بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عجبت لمن يقف على حديث عمرو بن العاص الذي أخرجه الشيخان، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا حكم الحَاكِمُ فاجتهدَ فأصابَ ، فلهُ أجران، وإِذا حَكَمَ فاجتهد فأخطأ ، فله أَجر)، ثم هو بعد ذلك مصر على الإنكار على من خالفه في مسألة اجتهادية، يظن أن الحق فيها معه وحده، دون أن يعذر مخالفه بترك التشنيع والإنكار عليه، وجعله في عداد المجتهدين المخطئين، الذين أثبت لهم النبي صلى الله عليه وسلم عفواً كاملاً، وأجراً واحداً .
والأعجب من هذا مايحدث بين المختلفين من وحشة ونفور ، وحقد وبغضاء، وهجر وقطيعة، بل قد يصل الأمر إلى الطعن في الأعراض، واتهام النيات والسرائر .
عجباً لكل هذا، فقد كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يختلفون في مسائل، فلا تختلف قلوبهم، ولا تتنافر نفوسهم، ولا يفسد الخلافُ الودَّ بينهم .
فقد اختلف أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم يوم بني قريظة في صلاة العصر أين تصلى، لاختلافهم في فهم قوله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: (لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي لم يرد منا ذلك ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم .
وكان الصحابة رضي الله عنهم يسافرون في رمضان، فمنهم الصائم ومنهم المفطر، فلا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم .
واختلف أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في مسائل كثيرة من مسائل الاجتهاد، ولكن هذا الخلاف لم يصل إلى القلوب ولم يفسد النفوس ولم يجلب الحقد والبغضاء .
فقد عهد أبوبكر بالخلافة إلى عمر رضي الله عنهما، ولما كُلم في ذلك قال: أقول لربي: اللهم إني استخلفت عليهم خير أهلك .
وقيل لعمر رضي الله عنه: أنت خيرٌ من أبي بكر، فأجهش بالبكاء وقال: والله لَلَيلة من أبي بكر خيرٌ من عمر وآل عمر .
وقال يونس الصدفي: مارأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته يوماً في مسألة، ثم افترقنا ولقيني، فأخذ بيدي ثم قال: ياأبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة .
قال الذهبي: هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام، وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون .
وقال الإمام أحمد: لم يعبر الجسر إلى خرسان مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا في أشياء فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً .
فإلى أصحاب العقول الكاملة ، والنفوس الفقيهة ، أهدي هذه المواقف وتلك المقالات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد