بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ذكر الشيخ أحمد الحمدان قصة مؤثرة حصلت للإمام العلامة ابن عثيمين في الحج العام 1416هـ يقول:
كنت والشيخ طلال بن أحمد العقيل، والدكتور رضوان بن حسن الرضوان مع سماحة شيخنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في زيارته المعتادة التي كان يقوم بها كل عام قبل وبعد الحجّ؛ لحجاج الخارج في المطار، وزرنا حجاج دولة من الدول الإسلامية التي خرجت للتو من سيطرة الاتحاد السوفييتي، وكانوا قد نزلوا من طائرتهم ينتظرون إنهاء إجراءات جوازاتهم، وكانوا من كبار السن الذين شابت لحاهم، فطلب الشيخ ابن عثيمين مترجماً، فوجدنا أحد المطوفين الذين يتكلمون لغتهم لكنه لا يجيدها، وبدأ الشيخ حديثه معهم في بيان توحيد الربوبية ثم توحيد الألوهية، ولم يرعنا إلا صوت شاب يركض من بعيد، وينادي بصوت مرتفع: أنا أترجم.. أنا أترجم، فأعطاه مكبر الصوت، وبدأ يترجم ويتكلم بطلاقة، ورأينا المستمعين يبدو عليهم التأثر أكبر، وبعد أن فرغ الشيخ، أقبل المترجم الشاب على الشيخ يسأل: من الشيخ؟ فرد الشيخ مبتسماً: ابن عثيمين، وإذا بالشاب ينظر إلى الشيخ باندهاش، ويقول بصوت عال: الشيخ محمد؟! قال: نعم. قال: ابن صالح؟! قال: نعم. قال: ابن عثيمين؟! قال الشيخ: نعم. وإذا بالشاب يضم الشيخ ويقبل رأسه ويبكي، ثم قال للشيخ: يا شيخ، أتأذن لي أن أبلغهم، من أنت؟ قال الشيخ: نعم.
وكان الشيخ ونحن معه في دهشة من أمره، فأخذ الشاب مكبر الصوت وحدثهم بكلام لم نفهم منه إلاّ اسم الشيخ، ولقد كان منظراً مؤثراً جداً تأثرنا به جميعاً حين رأينا الشاب يخبرهم وهو يبكي من الفرح، وما إن ختم كلامه حتى علت الأصوات بالبكاء والتأثر، واللحى قد خضبت بالدموع، وقاموا يصطفون أمام الشيخ، فالتفت الشاب إلى الشيخ ابن عثيمين، وقال: يا شيخ، هؤلاء كلهم طلابك، لقد كانوا يقرؤون القرآن، ويتفقهون على كتبك وأشرطتك في الأقبية تحت الأرض، يا شيخ كلهم يعرفونك، ولكنهم لم يروك، وقد بكوا فرحاً برؤياك، وهم يستأذنونك في السلام عليك، ثم سلموا على الشيخ، وانصرفنا.
يقول صلى الله عليه وسلم: "العُلماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا دِرهمًا إنَّما ورَّثوا العِلمَ فمن أخذَ بِهِ فقد أخذَ بحظٍّ وافرٍ"، وقد صدق الشاعر حين قال:
ما الفخر إلا لأهل العلم أنهمُ
على الهدى لمن استهدى أدلاءُ
وقدر كل امرئ ما كان يحسنهُ
والجاهلون لأهل العلمِ أعداءُ
ففز بعلمٍ تعش حياً بهِ أبداً
فالناسُ موتى وأهل العلمِ أحياءُ
رحم الله الشيخ ابن عثيمين رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد