخرج وقال: إني خشيت أن يُكتب عليكم الوتر): الحديث ضعيف, لكن ثبت في الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بهم في رمضان, صلى فاجتمع له الناس وصلوا بصلاته, ثم في الليلة الثانية اجتمع أكثر منهم, ثم انتظروه في الثالثة فلم يخرج إليهم, وقال (إني خشيت أن تُكتب عليكم) يعني صلاة الليل, لأنهم إذا كتبت عليهم قد يعجزون عنها, فترك الصلاة بهم في ليالي رمضان جماعةً لا نسخاً لها ولا عدولاً عنها وإنما خشية أن تفرض عليهم.
المسألة (١٩):
تركه عليه الصلاة والسلام للصلاة جماعة في رمضان لا عدولاً عنها ولا نسخاً لها, ولذا لما أمنت خشية الفرضية بوفاته عليه الصلاة والسلام جمعهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على إمامٍ واحد, حيث خرج وهم يصلون أوزاعاً, كلٌّ يصلي لنفسه فجمعهم على إمام واحد, ثم خرج في ليلةٍ وكأنه أعجبه صنيعهم فقال كما في البخاري (نعمت البدعة هذه).
المسألة (٢٠):
البدعة في الأصل ما عُمِلَ على غير مثال سابق, وفي الشرع ما أُحدِث في الدين مما لم يسبق له شرعية في الكتاب والسنة, وإذا لم تكن صلاة التراويح بدعة لا لغوية ولا شرعية, فما معنى قول عمر رضي الله عنه (نعمت البدعة هذه)؟
شيخ الإسلام رحمه الله - ويقلده كثير من أهل العلم – يقول إنها بدعة لغوية, لكن البدعة في اللغة ما عُمِلَ على غير مثال سابق, وصلاة التراويح جماعةً في ليالي رمضان عُمِلَت على مثال سابق, حيث صلاها النبي عليه الصلاة والسلام ليلتين جماعة, فليست بدعة لغوية، كونه تركها لعلة لا يعني أنه تركها رغبةً عنها ولا نسخاً لها, لأنها لونسخت لم يجز لأحدٍ أن يعمل بمنسوخ, إلا من جهل أنه منسوخ، ليست ببدعة شرعية, لأنها سبقت شرعيتها من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ليس ذلك من قبيل المجاز, لأن المجاز لا يعرف في لغة العرب بالمعنى الذي يفسره به من يقول به وهو(استعمال اللفظ في غير ما وُضِعَ له).
الصواب أن تعبير عمر رضي الله عنه بذلك كان من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير, لما خرج عليهم ورأى هذا المنظر الذي أعجبه وقد استند فيه إلى فعل النبي عليه الصلاة والسلام ولم يبتدع خشي أن يقال (ابتدعت يا عمر) أوكأنه قيل له (ابتدعت يا عمر) فقال (نعمت البدعة هذه) على سبيل المشاكلة والمجانسة في التعبير, وإلا فهي ليست ببدعة لا لغوية ولا شرعية وليس ذلك من قبيل المجاز، باب المشاكلة والمجانسة معروف في علم البديع وله أمثلة كثيرة, منها قوله تعالى (وجزاء سيئة سيئة مثلها), فإن الجناية سيئةٌ بلا شك ومعاقبة الجاني حسنة, لكن سميت معاقبة الجاني في الآية سيئة من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير
المسألة (٢١):
صلاة الليل مشروعة جماعة ولها أصل حتى في غير رمضان, حيث صلاها النبي عليه الصلاة والسلام وصلاها معه ابن عباس جماعة, وصلاها معه ابن مسعود جماعة, وقيام رمضان مشروع وجاء الحث عليه بقوله عليه الصلاة والسلام (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه), وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام رمضان جماعة, وكونه ترك فإنه لم يكن نسخاً ولا عدولاً عنها وإنما خشية أن تفرض, فتشريعها باقٍ مع أمن ما خشيه النبي عليه الصلاة والسلام من كونها تفرض.
المسألة (٢١):
حديث خارجة بن حذافة (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم, قلنا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الوتر ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر).
المسألة (٢٢):
قوله (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم): يعني زادكم على ما افترض عليكم.
- الفرق بين الفعل الثلاثي (مد) والفعل الرباعي (أمد): (مد) يأتي في الشر كما في قوله تعالى (ونمد له من العذاب مداً), و(أمد) يأتي في الخير كما هنا وكما في قوله تعالى (وأمددناكم بأموال وبنين).
- حمر النعم هي الإبل الحمر التي هي أنفس أموال العرب.
المسألة (٢٣):
الوتر من آكد الصلوات, ولذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يحافظ عليه سفراً وحضراً.
المسألة (٢٤):
قوله (ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر): هذا وقت الوتر, فلا يصح الوتر قبل صلاة العشاء, وإذا طلع الفجر انتهى وقته.
الوتر مربوط بصلاة العشاء لقوله (ما بين صلاة العشاء), فلوجمعت العشاء إلى المغرب جمع تقديم فله أن يصلي الوتر ولوقبل وقت العشاء, ويأتي الوتر بعد الفريضة والراتبة, ويستمر وقته إلى طلوع الفجر, فإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر
المسألة (٢٥):
حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه (الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا): أخرجه أبوداود بسند لين, يعني فيه ضعف, وإن صححه الحاكم, لأن في إسناده عبيد الله بن عبد الله العتكي, وهومضعف عند أهل العلم.
- لكن متنه فيه ما فيه, فقوله (الوتر حق) مقبول وليس بباطل, لكن النكارة في قوله (فمن لم يوتر فليس منا) والأدلة تدل على أن الوتر ليس بواجب, فلا يمكن أن يقال مثل ذلك والوتر ليس بواجب, إلا إذا تجوزنا في العبارة
- معنى (فليس منا) أي ليس على طريقتنا وهدينا وسنتنا في الوتر, يعني ترك سنتنا وهدينا وطريقتنا في الوتر, وهذا محمول على الرجل الذي يترك الوتر بالكلية, ولذا يقول الإمام أحمد (من ترك الوتر فهورجل سوء ينبغي ألا تقبل له شهادة) وهومحمول على من تركه واستمر على تركه, وليس محمولاً على من يوتر لكن تركه مرة أومرتين, فهذا لا يؤثر, لأن الوتر سنة عند الجمهور.
المسألة (٢٦):
حديث عائشة (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة): ثبت أنه صلى ثلاث عشرة ركعة, وثبت في حديث أبي هريرة وغيره أنه زاد على الإحدى عشرة ركعة, لكن هذا على حسب علمها
- كما أخبرت عنه عليه الصلاة والسلام أنه ما كان يصوم من عشر ذي الحجة وثبت من طريق غيرها أنه كان يصوم, فكونه يترك ويفعل ما لم تطلع عليه لا يعني عدم الوجود, على أن عدم الزيادة في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة هوغالب فعله عليه الصلاة والسلام, وهذا ديدنه لا يزيد على ذلك.
المسألة (٢٧):
قولها (يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن)
هذه الأربع يحتمل أن تكون بسلام واحد,
ويحتمل أن تكون بسلامين
إلا أن حديث (صلاة الليل مثنى مثنى) ينفي الاحتمال الأول.
- قولها (فلا تسأل عن حسنهن وطولهن): لأن ذلك مشهور من فعله فلا يُسأل عنه, أولأنني لا أستطيع أن أصف هذا الحسن وهذا الطول, لا أستطيع ذلك حقيقةً أولأنك ومثلك لا يحتمل مثل هذا الوصف ولا يستوعبه, لأن بعض الناس ينظر إلى الناس ويقيس فعلهم على فعله.
المسألة (٢٨):
ثبت في الصحيح أنه قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران في ركعة واحدة وقراءته كانت مداً.
المسألة (٢٩):
فمن أراد أن يقتدي به عليه الصلاة والسلام بالكيفية والكمية فهوالمتَّبِع, لكن من يقتدي به في الكمية ويصلي إحدى عشرة ركعة في دقائق معدودة, ويقول إن الزيادة على الإحدى عشرة بدعة لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما كان يزيد على الإحدى عشرة ركعة, نقول له: الذي لم يزد - وعرفنا صفة صلاته عليه الصلاة والسلام - هوالذي قال (صلاة الليل مثنى مثنى) ولم يحدد, وإنما قال (فإذا خشي أحدكم الصبح فليوتر بواحدة) فإطلاق هذا الحديث يدل على أنه لا عدد محدد
المسألة (٣٠):
قولها (فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: يا عائشة إن عينيَّ تنامان ولا ينام قلبي): هذا هوالغالب من حاله عليه الصلاة والسلام, تنام عيناه وينفخ في نومه وله غطيط ومع ذلكم قلبه يقظ ، وذكروا من خصائصه عليه الصلاة والسلام أن نومه لا ينقض الوضوء.
المسألة (٣١):
قد يقول قائل النبي عليه الصلاة والسلام تنام عيناه ولا ينام قلبه, فكيف نام عن صلاة الصبح حتى أيقظه حر الشمس؟ أين قلبه عليه الصلاة والسلام عن الفريضة؟ نقول: في هذه اللحظة نام قلبه وإلا لوكان القلب يقظاً ما ترك الفريضة من أجل مصلحة التشريع كما أنه سها للتشريع, وهذا فيه أيضاً تسلية لأهل الحرص, وليس فيه مستمسك للمفرطين الذين عادتهم وديدنهم النوم عن صلاة الصبح وعن غيرها من الصلوات.
المسألة (٣٢):
وفي رواية (كان يصلي من الليل عشر ركعات, ويوتر بسجدة, ويركع ركعتي الفجر, فتلك ثلاث عشرة): المراد بالسجدة هنا الركعة.
المسألة (٣٣):
قولها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة, يوتر من ذلك بخمس, لا يجلس في شيء إلا في آخرها): عزوهذا الحديث إلى البخاري وهم, بل هومن أفراد مسلم.
المسألة (٣٤):
يصلي ثمان ركعات على الصفة المشروحة في حديث عائشة (يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يوتر بخمس) ثم يوتر بخمس, وفي حديث عائشة أوتر بثلاث بعد الثمان.
المسألة (٣٥):
ثبت في هذا الحديث أنه زاد على الإحدى عشرة ركعة, وكونه صلى ثلاث عشرة ركعة لا يعني أن الإنسان لا يزيد عليها, فالعدد غير مراد, وكونه يغلب عليه عليه الصلاة والسلام أنه يصلي إحدى عشرة ركعة لا يعني أن العدد ملزم.
المسألة (٣٦):
حديث عائشة (من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى وتره إلى السحر): يعني أوتر من أوله, وأوتر من أثنائه, وانتهى وتره إلى السحر, وهوآخر الليل الذي هووقت الاستغفار.
المسألة (٣٧):
فيه دليل على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الصبح, وإن قال بعض أهل العلم أنه يُقضَى بعد طلوع الفجر وفعله بعض السلف, لكن هذا الحديث وما في معناه يدل على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر.
المسألة (٣٨):
حديث عبد الله بن عمرو(يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل): يدل على أهمية قيام الليل وفضله, ويدل على فضل المداومة على العمل الصالح, والنبي عليه الصلاة والسلام كان إذا عمل عملاً أثبته, لكن لا يمنع أن يعمل الإنسان العمل في وقت نشاط ثم يفتر عنه ثم يعود إليه, ولا يمنع أن يتركه إلى ما هوأفضل منه.
المسألة (٣٩):
قيام الليل دأب الصالحين, وقد قال عليه الصلاة والسلام (نعم الرجل عبد الله - يعني ابن عمر - لوكان يقوم من الليل) فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.
المسألة (٤٠):
إذا لم يضمن القيام في آخر الليل وأوتر في أوله ثم تيسر له القيام في آخره فله أن يصلي مثنى مثنى, والأمر بجعل آخر صلاة الليل وتراً أمر إرشاد, لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى بعد الوتر.
المسألة(٤١):
الوتر غير الصلاة المطلقة فالصلاة المطلقة مثنى مثنى.
المسألة (٤٢):
يصلي أربعاً بسلامين من غير فاصل, فيسلم من الاثنتين الأوليين ثم يشرع في الأخريين ثم يفصل بعد الأخريين بدليل العطف بـ(ثم), فهذا دليل على أنه كان يرتاح بعد كل أربع ركعات, ومن هذا أخذ أهل العلم اسم صلاة التراويح, لأنهم كانوا يتروحون بعد كل تسليمتين.
المسألة (٤٣):
حديث علي (أوتروا يا أهل القرآن فإن الله وتر يحب الوتر): هذا أمر والأصل في الأمر الوجوب, وهذا الحديث من أدلة من يقول بوجوب الوتر وهم الحنفية, لكن الجمهور عندهم من الصوارف ما يجعل هذا الأمر أمر استحباب.
المسألة (٤٤):
قوله (يا أهل القرآن): المراد بهم في مثل هذا النص المسلمون لأن الأصل أن المسلمين كلهم أهل عنايةٍ بالقرآن, فالأمر متجه في هذا الحديث إلى المسلمين.
المسألة (٤٥):
لكن في النصوص الأخرى يراد بأهل القرآن أهل العناية به, أي الذين يقرأونه ويديمون النظر فيه على الوجه المأمور به ويعلِّمونه ويتعلمونه, وابن القيم في زاد المعاد يقول إن أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته هم أهل العناية به ولولم يحفظوه, فيدخل فيهم من عجز عن حفظه, ولا شك أن حفظه من العناية به.
المسألة (٤٦):
قوله (فإن الله وتر) الوتر هوالواحد الأحد الفرد, والصلاة بركعة واحدة وتر, وكذا الصلاة بثلاث وبخمس, وهذا من الأمور المشتركة, فالواحد من الناس يقال له وتر ويقال له واحد ويقال له أحد. ولذا قالوا في إن جمع الأحد آحاد, وأنكر ذلك ثعلب وهومن أئمة اللغة المحققين فقال (حاشا أن يكون للأحد جمع), لأنه نظر إليه باعتباره اسماً من أسماء الله جل وعلا, لكن خفي عليه أن اليوم الذي يلي السبت يقال له الأحد, وفي الشهر أربعة آحاد, ومعلوم أن من الأسماء الحسنى ما هومشترك, فالله وتر والواحد من الناس يقال له وتر ويقال له فرد ويقال له واحد ويقال له أحد.
المسألة (٤٧):
قوله (فإن الله وتر يحب الوتر): من باب محبة المجانس والمشاكل في التسمية, وإلا فالله عز وجل ليس كمثله شيء.
المسألة (٤٨):
حديث ابن عمر (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا): آخر عمل الإنسان في الليل يكون بالوتر, لأن الله يحب الوتر, فيُختم العمل بما يحبه الله جل وعلا.
المسألة (٤٩):
مقتضى الأمر في الحديث الوجوب, لكن جاء من الأدلة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد الوتر, ولذا من أوتر في أول الليل ثم تيسر له أن يقوم في آخر الليل لا يُمنَع من الصلاة بحجة أنه أوتر وانتهى, بل يقال له صل ما شئت لكن مثنى مثنى.
المسألة (٥٠):
وبعضهم يقول إنه يشفع وتره السابق, بمعنى أنه يستفتح صلاته بركعة واحدة تشفع له الوتر السابق ثم يصلي مثنى مثنى ثم يوتر بعد ذلك, وعلى هذا يكون قد جعل آخر صلاته بالليل وتراً, لكن يأتي حديث (لا وتران في ليلة) ومن باب أولى لا أكثر من ذلك, لأنه إذا شفع وتره بركعة ثم أوتر في آخر صلاته فإنه يكون قد أوتر ثلاث مرات, وجاء النفي في الحديث ويراد به النهي عن صلاة الوتر أكثر من مرة.
المسألة (٥١):
من غلب على ظنه أنه يقوم في آخر الليل فالمستحب بالنسبة له أن يجعل آخر صلاته بالليل وتراً للأمر الوارد في الحديث, لكن إذا غلب على ظنه أنه لا يستطيع القيام من آخر الليل فإنه يوتر في أوله لئلا يفوته ما يحبه الله جل وعلا, وقد أوصى النبي عليه الصلاة والسلام أبا هريرة أن يوتر قبل أن ينام.
المسألة (٥٢):
المقصود أن الأمر هنا أمر إرشاد أن تختم صلاة الليل بالوتر.
المسألة (٥٣):
حديث طلق بن علي (لا وتران في ليلة): يأتي النفي ويراد به النهي, وإذا جاء النهي بلفظ النفي صار أبلغ, لأن الأصل في النفي أنه يتجه إلى حقيقة الشيء وذاته, فإذا نُفِيَت الحقيقة فلأن تُنفَى الصحة من باب أولى, فنفي الحقيقة مبالغة في نفي الصحة, لأنه قد تنفى الصحة وتبقى الحقيقة, لكن إذا نفيت الحقيقة صار أبلغ في نفي الصحة, وأيضاً ما يعمل على غير هدي وعلى غير مراد الله وجوده مثل عدمه, والنفي هنا متجه إلى الحقيقة الشرعية لا العرفية.
المسألة(٥٤):
في هذا الحديث رد على من يقول بنقض الوتر وأنه يصلي ركعة تشفع وتره الأول ثم يصلي ما شاء ثم يوتر في آخر الليل ليمتثل الأمر الوارد في الحديث السابق (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً).
المسألة (٥٥):
لكن ماذا لوأوتر مع الإمام في صلاة التراويح في أول الليل ثم سلم الإمام فجاء بركعة تشفع له وتره هل يدخل في النفي في هذا الحديث؟ لا يدخل, لأنه لم يوتر أصلاً في أول الليل وإنما صلى شفعاً, وحينئذ من أراد أن يوتر في آخر الليل فإنه يشفع بعد وتر الإمام ويأتي بركعة.
المسألة (٥٦):
وهل يدخل في حديث (من صلى مع الإمام حتى ينصرف)؟ نعم يدخل لأنه صلى مع الإمام حتى انصرف, بل هوداخل في الحديث من باب أولى.
المسألة (٥٧):
لكن ماذا لوأوتر الإمام بثلاث بسلامٍ واحد هل يزيد ركعة فيشفع وتره؟ إن قيل بأنه يشفع ويزيد ركعة فإنه يكون حينئذٍ صلى أربع ركعات بسلامٍ واحد فيخالف حديث (صلاة الليل مثنى مثنى) وسبق أنه إذا قام إلى ثالثة في التراويح فكأنما قام إلى ثالثة في الفجر, وإن قيل بأنه يصلي ركعتين ثم يسلم قبل الإمام فإنه يكون حينئذٍ قد انصرف قبل الإمام فلا يكتب له قيام ليلة, فهل يقال إنه حينئذٍ لا يشفع الوتر, بل يوتر مع الإمام وإذا قام من آخر الليل فإنه يصلي مثنى مثنى؟ أويقال إنه يشفع وتكون صلاته مما زاد على الركعتين غير مقصودة فلا يكون حينئذ قد خالف النص (صلاة الليل مثنى مثنى)؟ لكن يبقى أنها مخالفة سواء كانت مقصودة أوغير مقصودة.
المسألة (٥٨):
حديث أبي بن كعب فيما يقرأ في صلاة الوتر: إذا أوتر بثلاث فإنه يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هوالله أحد.
المسألة (٥٩):
عند النسائي زيادة (ولا يسلم إلا في آخرهن): له أن تكون الثلاث بسلامين وأن تكون بسلام واحد, لكن المنهي عنه تشبيه الوتر بالمغرب.
المسألة (٦٠):
حديث عائشة في زيادة قراءة المعوذتين في الأخيرة بعد قل هوالله أحد: عند أبي داود والترمذي, لكن لفظ المعوذتين ضعيف غير محفوظ, فيه خصيف الجزري وهومضعف, بل نص بعضهم على أن زيادة المعوذتين منكرة, فالثابت ما ذُكِر من السور الثلاث.
المسألة (٦١):
حديث أبي سعيد الخدري (أوتروا قبل أن تصبحوا): هذا يبين آخر وقت الوتر وهوطلوع الصبح, وإذا خشي أن يطلع الصبح فليصل ركعة, وهذا إذا خشي وليس إذا أصبح.
المسألة (٦٢):
عند ابن حبان (من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له): لأن وقته انتهى.
المسألة (٦٣):
حديث أبي سعيد الخدري (من نام عن الوتر أونسيه فليصل إذا أصبح أوذكر): مقتضى قوله (إذا أصبح) أنه بمجرد دخوله في الصبح يصلي الوتر, لأن قوله (إذا أصبح) معناه إذا دخل في الصبح, وهذا فيه معارضة لما سبق من الأحاديث, وقد عمل بهذا جمع من السلف ورأوا أن الذي يخرج بالصبح الوقت الاختياري للوتر, وأما وقته الاضطراري فيبقى إلى إقامة صلاة الصبح, وحفظ عنه إنهم أوتروا بعد طلوع الفجر, ومن عمل بهذا الحديث مقتدياً بمن سلف فلا ينكر عليه.
المسألة (٦٤):
مقتضى هذا الحديث أنه إن غلبته عينه ولم ينتبه إلا مع أذان الصبح فإنه يوتر ولوبعد الأذان.
المسألة (٦٥):
لكن النصوص السابقة كلها تدل على أن وقت الوتر ينتهي بطلوع الفجر, وهي أكثر وأصرح وأرجح من حيث الصحة, فمجموعها أرجح من هذا الحديث.
المسألة (٦٦):
الصبح لا ينتهي بصلاة الصبح وإنما يستمر, فبعد طلوع الشمس وارتفاعها يقال له صبح, وهومصبح ما لم يمسي, فيحمل قوله (إذا أصبح) على أول النهار بعد ارتفاع الشمس وبعد خروج وقت النهي.
المسألة (٦٧):
قوله (أوذكر): ليس على إطلاقه, فلولم يذكر الوتر إلا بعد صلاة الظهر فإنه لا يقضيه لأنه سنة فات محلها.
المسألة (٦٨):
حديث جابر (من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله, ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل, فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل): إذا غلب على ظنه أنه لا يقوم من آخر الليل فإنه يوتر أول الليل, وقد أوصى النبي عليه الصلاة والسلام أبا هريرة أن يوتر قبل أن ينام, ولعله لما عرف عنه من ثقلٍ في نومه وأنه يغلب على الظن أنه لا يقوم.
المسألة (٦٩):
صلاة آخر الليل مشهودة تحضرها الملائكة, ولا شك أن ما تحضره الملائكة وتؤمِّن عليه لا أحرى بالقبول.
المسألة (٧٠):
في الحديث (أفضل القيام قيام داود ينام نصف الليل ثم يقوم ثلثه ثم ينام سدسه): حساب نصف الليل يبدأ من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر, فينام نصف هذه المدة ويقوم الثلث ويرتاح السدس, وإذا حسب بهذه الطريقة يكون قيامه في الثلث الأخير, وبهذا تلتئم النصوص ولا تتعارض, وأما إذا قلنا يحسب من غروب الشمس فإنه أولاً لن يتمكن من نوم نصف الليل لأنه لا بد أن ينتظر العشاء وإذا قام من نصف الليل فإن أكثر قيامه يكون قبل الثلث الأخير من الليل, وشيخ الإسلام يحرر هذا ويقول (في مثل هذا الحديث يحسب الليل من صلاة العشاء, والحث على قيام الثلث الأخير يحسب من غروب الشمس) وهذا ظاهر, لأنا لوحسبنا قيام ونوم داود عليه السلام من غروب الشمس فإنه ليس للمسلم أن ينام من غروب الشمس لأن أمامه فريضتان فلن يتحقق له نوم نصف الليل, لكن إذا حسبنا الوقت من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وقسمناه على اثنين ونام هذه المدة ثم انتبه فإن قيامه يكون في الثلث الأخير بخلاف ما لوحسبناه من غروب الشمس.
المسألة (٧١):
حديث ابن عمر (إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر, فأوتروا قبل طلوع الفجر): رفع هذا الحديث ضعيف, وإن كان محفوظاً عن ابن عمر رضي الله عنهما, ومثل هذا القول يدرك بالرأي وللاجتهاد فيه مسرح, فيمكن أن يفهم ابن عمر من النصوص أن وقت صلاة الوتر ينتهي بطلوع الفجر كما فهم غيره ويعبر عن ذلك, ثم يأتي بعض الرواة ويخطئ في رفعه, فلا يقال إن هذا مما لا يدرك بالرأي فله حكم الرفع.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد