أحكام المسح على الخفين


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

فإن من الأمور التي يحتاج المسلم معرفتها والإلمام بها: ما يتعلق بالمسح على الخفين فهذه جمل من المسائل المتعلقة في المسح على الخفين  فأقول مستعينا بالله:

المسح لغة: إمرار اليد على الشيء.
وشرعًا: إصابة اليد المبتلَّة بالماء، لحائل مخصوص، في زمنٍ مخصوص.
والخف لغةً: بضمِّ الخاء وتشديد الفاء: واحد الخِفَافِ التي تلبس على الرِّجل، سمِّي بذلك؛ لخفَّته.
وشرعًا: السَّاتر للقدمين إلى الكعبين فأكثر، من جلد وغيره.
خِفَاف: بكسر الخاء، ففاء مفتوحة: جمع خُفّ، والخف: ما يُلبس في الرجل من جلدٍ رقيق.
وَذُكِرَ بعد الوضوء؛ لأنَّه بَدَلٌ عن غَسْلِ ما تحته.

المسح رخصة:
والرخصة لغةً: التسهيلُ في الأمر، وشرعًا: ما ثبَتَ على خلاف دليلٍ شرعيٍّ، لمعارضِ راجح وفي الحديث: (إنَّ الله يُحِبُّ أنْ تُؤْتَى رخصه)، "رواه ابن خزيمة وابن حبان".

المسح على الخفين ثابت في القرآن والسنة المتواترة، وقد أجمع عليه المسلمون، عدا الشيعة ولا يعتد بهم.

المسح دلَّت عليه الأحاديثُ المتواترة:
قال الحسن البصري: حدَّثني سبعون من أصحاب النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: أنَّه -صلى الله عليه وسلم- مسح على خفيه.
وقال الإمام أحمد: ليس في نفسي مِنَ المَسْحِ شيء؛ فيه أربعون حديثًا عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقال ابن المبارك: ليس بين الصحابة خلافٌ في جواز المسح على الخفين
.
ونقل ابن المنذر الإجماعَ على جوازه، واتفق عليه أهل السنَّة والجماعة؛ فهو جائزٌ في الحضر والسفر، للرِّجال والنِّساء؛ تيسيرًا على المسلمين.

المخالفون قالوا: أحاديث المسح منسوخة بآية المائدة، وهذا غير صحيح لأن المسح ثابت في غزوة تبوك سنة تسع، وآية المائدة نزلت في غزوة المريسيع وهي سنة ست، فهي قبل تبوك اتفاقاً.

قال ابن القيم: لم يصحَّ عنه أنَّه مسح أسفلهما، وإنَّما جاء في حديثٍ منقطع، والأحاديثُ الصحيحة على خلافه.

تقديم اليمنى؛ وذلك لأنَّ الرِّجْلين مستقلتان، وليستا كالأذنين تابعتين للرَّأس، ولأنَّ مسحهما فَرْعُ غَسْلهما، والغسل فيه استحباب التيامن ولأنَّ حديث عائشة صريحٌ في استحباب تيامنه في طهوره، ومسح الخفين من الطهور، فيسن أنْ يمسح بأصابع يديه على ظهور قدميه، فيمسح اليمنى باليمنى، ثمَّ يمسح اليسرى باليسرى، ويفرِّج بين أصابعه، وكيفما مسح أجزأ.

لم يرد صفة المسح على الخفين ولا في مقدار ما يُمسح حديث يعتمد عليه، والظاهر أنه إذا فعل المكلف ما يسمى مسحاً على الخف لغةً أجزأ، وصفة ذلك أن يمرر اليد اليمنى مبلولة بالماء على الرجل اليمنى، واليسرى كذلك.

أجمعوا على أنَّ المسح عليه مرَّةً واحدة، وأنَّه لا يسن تكراره.

جواز المسح على الجوربين ونحوهما، ممَّا له حكم الخفين، يستر محل الفرض، والحاجة إلى لُبْسهِ والمشقَّة في نزعه، من أي شيءٍ يكون الجورب؛ من صوفٍ أو وبرٍ أَو قطنٍ أو غيرها.

في ‏حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قوله:  (توضأ) استدل به الحنابلة على جواز المسح على الخفين ونحوهما، إذا لبسهما بعد كمال طهارة بالماء، فإنْ كانت طهارته بتيمم، لم يصح.

أنْ يكون الخف ساترًا لمحلِّ العضو المفروض، وهذا مأخوذٌ من مسمَّى الخف، فإن لم يستر العضو لخَرْقٍ فيه وشق ونحوهما، فالرَّاجحُ: جواز المسح عليه، وَإِنْ ظهر بعضُ العضو، فإنَّ الظاهر تابع للمستور، فإنَّه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالاً.

المسح لمن عليه الخُفَّان أفضلُ من الغَسْلِ، مراعاةً لأصل التشريع، فالفرعُ أفضل من الأصل، وأمَّا مع عَدَمِ اللُّبْسِ فالأفضلُ الغسل، ولا يلبس ليمسح؛ لأنَّ الغسل هو الأصل.

مدة المسح تبدأ من أول مرة يمسح.. هذا القول أرجح، وليس من لبس الخف، ولا من الحدث بعد اللبس.

الغَسْلَ يُتْلَفُ الخف، فاكتفي بالمسح تيسيرًا وتسهيلًا، وحفظًا لمالية الخف، والمسح ليس غسلًا يزيل النجاسة وينقِّي الخف، وما دام أنَّ المسح لن يَزِيلَ الأذى العالق بأسفل الخف، بل إنْ مسحه بالماء يسبِّب حمله للنجاسة، جعل المسح أعلاه ليزيل ما علق به من غبار؛ لأنَّ ظاهر الخف هو الذي يُرَى، والأفضل أنْ يكون المصلِّي في غاية النظافة.

اشتراطُ كمال الطهارة لجوازِ المَسْحِ على الخفين، فلو غَسَلَ إحدى رجلَيْهِ، ثم أدخلها الخفَّ، قبل غسل الأخرَى، لم يجزىء المسح؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (فإنِّي أدخلتهما طاهرتين)؛ فهذه علَّةٌ لترك نزع الخفين، وجواز المسح عليهما.

جوازُ المسح على الخفَّيْن في السفر، كما كان في الحضر؛ بل الحاجة إليه في السفر أشد.

إذا ابتدأ المسح وهو مقيم في بلده ثم سافر فالأظهر أنه يمسح مسح مسافر، وإذا ابتدأ وهو مسافر ثم قدم بلده أثناء مدة المسح فإنه يتم مسح مقيم إن بقي له شيء، فإن مضى في سفره يوم بقي له ليلة، وإن مضى يوم وليلة فأكثر وجب عليه أن يخلع.

المسح على الخفين يكون من الحدث الأصغر، دون الحدث الأكبر؛ ففيه: يجب خلعهما وغسل ما تحتهما، وهو حكم مُجْمَع عليه بين العلماء.

والصواب أن انتهاء المدة لا يبطل الطهارة إلا إذا تمت المدة وهو على طهارته ولم يحدث.

عمومُ الحديث صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ -رضي الله عنه- قَالَ: (كَانَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفْرًا، أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهِنَّ...)، الحديث يفيدُ جوازَ المسحِ على الخفَّيْنِ، سواءٌ كان صالحًا أو مخروقًا؛ فإنَّ الغالبَ على خفاف الصحابة -رضي الله عنهم- أنْ لا تسلم من وجود الشقوق والخروق، وهذا خلاف ما قيَّده به أصحاب الإمامين الشَّافعي وأحمد، من اشتراط عدم الخرق.
قال النووي في المجموع: وحكى أصحابنا عن عمر وعلي -رضي الله عنهما- جواز المسح على الجورب وإنْ كان رقيقًا، وحكوه عن أبي يوسف ومحمد وإسحاق وداود
.

استفاضت الأخبار عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- في الصحيح: (أنَّه مسح على الخفين)، وتلقَّى الصحابة عنه ذلك، فأطلقوا القول بجواز المسح على الخفين، ومعلومٌ أنَّ الخفاف عادةً لا يخلو كثيرٌ منها من فَتْق أو خَرْق، وكان كثير من الصحابة فُقَراءَ لم يكنْ يمكنهم تجديدُ ذلك.ومن تدبَّر الشريعةَ، وأعطى القياس حقَّه، علم أنَّ الرخصة في هذا الباب واسعة، وأنَّ ذلك من محاسن الشريعة، ومن الحنيفية السمحة، والأدلَّة على رفع الحرج عن هذه الأمَّة بَلَغَتْ مبلغ القطع، ومقصدُ الشَّارع من مشروعية الرخصة الرفقُ في تحمُّل المشاقِّ، فالأخذُ بها مطلقًا موافقة للعقيدة.

المحفوظ في المسح على الخفين ونحوهما: هو التوقيت؛ للمقيم يومٌ وليلة، وللمسافر ثلاثة أيَّام ولياليهنَّ.

قال ابن عثيمين رحمه الله :
النية في لَبْس الخفين غير واجبة؛ لأن هذا عمل علق الحكم على مجرد وجوده، فلا يحتاج إلى نية، كما لو لبس الثوب فإنه لا يشترط أن ينوي به ستر عورته في صلاته مثلًا، فلا يشترط في لبس الخفين أن ينوي أنه سيمسح عليهما، ولا كذلك نية المدة، فإذا كان مسافرًا فله ثلاثة أيام نواها أم لم يَنْوِها، وإن كان مقيمًا فله يوم وليلة نواها أم لم يَنْوِها.

اشتراط الطهارة في المسح على الخفين، وأنَّه لا يجوز المسح عليهما إلاَّ إذا لُبسَا بعد كمال الطهارة؛ كما  في حديث المغيرة بن شعبة.

المسح على الخفين خاصٌّ بالحدث الأصغر؛ أمَّا الحدث الأكبر فلا يجوز المسح معه، بل لابد من خلع الخفين وغسل القدمين؛ لقوله: "إلاَّ من جنابة"؛ لأنَّ حدث الجنابة أشدُّ وأغلظُ من الحدث الأصغر، فإنَّه يحرُمُ على الجنب ما لا يحرُمُ على صاحب الحدث الأصغر.

المسح على الخفين رخصةٌ لا عزيمة، والرخصةُ ليست بواجبة، فيكونُ المسحُ على الخفين ليس بواجب.

الجبيرة  يمسحُ عليها كالخف والعمامة، ولكنَّها تخالفهما بأحكامٍ هي:
1- أنَّه لا يشترط أنْ تستُرَ محلّ الفرض.
2- ويمسحُ عليها في الحدثِ الأصغرِ والأكبر.
3- والمسحُ عليها غيرُ مؤقَّت؛ بل يمسحُ حتَّى يحصل البرء.
4- والمسحُ يكون عليها كلها وليس على بعضها.
5- وعلى الرَّاجح من قولي العلماء: أنَّه لا يشترط الطهارة عند ربطها.

وبعد فهذه بعض المسائل المتعلقة بالمسح على الخفين والجوربين، اقتطفناها من كلام العلماء للإيضاح والبيان.. والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply