الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
استأثر موضوع المرأة بأغلب الانتقادات الموجهة في العصر الحاضر للإسلام ، وربما كان أهم الانتقادات الموجهة للإسلام ما يأتي :
أولاً: التمييز ضد المرأة وعدم مساواتها بالرجل :
عبر القرآن الكريم عن مســاواة الــرجــل بالمرأة ، بأبلغ عبارة وأوضحها حيث قال تعالى عن أولي الألباب الأبرار {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} ولا توجد عبارة أدق وأبلغ من عبارة {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} في الدلالة على المساواة الكاملة بين الجنسين ، وقال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فأوضح سبحانه أن معيار التفاضل بين الرجل والمرأة وبين الرجل والرجل وبين المرأة والمرأة هو التقوى، بما يعني إلغاء أي معيار آخر للتفاضل اعتاد الناس على اعتباره للتميز بين البشر سواء رجع إلى العرق أم إلى اللون أم الجنس أم الجغرافيا، ومن البديهي أن المساواة في هذا المجال أي مجال الجنس هي مساواة التكامل وليست مساواة التماثل، إذ من البديهي وجود الاختلاف (وليس التماثل) بين الجنسين فسيولوجيا و بيولوجيا وسايكلوجياً ، ومن مقتضى ذلك أن يكون بينهما بعض الاختلافات سوسيولوجياً .
ومن مظاهر المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام :
أ – المساواة في الأهلية القانونية ، فشروط اكتساب هذه الأهلية في الرجل والمرأة واحدة ، وتعني هذه الأهلية الصلاحية الكاملة لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات .
ويلاحظ أن هذا النوع من المساواة بين الجنسين الذي قرره الإسلام قبل أربعة عشر قرناً ، لم يتحقق لدى الشعوب الأوربية إلا منذ وقت قصير .
فحتى وقت قريب جداً كانت الكتب المدرسية في القانون الفرنسي تمثل لنقص الأهلية بالمرأة في بعض الحالات .
وربما كان مثل هذه الحالات ما قصده جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب ص 389 حيث قال (إن الشريعة الإسلامية منحت الزوجات التي يزعم أن المسلمين لا يعاشرونهن بالمعروف حقوقاً لا نجد مثلها في قوانينا) وكان الزواج في مثل القانون الفرنسي مصدراً لاتحاد الذمه المالية بين الزوجين وبموجبها تكون تصرفات المرأة القانونية في مالها موقوفة على إذن زوجها فتعتبر بذلك ناقصة الأهلية القانونية .
ب – المساواة أمام القانون .
ج ـ المساواة في الحريات العامة وحقوق الإنسان .
د ـ المساواة في المسئولية والجزاء .
بالرغم مما سبق فقد ظل الاتهام يوجه للاسلام جهلاً أو تجاهلاً بأنه يميز Against Discriminate ضد المرأة ويؤسس هذا الاتهام على الشبه الآتية :
أ ـ أن للمرأة نصف نصيب الرجل في الميراث:
هذه الشبهة مبنية على وهم أن المرأة حينما تكون مع الرجل في مستوى واحد من القرابة من المورث من ناحية درجة القرابة وقوتها ( إخوة أشقاء أو لأب أو لأم ) يكون دائماً للمرأة نصف نصيب الرجل في الميراث .
والحق أن هذا ليس صحيحاً فالقرآن تضمن سبع حالات تكون فيها المرأة مع الرجل في مستوى واحد من القرابة :
من هذه الحالات ثلاث يكون للمرأة نصف الرجل :
1. الأولاد حينما يكونون في مستوى واحد من القرابة {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}
2. الأخوة الأشقاء أو الأب حينما يكونون في مستوى واحد من قوة القرابة. {وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ}
3. الأب والأم حينما ينفردان بالميراث فيكون للأم الثلث وللأب الباقي (الثلثان) {فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ}
وثلاث حالات يكون فيها للمرآة مثل نصيب الرجل :
أ – حالات الأب والأم مع وجود الأولاد {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ}
ب – الأخ والأخت للأم {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ}
ج ـ مجموعة الأخوة والأخوات للأم يقسم بينهم الثلث بالسوية {فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ}
والحالة السابعة عندما يكون مع الأب والأم زوج فهذه الحالة يختلف فيها الفقهاء فمنهم من يرى أن للمرأة (الأم) نصف نصيب الرجل (الأب) ومنهم من يرى أن للرجل (الأب) نصف نصيب المرأة (الأم).
أما عندما يختلف مستوى القرابة من المورث سواء من ناحية درجة القرابة أو من ناحية قوتها فإنه توجد حالات كثيرة تستأثر فيها المرأة بالميراث دون الرجل ، أو يكون نصيبها أكبر .
أن انخرام الاطراد بالنسبة لتنصيف نصيب المرأة في الميراث ولو في حالة واحدة يدل على أن الأنوثة بمجردها ليست هي العامل في الحكم بأن للمرأة نصف نصيب الرجل في بعض الحالات، فكيف إذا انـخرم الأطراد في ثــلاث حــــالات من سبـــع، وإنما هناك عوامل أخرى هي العوامل التي تؤثر في اختلاف أنصبة الوارثين حتى لو كانوا كلهم ذكوراً أو كلهم إناثاً .
أي أن إعطاء المرأة نصف نصيب الرجل في الميراث في بعض الحالات لايعني التمييز ضد المرأة أو الإخلال بمبدأ المساواة في الحقوق بينها وبين الرجل .
على أن الذين ينتقدون هذا الحكم بدعوى أنه ظلم للمرأة ، واخلال بعدم مساواتها بالرجل في الميراث تسمح قوانينهم وأعرافهم للمورث أن يحرم المرأة من أولاده من الميراث بالكلية، ويخص بالإرث واحداً أو أكثر من أولاده الذكور .
وهذا ما يحصل ربما في أكثر الحالات حيث يرغب الرجل المورث أن لاتخرج الثروة عن العائلة .
وقد يكون من المناسب أن نقتبس في هذا السياق نصاً من غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب في ص 389 حيث يقول: (مبادئ المواريث التي نص عليها القرآن بالغة العدل والإنصاف .. ويظهر من مقابلتي بينها وبين الحقوق (القوانين) الفرنسية والإنكليزية أن الشريعة الإسلامية منحت الزوجات التي يزعم أن المسلمين لا يعاشرونهن بالمعروف حقوقاً لا نجد مثلها في قوانيننا) .
ويقول في ص 390 في الهامش: (لا يرث الأزواج والزوجات في فرنسا إلا عند عدم وجود من لهم الحق في الميراث وفي انكلترا على العكس بأخذ الزوج جميع التركه ، أما الزوجة فتأخذ فقط النصف إذا لم يوجد أولاد ، وتأخذ الحكومة الباقي ، أما إذا وجد أولاد فتأخذ الزوجة الثلث ويأخذ الأولاد أو أولادهم الباقي).
ب – شهادة المرأة نصف شهادة الرجل :
إن فكرة أن شهادة المرأة توزن دائماً بنصف شهادة الرجل هي أيضاً فكرة وهمية وإن كانت هذه الفكرة ترجع في أساسها إلى النص الكريم {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}
ولكن هذا النص كما ظاهر وارد على شهــادة التحمل وليس على شهادة الأداء ، وهــــو وارد –كما يبين من السياق– على الشهادة في توثيق الدين وقاس عليه الفقهاء توثيق المعاملات المالية الأخرى، والحديث الشريف ”أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟” يشير إلى نص الآية الكريمة كما في فتح الباري (ج 1 ص 484) .
أما شهادة الأداء فالمصدر المباشر للأحكام الفقهية فيها هو في غالب الأحوال الاجتهاد وليس النص وهي تخضع لاعتبارات مختلفة من ذلك مثلا أن هناك حالات تقبل فيها شهادة امرأة واحدة ولاتقبل فيها شهادة الرجال .
توضيح الفرق بين شهادة التحمل وشهادة الأداء يمكن بمقارنة الآية الكريمة في البقرة {وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ} بمعنى استشهدوا شهيدين عدلين مسلمين، بالآية الكريمة في المائدة {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} بمعنى استشهدوا شهيدين من المسلمين العدول أو من غير المسلمين ، الآية الأولى وردت في شهادة التحمل والثانية في شهادة الأداء وكما هو واضح اعتبرت في شهادة الأداء شهادة الكافر ، ولم تعتبر في شهادة التحمل .
إن الشهادة في نقل النصوص الشرعية أهم من أي شهادة أخرى ، وفي نقل النصوص تعتبر شهادة المرأة في وزن شهادة الرجل ، بل إن مما يستحق الذكر أن فئاماً من الرجال كذبهم علماء الجرح والتعديل في الحديث ، في حين أن الأمام الذهبي رحمه الله قال: لا أعلم من النساء من تركه علماء الحديث.
ج ـ دية المرأة نصف دية الرجل:
لا علاقة لهذا الحكم بفكرة مساواة التكامل بين الرجل والمرأة ولا يمكن أن يعتبر تمييزاً ضد المرأة .
إذ المنتفع أو المستحق للدية ليس الميت أو الميتة بل الوارث عنه أو عنها .
وعند ما يلاحظ معنى التعويض للمضرور في تشريع الدية فإن العدل يوجب التفريق بين الأضرار وأن يوزن التعويض بالضرر، وهذا مالا تختلف عليه الشرائع والقوانين، ولا أحد ينازع أن المستحق للدية وهو الوارث يكون ضرره بسبب موت مورثه –في غالب الأحوال– أكثر إذا كان المورث رجلاً ، إذ يكون المورث في الغالب – لا سيما في حالة حاجة الوارث –هو العائل في حال حياته للوارث ، والأحكام الشرعية مثل الأحكام القانونية تبنى على الغالب .
يوضح هذا الأمر أن الدية عندما يكون المنتفع بها المصاب نفسه أي عندما تكون الدية عن عضو متلف وليس عن الحياة فإن الأمر يختلف في هذه الحالة ، وتستوي دية الرجل ودية المرأة إلى حدود يختلف الفقهاء في تعيينها .
د – الرجال قوامون على النساء:
سواء فسرت كلمة (قوامون) بالإمرة والقيادة، أو بتحمل المسئولية في النفقة والرعاية، فلا تعني خفض منزلة المرأة من حيث هي إمرأة عن منزلة الرجل من حيث هو رجل .
فالحكم في الآية خاص بتنظيم العلاقة بين الزوجين، وليس حكماً عاماً للعلاقة بين الرجل والمرأة .
وإذا قيل إن الحكم يعني الإمرة والقيادة في الأسرة فلا يعني هذا أيضاً التمييز ضد المرأة .
توضيح ذلك أن القاعدة العامة في الإسلام في تنظيم العلاقات في المجتمع سواء كان مجتمعاً صغيراً كالأسرة أو الرفقة في السفر أو كان مجتمعاً كبيراً تقوم على الشورى والقيادة ولما كانت الأحكام تبنى على الغالب ، ولا ينازع عاقل أن الرجل الزوج أو الأب –في الغالب– أكثر تأهلا للقيادة في الأسرة من المرأة –الزوجة والأم– كان من المناسب أن تناط قيادة الأسرة بالرجل (الزوج ، الأب)
وربما كان هذا ما تعنيه الآية الكريمة بعبارة {بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}(34) سورة النساء .
ويلاحظ الفرق في التعبير بين أن يقال بما {بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} الوارد في الآية الكريمة وأن يقال: (بما فضل الله به الأزواج على الزوجات أو الآباء على الأمهات) فالتعبير الوارد في الآية الكريمة يحتمل أن يكون المراد به بما فضل الله بعض الرجال على بعض النساء مما هو الغالب من الصفات المؤهلة للأمره والقيادة في الأسرة والقدرة عل تحمل المسئولية والإنفاق ، كما يحتمل التعبير أن يكون المراد به: بما تميز به كل من الجنسين عن الآخر من ميزات توجب أن تكون القوامه للرجل، بمعنى أن ما فضل الله به الرجال على النساء من صفات وما فضل الله به النساء على الرجال من صفات، جعل الرجل أكثر أهلية لقيادة الأسرة، وجعل المرأة أكثر أهلية لإدارتها ”الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها” ولعل الاحتمال الثاني أولى إذ يشهد له المعنى المقصود بالتعبير المماثل في الآية قبلها {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ}(32) سورة النساء فهنا الواضح أن معنى التعبير {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي لا يتمنى الرجال مافضل الله به النساء ولا النساء مافضل الله به الرجال .
فالآية الكريمة {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}(34) سورة النساء لا توجب – كما رأينا – القول بتفضيل الرجل من حيث هو رجل على المرأة من حيث هى امرأة ، كما لا توجب القول بأن سبب اختصاص الرجل بتلك المسئوليه نتيجة التمييز ضد المرأة أو الإخلال بمدأ المساوأة التكاملية بينهما
وعلى كل فإذا فسرنا القوامة (قوامون على النساء) بالأمره وقيادة المجتمع الصغير (الأسرة) فإن الإمرة توجب طاعة المأمور للأمير، ولكن الطاعة هنا كما هي الطاعة في حالة كل إمارة مجتمع صغير أو كبير ليست طاعة مطلقة وإنما هي طاعة مقيدة بأن تكون (بالمعروف) كما جاء في حديث الحكم بن عمرو الغفاري ”إنما الطاعة بالمعروف” وهذا الحديث هو أصح حديث في الباب ، وكما جاء في الآية الكريمة في بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}(12) سورة الممتحنة قال المفسرون علم الله أن نبيه صلى الله عليه وسلم لن يأمر بغير المعروف ولكن أراد أن يعلم الأمراء أن طاعتهم غير مطلقة .
والأمر في هذا واضح إذ أن الطاعة المطلقة في حكم الإسلام من خصائص الإلهية .
وقد وردت الأحاديث الصحيحة ترغب المر أه في طاعة زوجها وتحذرها من معصيته وكلها مقيده كما ذكرنا – بأن تكون الطاعة بالمعروف .
وحكم الإسلام في الإمرة والطاعة لا يعني استبداد الأمير وخضوع المأمور سواء في المجتمع الصغير أم في المجتمع الكبير، بل إن الشورى ينبغي أن تطبق في كل مجتمع بما في ذلك مجتمع الأسرة ، قال تعالى في وصف مجتمع المؤمنين {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}(38) سورة الشورى بل إن القرآن نص على أنه حتى بعد انفصام العلاقة الزوجية يكون فطام الرضيع برضا وتشاور بين الوالدين {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} (233) سورة البقرة .
هـ – {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}:
فهم بعض الناس أن هذه (العبارة) في القرآن الكريم تعنى أن الرجل من حيث هو رجل أعلى رتبة من المرأة من حيث هى امرأة ، ولكن موضع العبارة في السياق لا يساعد على هذا الفهم ، إذ تجرى الآية الكريمة هكذا {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ}(228) سورة البقرة سياق الآية يدل على أن الحكم فيها وارد على حالة مراجعة الزوج لزوجته بعد طلاقها ، على أنه إذا قيل أن الحكم وارد على عموم علاقة الزوج بزوجته فيظهر أن المراد بالعبارة ما ذكره المفسرون من أن المقصود بالدرجة القوامة التي ذكرها الله في الآية الكريمة في سورة النساء {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} أو أن المقصود بها إفضال الزوج بأدائه حقها عليه كاملاً والتنازل لها عن بعض حقه عليها، وهذا المعنى الأخير هو مضمون تفسير ابن لآآ بقوله : ما أحب أن استنطف جميع حقى عليها لأن الله يقول {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}.
وعلى كلا التفسيرين فليس في الآية ما يوجب القول بالتمييز ضد المرأة .
و- ضرب الزوجات :
الضرب – كما يوحى به اللفظ – نوع من أنواع العنف تجاه الزوجات، ويعتبر لذلك من الأمراض الاجتماعية، ولذلك يحمل هذا اللفظ من الإيحاءات شحنة من المشاعر السلبية ضده .
وبسبب ذلك فكثيراً ما تقفز هذه الصورة المكروهة إلى ذهن من يقرأ الآية الكريمة {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} إذا لم يكن لدى القاريء علم سابق بطبيعة هذا الحكم في الآية الكريمة وحكمته، وأنه لا صلة له بالعنف ضد الزوجات ، الذي يعتبر مشكلة في العلاقات الزوجية، وإنما هو في الآية الكريمة على العكس من ذلك ذو طبيعة مختلفة والهدف منه علاج مشكلة جدية من مشاكل العلاقات الزوجية .
توضيح ذلك فيما يأتي :
إلى جانب الآية الكريمة في سورة النساء {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} توجد في السورة نفسها آية أخرى تتضمن حكما مقابلاً {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا} .
واضح أن الآية الأولى تعالج نشوز الزوجه باعتباره مشكلة في العلاقة الزوجية، وأن الآية الثانية تعالج نشوز الزوج باعتباره أيضا مشكلة في العلاقة الزوجية، ويكون العلاج في الحالتين بإجراء يناسب كلا من المشكلتين في الحالة الأولى تعالج المشكلة بالوعظ والهجران والضرب غير المبرح وفي الحالة الثانية تعالج بالخلع .
والنشوز في اللغة الارتفاع والعلو، والاستعلاء في العلاقات الإنسانية أمر مكروه للشارع الحكيم وقد قرن العلو بالفساد في الأرض في أكثر من آية قال الله تعالى {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} وقال الله تعالى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الارْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} وقال تعالى {تِلْكَ الدَّارُ الآخرة نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرض وَلا فَسَادًا}
يوضح ما سبق قراءة الآية الكريمة {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} في سياق ما قبلها وما بعدها .
فالآية قبلها {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} وتجئ بعدها مباشرة الآية الكريمة {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}
واضح من السياق أن النص الكريم {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} الآية ينظم حالة في العلاقة الزوجية تنشأ في مرحلة قبل مرحلة الشقاق بين الزوجين التي نظمت بالآية التالية {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} الآية أي أن النص الكريم ينظم مرحلة في العلاقة الزوجية تكون المرأة فيها راغبة في البقاء مع زوجها ولم تبلغ المرحلة من الشقاق التي ترغب المرأة فيها فراق زوجها علاجاً للشقاق بينهما .
وواضح من السياق ومن النصوص الحديثية أن الضرب المذكور في النص من ناحية الهدف منه ومن ناحية طبيعته لا صلة له (بالعنف تجاه الزوجات) فهو علاج لحالة نفسية ، وطبيعته رمزية، وليس للإيلام أو الأذى أو العدوان أو إساءة استعمال السلطة ABUSE ، وبتأمل النص، واستقراء طبيعة النفس البشرية، واستبطان سايكولوجية الإنسان تتضح الحكمة من هذا الإجراء المتدرج في علاج الاستعلاء على القيادة في المجتمع الصغير (الأسرة) حيث يبدأ بالوعظ وبيان الخطأ ، ثم الهجران في المضجع فإذا فشل هذان الإجراءان جاء الإجراء الأخير
(الضرب الرمزي) ليطامن من غلواء النفس وجنوحها للاستعلاء على القيادة والخروج عن مقتضيات السلوك السليم المطلوب لاستقرار الأسرة وانتظام سيرها .
ومع انه ليس من الممكن دائما أن يحيط الإنسان بكل الحكمة لأوامر الله الحكيم العليم الخبير ، مهما بلغ غرور الإنسان ونسيانه محدودية علمه وخبرته (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) إلا أن ماظهر من حكمة هذا التشريع كاف للرد على شغب الجاهلين .
( ز ) تعدد الزوجات :
ربما كانت قضية تعدد الزوجات أكثر القضايا التي استخدمت في نقد التشريع الإسلامي .
وإذا تجاوزنا النقد ذي الهدف السياسي أو العدائى للإسلام فالملاحظ أن نقد هذا التنظيم نشأ ابتدأ في الغرب عند احتكاكه بالإسلام ومجتمعاته، وسرى إلى المنتسبين للإسلام من ناقصي العقل والدين، وفيما يتعلق بالغربيين فإن الأمر يظهر تفسيره في الموروث الثقافي CULTURE الغربي، المستمد من التقاليد المسيحيه التي ترى أن الزواج في ذاته ليس مرغوبا باعتباره يخفض درجة الإنسان في سلم السمو الروحي، أما بالنسبة لغير الغربيين لا سيما من المنتسبين للإسلام فإن الأمر يرجع إلى التقليد الببغائي وإلى النظر إلى الغرب على أنه مقياس للقيم وفلسفة الحياة .
بمعنى أن الأساس لهذا النقد، والنظرة السلبية لنظام تعدد الزوجات ليس هو التفكير العقلاني، والموضوعي، والخبرة العملية بما يصلح البشر وتسعد به المجتمعات، وإنما أساسه مجرد الهوى والعاطفة الصادرين عن الموروثات الثقافية،
ولو تأمل الإنسان التنظيم الإسلامي لتعدد الزوجات بموضوعية وتجرد عن الهوى الجامح والعاطفة الطائشة ولو تأمله في ضوء الواقع والتجربة البشرية والموازنة بين المصالح والمفاسد لظهر له ليس فقط أن هذا التنظيم صالح للمجتمع بل إن المجتمع لا يصلح بدونه .
بل يظهر له (على خلاف مايظن الناس) أن هذا التنظيم يحقق مصلحة المرأة قبل مصلحة الرجل .
توضيح ذلك: أن الآية الكريمة التي شرعت هذا التنظيم الحكيم تجرى هكذا {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً} .
وواضح من النص أن عدل المجتمع في اليتامى يمكن أن يتحقق في المجتمع الذى يسمح بوجود تعدد الزوجات ، بل وقد أثبت الواقع والتجربة العملية والتاريخ أنه لا يتحقق بدون ذلك .
إن المجتمع لا يحقق العدل في اليتيم بوضعه في ملجأ للأيتام أو تأمين حاجاته المادية من غذاء ودواء ولباس ومسكن إذ أن لليتيم وراء ذلك حاجات عاطفية ونفسية لا تتحقق إلا بوجود أب بديل وجو أسرى بديل، وهذا لا يتحقق إلا إذا تزوجت أمه، وهذا إنما يضمن عندما يوجد اليتيم وأمه في مجتمع يوفر فرصة أكبر لزواج أم الأيتام، أي في مجتمع يكثر فيه الطلب على النساء لأجل الزواج ويقل العرض، وهذا إنما يتحقق في مجتمع يشيع فيه نظام تعدد الزوجات .
وهذا المعنى يهدينا وينبهنا إلى المصلحة الاجتماعية التي يحققها نظام تعدد الزوجات .
توضيح هذا الأمر الأخير، أن للمرأة حاجات أساسية ومن ثم حقوقاً في ضمان هذه الحاجات .
وهذه الحقوق التي يعترف بها الإسلام ويهتم بالوفاء بها تتجاوز الحقوق التي تضمنتها الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان، ونعني بالحقوق التي تتجاوز الوثيقة حق المرأة في الأمومة، وفى الزواج بالتصور الإسلامي للزواج، وهو التصور الذي يجعل غاية الزواج السكن المتبادل بين الزوجين بما تحتمل هذه الكلمة من معاني واسعة تشمل الأمن والراحة والمتعة والتحرر من القلق إلى غير ذلك من المشاعر ، التصور الذي يتغيا تبادل المودة والرحمة ، وتوفير المحضن السليم للنشأة السليمة .
وحقها في أن يكون لها بيت تكون مليكته وتتهيأ لها فيه ممارسة وظائفها الطبيعية التي بانتقاصها ينتقص المعني الحقيقي لحياة المرأة .
إذا تأملنا ماسبق أدركنا مدى الظلم والإ جحاف الذي يلحق بالمرأة إذا عاشت في مجتمع يحدد بالتقاليد أو بالقانون فرصتها في الحصول على الحقوق المذكورة، ولا شك أن المجتمع الذي يقل فيه طلب الرجال على النساء – كما في المجتمعات التي يتحدد فيها تعدد الزوجات– تتحدد فيه فرصة المرأة في الحصول على تلك الحقوق ، والواقع شاهد على ذلك .
من ناحية أخرى فإن المجتمع الذي يتحدد فيه تعدد الزوجات ومن ثم تتحدد فيه فرصه المرأة في الزواج يصبح فيه الطلاق بالنسبة للزوجه شبحا مرعبا لأنها تعلم أنها بالطلاق سوف تفقد حقوقها التي حصلت عليها بالزواج أي الحقوق والاحتياجات المشار إليها فيما سبق، وسوف يكون من الصعب عليها التعويض بزواج آخر في مجتمع تتحدد فيه فرص المرأة في الزواج .
وهذا الوضع يحمل المرأة على الصبر على ظلم زوجها لها وتقييد قدرتها على التحرر من اضطهاده ويهيئ الفرصه لنشؤ وترسيخ عادات من ظلم الزوجات في المجتمع وتظهر هذه الصورة واضحة عند المقارنة بين مجتمعات شبه القارة الهندية حيث تقيد التقاليد تعدد الزوجات ، ومجتمعات غرب أفريقيا حيث يشيع تعدد الزوجات .
ليس أوضح في الدلالة على أن الغرب في نظرته السلبية تجاه تعدد الزوجات يقاد بالهوى والعاطفة وغلبة الموروث الثقافي، وليس بالتفكير المنطقي أو الاختبار العملي للمصالح، ليس أوضح في الدلالة على ذلك من أن الغرب يقبل (قانونا وسلوكا اجتماعياً) أن تقوم خارج العلاقة الزوجية علاقة بين الزوج وامرأة أخرى –خليلة أو أكثر– تماثل علاقة الزوجية في كل شيء عدا انعدام العقد الشكلي للزواج وعدا أن الخليلة أو ثمرة علاقة الزوج بها أي الأولاد محرومون من الحقوق التي يضمنها القانون للزوجة الشرعية والأولاد الشرعيين باستثناء ما يحاول القانون بين حالة وأخرى ووقت وآخر أن يعالجه .
ومن ناحية أخرى فليس هناك مايدل على رفض الغرب لتعدد الزوجات أو الأزواج في حالات الزواج الجنسي الشاذ (زواج اللوطيين والسحاقيات) الذي شاع واعتبر قانونيا في عدد من بلدان الغرب .
وكل ما سبق يدل على أن نظرة الغرب لتعدد الزوجات ليست مبنية على أساس من المنطق أو المصلحة الاجتماعية ، وإنما على مجرد الموروث الثقافي .
ولذا فإن من الحمق أن مجتمعا – كالمجتمعات الإسلامية – ليس له هذا الموروث الثقافي ، يأخذ نتيجته تقليدا أعمى، وظنا بأن هذه النتيجة موجب التفكير الموضوعي السليم .
لا شك أن لتعدد الزوجات سلبيات كأى نظام من شؤون الحياة، وحتى الزواج بواحدة له سلبيات، ولا شك إنه لا أكره للزوجة في الغالب من أن يتزوج زوجها عليها، ولكن النظم الاجتماعية، الصالحة لا تبنى على عواطف الرغبة والكراهية، وإنما تبنى على المنطق والمصلحة العملية .
ح – ليس الذكر كالأنثى :
قال الله تعالى عن أم مريم {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ}(36) سورة آل عمران
فهِم بعض الناس أن عبارة {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} في الآية الكريمة من كلام الله وإنها تقرير بأن الأثنى أدنى منزلة من الذكر .
وسياق الآية لا يدل على هذا الفهم بل يعارضه ، إن عدم التماثل بين الذكر والأنثى حقيقة طبيعية، ولو حملت العبارة على إنها من كلام الله وإن المقصود بها عدم التماثل بين الجنسين لكان تقرير هذا المعنى تحصيل حاصل لاينبغي أن يحمل عليه كلام الله، والصحيح أن هذه العبارة من كلام أم مريم مقصودها إنها بعد أن نذرت تحرير مولودها لخدمة المعبد وفي تصورهاأن مولودها سيكون ذكراً (والمعتاد أن يخدم المعبد الذكور) فوجئت بأن مولودها أنثى، يدل على ذلك أن شيخ المفسرين الطبري في كل من نقل أقوالهم في تفسير الآية لم يذكروا إلا هذا المعنى .
فالمقصود بالعبارة نفي التماثل بين الذكر والأثني في التأهل لخدمة المعبد على ما جرت عليه عادة الناس ولا صلة للعبارة بالمفاضلة بين الأنوثة والذكورة على الإطلاق .
ط – الحجاب :
يوجه الإنتقاد للإسلام بأن الحجاب مظهر أو رمز لاضطهاد الرجل المسلم للمرأة المسلمة، وكان من الملفت للنظر – منذ بداية عهد الاستعمار تركيز أعداء الإسلام على الحجاب من بين المظاهر الإسلامية الأخرى سواء من الغربيين أو من المتشدقين بالعلمانية من المثقفين والحكام في العالم الإسلامي، وفي العشرينات من القرن العشرين كان اهتمام أتاتورك في تركيا ونادر شاه في أفغانستان وظاهر شاه في إيران بمنع الحجاب واتخاذ الإجراءات المؤلمة والعقابية في سبيل إلغائه يطغى –ربما– على كل اهتمام آخر، وفي السنوات الأخيرة وبالرغم من تحاشي الغرب الظهور داخلياً بمظهر من ينتهك الحريات الشخصية والدينية وحقوق الإنسان فقد اقتحم الغرب هذه العقبة وظهرت في بلاده ومازالت تظهر أمثله على اضطهاد المسلمات وانتهاك حريتهن بسبب الحجاب .
لقد اهتمت الدكتوره كاثرن بولوك أن يكون الحجاب موضوع رسالتها للدكتوراه في العلوم السياسية أمام جامعة تورنتو- كندا – وفي أثناء بحثها اطلعت على قدر كبير جداً مما كتب باللغة الإنجليزية عن الحجاب وأجرت مقابلات مع مسلمات محجبات واستطاعت أن تحلل في أطروحتها الدوافع الحقيقية للنقد الموجه للحجاب وصلته بالصراع السياسي والثقافي، وأثبتت وفق منهجيه علمية صارمة أنه لا صلة للحجاب باضطهاد الرجل للمرأة ، ولا بالتمييز ضدها وقد ظهرت هذه الإطروحه في طبعة عام 2003 بعنوان: Rethinking Muslim Women and Veil وقراءة هذا الكتاب لا تدع لذي لب شكا في صحة ما انتهت إليه من نتائج .
وقبل ذلك فإن قراءة آيات القرآن التي أسست مشروعية تغطية المرأة شعرها وصدرها ومواضع الفتنه من جسدها تهدي إلى أن الحجاب رمز لعفة المرأة وكرامتها ووسيلة لحمايتها، ولاصلة له باضطهاد المرأة أو التمييز ضدها {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزواجك وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ}(59) سورة الأحزاب {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}(31) سورة النــور
وعلى كل حال فيكفي لإدراك أهمية الحجاب بالنسبة للمرأة المسلمة، الاهتمام الغالي بمحاربته من قبل أعداء الإسلام، هذا الاهتمام الذي يتجاوز حدود المنطق والمعقول، ويعبر عن شعور التعصب والكراهية أكثر مما يعبر عن التفكير العقلاني المتوازن .
ثانياً: شبهات أخرى :
أ-الجهاد :
يوجه الهجوم بصفة دائمة ومستمرة إلى الجهاد، بدعوى أنه أداة للعدوان على غير المسلمين، وأنه (حرب مقدسة) بما تتضمنه هذه العبارة من إيحاءات علقت بها من عهود التاريخ الأوربي والأمريكي ، وأنه يعني تجييش المسلمين وتحريضهم على قتال غيرهم وبذلك يجعل المسلمين دائماً خطراً على السلام العالمي .
بغض النظر عن أن مصطلح الجهاد في الإسلام يعني ثلاثة عشر معنى أولها جهاد النفس كما جاء في الحديث الشريف ”المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله” ومنها ماتضمنه الحديث الشريف ” أفضل الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر” إلا أن من هذه المعاني بلاشك بذل النفس والمال لقتال العدو .
والجهاد بهذا المعنى – يعتبر بقيوده وأحكامه الشرعية أكثر الحروب عدالة ، وأنبلها هدفا، وأكثرها مراعاة للاعتبارات الإنسانية ، ويظهر هذا واضحاً من مقارنة الجهاد في الإسلام، بالحروب الأخرى التي تستعد لها الدول الحديثة وتمارسها .
الجهاد في الإسلام تحكمه ثلاثة مبادىء :
(1) الغاية النبيلة بأن يكون في سبيل الله فالحرب لأجل المصلحة القومية أو ما يدعى أنه مصلحة قومية أو لأجل المصلحة الشخصية لاتكون جهاداً .
(2) أن يكون القتال ضد من يقاتل المسلمين فالمسالم لا مجال لقتاله .
(3) أن لا يتجاوز الضرورة العسكرية فالعمليات العسكرية الانتقامية، أو التي تنفذ استجابة لعواطف الحقد والبغضاء. لا تعتبر جهاداً .
وتجمع هذه المبادىء الآية الكريمة {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}(190) سورة البقرة .
في التاريخ وجدت حروب بين المسلمين وبين المسلمين وغيرهم لم يلتزم فيها بالمباديء المشار إليها ، ولكن مثل هذه الحروب لم تعتبر جهاداً في أي وقت لا من قبل المؤرخين ولا من قبل الفقهاء.
الجهاد لا يعني شيئا مثل الحروب التي تشنها الدول الحديثة ، وتعتبر عاراً على الإنسانية،
لا توجد دولة حديثة لا يكون من ضمن أجهزتها الإدارية جهاز يعنى بشؤون الحرب حتى لو كانت محايده معترف بحيادها كسو يسرا ، ولا توجد دوله ليس لديها مخزونها من الأسلحة ، ومشاريعها للتدريب على القتال .
في 7/6/2005 أصدر المعهد الدولي لأبحاث السلام تقريره الذي تضمن أنه في عام 2004 بلغ إنفاق دول العالم على المتطلبات العسكرية 1035 مليار دولار وبلغ إنفاق دولة واحدة نصف هذا المبلغ .
وقيل أن مخزون دولة معينه من أسلحة الدمار الشامل يكفي لتدمير الكوكب الأرضي سبعة عشر مرة .
طبيعي أن هذه النفقات والاستعدادات ليست للاستعراض أو الترفيه .
في بداية القرن العشرين كان القتلى من الأطفال والنساء والمدنيين 20% من قتلى الحروب وفي نهايته بلغت هذه النسبة 80% .
إستهل القرن الحالي بحرب غريبة، حرب عبثيه، يمكن أن تكون جزأً من عالم ” كافكا” إتحدت أربعون دولة في تحالف دولي لغزو دولة ضعيفة فقيرة أنهكها ضعف الموارد ، والجفاف ، والحرب الأهلية ، ومن بين هذه الدول الأربعين إدعت دولة واحدة إنها تحارب دفاعاً عن النفس، ولكن أيا من الدول الأخرى لم تجرؤ أن تدعي أن أفغانستان مثلت تهديداً لها أو أن من المحتمل أن تمثل تهديداً لها .
وأظهرت سلوكيات الغزاة الدرك الذي وصل إليه الإنسان من ناحية تصوره للقيم الكونية وممارسته لها. (تعاون القوات الجوية والأرضية على عملية قلعة قانجي مثلاً)
يمكن المقارنة بين مثل هذه الحرب، وحرب الجهاد المحكومة بالمباديء المشار إليها لإدراك الفجوة الهائلة في المستوى الخلقي بين تشريع الجهاد ، والأعراف والممارسات الحديثه التي تحكم وتطبع حروب الدول المعاصرة ولإدراك قيمة انتقاد الجهاد الإسلامي .
ب- الرق :
ظاهر نظرياً وواقعاً هشاشة القوة الإلزامية في الاتفاقيات الدولية . الدول الحديثة تبرم المعاهدات بنية الإلتزام بها في حدود ما تقضي به مصالحها وتسمح به قوتها وليس كذلك الإسلام ، الذي يعتبر القوة الإلزامية للعقود والمعاهدات، قوة مطلقة لا يجوز الإخلال بها مهما تغيرت الظروف، أو تغيرت المصالح .
وقد وافقت دول العالم الإسلامي على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بإلغاء الرق .
فأصبح الاسترقاق غير جائز في حق المسلم ، ولم يصبح للبحث فيه الآن فائدة عملية .
أما بحثه من الناحية التاريخية فيلاحظ :
أن كلمة Slavery في اللغة الإنجليزية وما يرادفها في اللغات الأوروبية الأخرى، تختلف في معناها وفي الإيحاءات والظلال المرتبطة بها عن كلمة “رق” في لغة الإسلام وحين أباح الإسلام الرق وليس الـــ Slavery وفقاً للمقتضيات الطبيعية وقت تشريع إباحته ، كان ظاهراً تشوفه للحرية ، وللخروج من الرق ولإلغائه عندما تزول –واقعاً – مقتضيات السماح به .
يشير إلى هذا التصور والله أعلم ، أن مصدر الرق أسرى الحرب، حيث يخير المسلم وفق مصلحة الإسلام وفي حدودها بين المن والفداء والاسترقاق ، ولكن الآية الكريمة التي نظمت هذا الأمر حينما نزلت لم تذكر الاسترقاق {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}(4) سورة محمد.
ولعل هذا والله أعلم إشارة إلى توقيت الاسترقاق وأنه سوف يأتي وقت لا تدعو فيه الحكمة التشريعية إلى بقائه، على أنه حينما كان مباحاً كان لا يعنى أكثر من ملك رب العمل الصالح عمل الأجير، الفرق هو الاختيار في حالة الأجير، والإجبار في حالة الرقيق، ويقرب الإجبار في هذا المجال من الاختيار بنظام الكتابة {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}(33) سورة النــور
وتصور الآية الكريمة في سورة النساء المركز الإنساني للرقيق المسلم بعبارة معبرة أدق تعبير عن المساواة بينه وبين الحر {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}(25) سورة النساء
فجاءت الآية بعبارة {بعضكم من بعض} التي تعني وحدة الأصل والوحدة الإنسانية .
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم نسبة الرقيق إلى سيده بأنه أخوه ”إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يطعم وليكسه مما يكتسي” الحديث .
وليس هذا مجال الإفاضة في أحكام الرق وما ورد فيه من الآيات والأحاديث . وكلها تبعد بالرق في الإسلام عن الشبه بالـــ Slavery في الديانات والثقافات الأخرى .
ج- المسلم لا يقتل بالكافر :
وجه النقد للإسلام بعدم العدل في التمييز بين المسلم والكافر حيث يقتل المسلم والكافر بالمسلم ولا يقتل المسلم بالكافر .
وجه هذا النقد نتيجة لعدم الفقه في الحكم الشرعي ، توضيح المسأله إن إقادة المسلم أو الكافر بالمسلم موضوع النقد ليست في الحقيقة عقابا جنائياً بل قصاص خاضع للعفو والدية فهو حق لأولياء المقتول، فهو في هذا المعنى يختلف عن القتل عندما يكون عقوبة جنائية الحق فيها لله وليس للخلق، وهذا هو السبب في اختلاف قتل الغيلة عن قتل القصاص في الحكم .
فإذا غضضنا النظر عن حكم قتل الغيلة .
وإذا غضضنا النظر عن الاختلاف الفقهي في قتل المسلم بالكافر في حال القصاص .
فإن الحكمة ظاهرة في عدم قتل المسلم بالكافر قصاصاً كما هو رأي جمهور العلماء ويشهد له الحديث الصحيح (ولا يقتل مسلم بكافر)
وتظهر الحكمة في ذلك بملاحظة أمرين :
الأول: أن الإسلام في الجملة يكره سفك الدم ويسعى لتفاديه ما أمكن ذلك، آية هذه الكراهية أن سفك الدم والفساد في الأرض وإرادة العلو أعتبر ثالوث شر تكرر النعي عليه في القرآن أكثر من مائه وعشرين مره ولتفاديه جعل جزاء القتل القصاص، حيث يكون القصاص حقاً للوارث يمكن النزول عنه بالعفو عن القاتل، أو أخذ الدية.
الثاني: وجود دافع قوى للمسلم للعفو فالمسلم يؤمن بالقرآن الذي يجعل إحياء نفس واحده كإحياء الناس جميعاً، والذي يرغب في العفو والمغفرة والصفح بشتي صور الترغيب ويؤكد عليه في مئات المواضع، وتتأكد فاعلية هذا الدفع ويقوى أثره إذا طالت المدة بين الحكم بالقصاص وموعد تنفيذه والتي قد تمتد إلى خمسة عشر عاماً إذا وجد قاصر بين الورثه يمكن أن يعفو أو يقبل الدية .
معنى ذلك أنه في حالة قتل مسلم أو كافر لمسلم يوجد احتمال 50% في أن ينجو القاتل بالعفو من ولي الدم، أما في حالة قتل المسلم أو الكافر لكافر فلا يوجد هذا الاحتمال في الغالب، إذ لا يوجد لدى ولي الدم الكافر هذا الدافع .
ومن يعرف أحوال المملكة العربية السعودية التي تطبق نظام القصاص، ويعرف النسبة الكبيرة جداً لتنازل ولى الدم والعفو عن القاتل إما لاقتناعه ذاتيا أو لجهود المجتمع في إقناع ، يتجلى له الحكمة في التمييز بين المسلم وغير المسلم في هذا المجال، والعدل التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين والقصاص الذي يحتمل فيه العفو بنسبة 50% يختلف عن القصاص الذي لا يحتمل فيه العفو .
وبالله التوفيق ،،،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد