بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فهذه إشارات وعبارات أسميتها (رفع الكربة عن احاديث الغربة)
فأقول مستعينا بالله:
قال أحمد بن عاصم الأنطاكي -وكان من كبار العارفين في زمان أبي سليمان الداراني-: أدركت من الأزمنة زماناً عاد فيه الإسلام غريباً كما بدأ،
وعاد وصفُ الحق فيه غريباً كما بدأ،
إن ترغب فيه إلى عالم وجدته مفتوناً بحب الدنيا، يُحب التعظيم والرئاسة
وإن ترغب فيه إلى عابد وجدته جاهلاً في عبادته مخدوعاً صريعاً ،وسائر ذلك من الرعاع. أخرجه أبو نعيم في (الحلية)
وبعد أن أورد ابن رجب هذا الأثر عقب عليه قائلاً:"فهذا وصف أهل زمانه فكيف بما حدث بعده من العظائم والدواهي التي لم تخطر بباله ولم تدر في خياله؟"
أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرباء كما عند مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلَّم- قال: ((بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء))
جاء وصف الغربة في الأحاديث أخرج الإمام أحمد وابن ماجه بسند صحيح من حديث ابن مسعود بزيادة في آخره: قيل: يا رسول الله، ومن الغرباء؟ قال: ((النُّزَّاع من القبائل))، والنُّزَّاع من القبائل هم الآحاد منهم تغربوا عن قبائلهم وعشائرهم ودخلوا في الإسلام فكانوا هم الغرباء حقاً، وأخرجه كذلك الآجُرِّيُّ بسند صحيح وعنده: ومن هم يا رسول الله؟ قال: ((الَّذين يُصْلِحون إذا فسد الناس))،
وأخرجه أحْمد والطبراني من حديث عبدالله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((طوبى للغرباء))، قلنا: وما الغرباء؟ قال: ((قوم صالحون قليل في ناس سوء كثير، مَنْ يَعصيهِمْ أكثَرُ مِمَّن يُطيعهم)) وصححه غير واحد.
قال ابن رجب:'وهؤلاء الغرباء قسمان:
أحدهما: من يصلح نفسه عند فساد الناس
والثاني: من يُصلح ما أفسد الناس
وهو أعلى القسمين وأفضلهما'.
الغربة أنواع :
- النوع الاول: غربة أهل الحق بين الخلق وهي الغربة الممدوحة، وهذه الغربة قد تكون في مكان دون مكان، ووقت دون وقت، أما الغربة المطلقة في كل الأرض فلا تكون إلا قبيل قيام الساعة
أما قبل ذلك فلن تخلو الأرض من قائمين بالحق ولو كانوا قلة، قال تعالى: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ).
- النوع الثاني من الغربة: غربة مذمومة وهي غربة أهل الباطل فهم غرباء وان كثروا لأنهم إنما يعرفون في أهل الأرض فقط.
- النوع الثالث فهي غربة مشتركة: لا تحمد و لا تذم و هي الغربة عن الوطن فإن الناس كلهم في هذه الدار غرباء إذ ليست مستقر لأحد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)
والفوائد التي احتوتها هذه الأحاديث، والتي منها:
١ - تحقق نبوءة النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذ قد تحقق ما أخبر عنه تحققا بينا
٢ - تشير الأحاديث إلى سنة إلهية ثابتة، وهي أن: أتباع الحق على مر الزمان هم القلة القليلة وأتباع الباطل هم الكثرة الكاثرة، قال -تعالى-: (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله)
٣ - في الأحاديث تأصيل لمبدأ أن عظم الأجر مع عظم البلاء الذي أكدته نصوص كثيرة كما قال في تمام الحديث: ((فطوبى للغرباء))
ختاما قال شيخ الاسلام :
في مجموع الفتاوى: "ولا يقتضي هذا أنه إذا صار غريبًا أي الإسلام أن المتمسك به يكون في شر بل هو أسعد الناس؛ كما قال في تمام الحديث: ((فطوبى للغرباء)).
وطوبى من الطيب؛ قال -تعالى-: (طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنَ مَآبٍ) فإنه يكون من جنس السابقين الأولين الذين اتبعوه لما كان غريبًا وهم أسعد الناس.
أما في الآخرة، فهم أعلى الناس درجة بعد الأنبياء - عليهم السلام -
وأما في الدنيا، فقد قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)
فالله نسأل أن يجعلنا منهم، وأن يوفقنا للاتصاف بصفاتهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد